من نحن

لماذا لا نحافظ على خصائص البيت الدمشقي في عمارتنا مع الاستجابة للتطورات المعمارية الحديثة؟!

رغم أني لا أسكن البيت الدمشقي إلا أنه يسكنني بشدة…واجهاته السوداء البازلتية تستفز أحلامي… يقولون أن العالم أصبح قرية صغيرة بفضل التقنية الحديثة ووسائل الاتصال ولكن هذا لايعني أن نعيش دون خصائص تميز حتى أفراد هذه القرية الذين ربما قرروا قطع صلات رحمهم بهذه الجذور، و لقد أصبحنا في زمن نرفض فيه الغرف مما تبقى لتا من تراث وأن أخذنا من حضارة الآخر فسطحياً ، نستهون الأمور عند ملامستها فنقلدها دون أن نعي عمق الدافع وراء التعبير عنها ـ أي فلسفتها ـ ولأن تربتنا خصبة للتقليد بسبب فقداننا العلاقة مع الذات الداخلية لشح ٍِ في ثقتنا بأنفسنا فتطلعنا على الآخر الغربي من حاجته هو لهذا المسلك التعبير الخاص ، فاستبحناه دون الإلمام بقراءة حاجاتنا الداخلية له علنا بذلك نرفع وصمة التخلف و لهاثنا للحاق بركب الغرب.
إذاً لماذا نجري وراء كل ما هو مغاير لفنوننا و عاداتنا و أثاث بيوتنا و عمارتنا و مفاهيمنا أيضاً؟؟؟؟
البيت القديم تقليدي ـ هكذا يقولون ـ لكنه بيت قديم حديث و سيبقى معاصراً لأن أنفاس أجدادنا القدماء فيه أنفاسهم بصماتهم حركاتهم و سكناتهم . رائحة الياسمين فيه لم تتغير و هي تعانق أشجار النارنج، أحجارهم الملونة البيضاء و الصفراء و الحمراء و السوداء يتراكض عليها الظل و النور و أنعكاسات المرايا هو سيمفونية للون و الصوت و الضوء و الرائحة هو الحنين لأجدادي أما البيت الحديث الذي نقلد فيه الغرب هو شكل معمم في تخطيطه و هندسته، و معمم اللمسة، مواده إسمنتية، أما الشخصية فمعمارياً
و( ديكورياً )مطموسة ، إنه بلا رائحة… ولا فيه نَفَسُ أحد… إنه صورة…صورة ليست لأحد…
فكيف نحافظ على بيتنا العربي القديم مع تحديث يستجيب للضرورات و التطورات؟؟و فيه نكهة البلد و حضارته و تراثه و نكهة الفرد صاحبه. إن العمارة الحديثة تُكسى بالحجارة البيضاء غالباً ، فلماذا لا يُكسى جزء منها بالبازلت ـ نار الطبيعة ـ ؟؟ فلماذا لا تزين صنعة هذا الحجر الرائع أبواب بيوتنا اليوم ؟؟!
و لم غضضنا طرفنا عن الزجاج المعشق و الخزف المزجج ؟؟؟
لماذا لا يكون الفن أو التعبير بتراثنا شيئاً يومياً في حياتنا؟علنا كما قلت نرفع وصمة التخلف ليس بلهاثنا للحاق بركب الغرب بل لجعل الآخر يلهث ليلحق بنا…كما في الماضي ، عندما نهل الغرب من الشرق بشوق و فرح و افتخار ، و كان التخصيب الشرقي قد دخل رحم الغرب واعداً بتجديد الحالة العلمية و تعميق الرؤى الإنسانية.
كان الغرب يأخذ من الشرق بجرأة الآخذ و ضرورته و وقحاته كما نرى الآن ما يفعله بالعراق للاستيلاء على تراثه و فنونه و حضارته ،كذا فعل في فلسطين .
هكذا نهل الغرب من الشرق و ما نزال نحن نسافر في مركب غربي و لا حلم شرقي .و لكن من يستعير مخيلته يخسر حلمه ، لذا يجب علينا إعادة قراءة ذاتنا و بأدق التفاصيل ، يجب أن نعترف بأنه ينقصنا قراءة ذاتنا التاريخية و الفلسفية و الفكرية و الفنية أن نعي ماذا عندنا لنعرف ما ينقصنا فهل نملك الجرأة و نعترف بشحنا هذه الأيام كما بردى الذي كان يروي الناس و الأشجار و الآن صار شحيحاً يشبهنا و حوارنا عروس الحضارات الجميلة المطيبة بعطر العزة و المزينة بالأصالة و التي يعتلي رأسها دائماً تاج النصر ستعود لتعطي و تعطي كما أعطت دمشق حتى أدهشت أعطت حتى أمتلكت الهيبة والحكمة و تربعت على كرسي المجدو العلاء .
فلتبق يا دمشق منارة مجد لا تخب أنوارك ، و لن تهتز ثوابتك بتيارات الضلال لا ولن يتصدع بنيانك أبداً ستبقي يا دمشق عروس الحضارات الجميلة و كتاباً يحكي قصة سحرك جاد عليك بالنقمة زمناً حين دلف عليك الأوغاد من كل حدب و صوب فجاسوا خلال الديار و أعملوا فيك الدمار … زرعوا الشوك و نشروا الخراب …
فرنجة و مغول و غيرهم الكثير ممن تستروا بالزيف و تقنعوا بالخداع …و مآربهم واضحة و غاياتهم مكشوفة و أنت حلمهم الأول و ما زلت عالقة بأهداب الطامعين لا يغمض لهم جفن إلاعلى رسمك و لا يتورعون عن فعل المستحيل و لايتوقفون عن صهر الأباطيل في بوتقة الكذب و الادعاء كل ذلك للوصول إلى ضفافك النير المنير إلى دخول جنتك و خبائك إلى احتساء كؤوس بهائك خمراً تدور على رؤوسهم الفاغرة تفتتن بعا أفئدتهم و عقولهم و قد طار صوابهم ,و لكن هيهات ففيك يستريح التاريخ في أكبر محطات البهاء و الفداء و في دروبك تشمخ ذكريات الجهاد و العزة و النصر …
كما تشمخ بيوتاتك بحجارةٍ مصقولة لامعة سوداء, بنتها سواعد سمراء, بيوت دافئة بالحب و الحنان, عامرة بالإخلاص و الوفاء ذات بحرات و شجيرات من الياسمين تطرز شبابيكك و تتدلى عرائشها على الجدران, و الليمون و النارنج يزهوان بهديل حمامك الصب الولهان بالفل الذي يتباهى بحسنه في الأصص الفخارية على الشرفات , و الورود الجورية الحمراء تنام غافية آمنة مطمئنة و نحن أبناؤك أيتها الشامخة رؤوسنا مرفوعة بك تسافر إلى السماء مشحونة بالفخر و الاعتزاز لأنك دمشق صديقة الحب و الخير و السلام و الجمال تتعانق في أجوائك المساجد و الكنائس و يركض على أرضك السلام ليرسم بريشه ما أودعه الأجداد بين أيدينا نفائس و كنوز جعلوا في أعناقنا أمانة أمام التاريخ و البشرية جمعاء , فيك المزارات و الأسواق السياحية , نقوش و رسوم …تحف و مقتنيات …حمامات و خانات …مساجد و مدارس …ذاكرات أبدعها تعب الإنسان لتكون محطة إستراحة للمسافر القدم إليك …
كل هذا و ذاك و نحن لا نزال ننظر إليها أحياناً على أنها جزء من موروثاتنا الشعبية دون الالتفات إلى أهميتها التاريخية .
فلتبق يا دمشق القديمة جزيرة تاريخية تطفو زاهية وسط أسوارك المنيعة و المجاهدة طوال السنين الماضية و أبد الأعوام القادمة و أعمدتك و بواباتك الحجرية و كل ما تحتضنه تلك الجزيرة التاريخية من معالم و آثار و حكايا و ملاحم بشرية لتؤكد للأجيال القادمة أن دمشق هي دمشق أم الحضارات و مهد الديانات و موطن التاريخ و الانتصارات و سنعمل نحن أبناؤك البررة لصد غوائل الزمن عن وجهك العريق الذي لن تبهت ألوانه مادمنا نعرف من تكون الشام التي يحتضنها قاسيون الشامخ في هام القرون و دون أعتابه ينهد الغزاة الطامعون و هو يحنو على الفيحاء كالأم الحنون.