إنها المحبة

بسم الله الرحمن الرحيم

(يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ
يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ
اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ
مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) المائدة54

صدق الله العظيم

إنها المحبة

قالوا :
المحبة
من أعلى مقامات العارفين، وهي إبشارٌ من الله تعالى لعباده المخلصين،
ومعها نهاية الفضل العظيم، قال الله تعالى جلت قدرته “يحبهم ويحبونه” ثم
قال تعالى “ذلك فضل الله يؤته من يشاء”، وهذا خير متصل بالابتداء في المعنى
لأن الله تعالى وصف المؤمنين المحبين بفضله عليهم وما اعترض بينهما من
الكلام فهو نعت المحبوبين.
ومن عبارات زيد بن اسلم رحمه الله:" إن الله يحب العبد حتى يبلغ من حبه له أن يقول اصنع ما شئت فقد غفرت لك".
قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا أحب الله عبداً لم يضره ذنبٌ
والتائبُ من الذنب كمن لا ذنب له"، ثم تلا: “إن الله يحب التوابين ويحب
المتطهرين” وقد اشترط الله تعالى للمحبة غفران الذنوب بقوله :“يحببكم الله
ويغفر لكم ذنوبكم”. فكل مؤمن يحب الله ولكن محبته على قدر إيمانه وكشف
مشاهدته وتجلي المحبوب له على وصف من الأوصاف، دليل ذلك استجابتهم له
بالتوحيد والتزام أمره وتسليم حكمه، ثم تفاوتهم في مشاهدات التوحيد، والله
سبحانه وتعالى يصف المؤمنين بشدة الحب.
فقال
تعالى :“والذين آمنوا أشد حباً لله”، وفي قوله أشد دليل على تفاوتهم في
المحبة، لأن المعنى أشد فأشد ولم يقل شديد والحب لله،ويشبه هذا بقوله
تعالى: “إن أكرمكم عند الله أتقاكم”، فدل على تفاوتهم في الإكرام على قدر
تفاضلهم في التقوى ولم يقل إن الكرام لمتقون.
قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:“إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب
ولا يعطي الإيمان إلا من يحب”. فالمؤمنون متزايدون في الحب لله عز وجل عن
تزايدهم في المعرفة به والمشاهدة له، وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
الحب من شرط الإيمان قال:“أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما”. وفي
الحديث: “لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما”. وفي
حديث أبلغ من هذين قوله:“والله لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب
إليه مما سواهما”.
والمحبون
لله على مراتب في المحبة بعضها أعلى من بعض، فأشدهم حباً لله أحسنهم
تحققاً بأخلاقه مثل العلم والحلم والعفو وحسن الخلق والستر على الخلق،
وأعرفهم بمعاني صفاته، وأتركهم منازعة له في معاني الصفات، كي لا يشركوه
فيها مثل الكبر والحمد وحب المدح وحب الغنى والعز وطلب الذكر، ثم أشدهم
حباً لرسوله إذ كان حبيب الحبيب وأتبعهم لآثاره وأشيعهم هدياً لشمائله.
قال
بعض العارفين: إذا كان الإيمان في ظاهر القلب أي على الفؤاد كان المؤمن
محباً لله متوسطاً، فإذا دخل الإيمان باطن القلب فكان في سويدائه أحبه الحب
البالغ، وبيان ذلك أن ينظر فإن كان يؤثر الله على جميع هواه ويغلب محبته
على هوى العبد حتى تصير محبة الله على محبة العبد من كل شيء فهو محب لله
حقاً كما أنه مؤمن حقاً، وإن رأيت قلبك دون ذلك فلك من المحبة قدر ذلك.
فأول علامات المحبة:
الإيثار
للمحبوب على ذخائر القلوب ولذلك وصف الله المحبين بالإيثار، ووصف العارفون
بذلك فقال تعالى في وصفه المحبين:" يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في
صدورهم حاجة"، ثم قال تعالى :“ويؤثرون على أنفسهم”.
وقال
بعض العلماء: إن ظاهر القلب على الإسلام، وأن باطنه مكان الإيمان. فمن هنا
تفاوت المحبون في المحبة لفضل الإيمان على الإسلام وفضل الباطن على
الظاهر.
وقال بعض العلماء :
إذا تم التوحيد تمت المحبة.
وإذا تمت المحبة تم التوكل فتم الإيمان وخلص الفرض وسمي ذلك يقيناً.
وللفضيل بن عياض عبارة رائعة تقول :
“في فرض المحبة،إذا قيل لك تحب الله فاسكت فإن قلت لا فقد كفرت وإن قلت نعم فليس وصفك وصف المحبين فاحذر”.
وقال العلماء :
“ليس في الجنة نعيم أعلى من نعيم أهل المعرفة والمحبة”.
وقال
سهل بن عبد الله:" علامة حب الله، حب القرآن، وعلامة حب القرآن وحب الله،
حب النبي صلى الله عليه وسلم، وعلامة حب النبي صلى الله عليه وسلم، حب
السنة، وعلامة حب السنة حب الآخرة، وعلامة حب الآخرة بغض الدنيا، أن لا
يأخذ منها إلا زاداً".
يقول
الله تعالى : “يا أيها الذين امنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي بقوم
يحبهم ويحبونه”. أي لا يرتدون لأنهم أبدال من المرتدين، ولا ينبغي أن
يكونوا أمثالهم كما قال:" يستبدل قوماً غيركم" لا يكونوا أمثالكم.
فمن
صدق المحبة وخالصها الانقطاع إلى الحبيب بوجود الأنس ومصادفة الاستراحة
والروح عنده في المجالسة ومناجاة في الخلوة وذوق حلاوة النعيم في ترك
المخالفة لغلبة حب الموافقة.
ومن علم المحبة سهر الليل بمناجاة الخليل والحنين إلى الغروب شوقاً إلى الخلوة بالمحبوب ومناجاة القلب بسرائر الوجد.
هذه
الروائع جميعها مستمدة من"قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصفه طريق المريد
إلى مقام التوحيد" لفضيلة الشيخ أبي طالب المكي رحمه الله.

جزاك الله كل خير على موضوعك
:slight_smile:

بااارك الله فيك اخي وجزاك خيرا جهد رائع

وموضوع مفيد وقيم ومميز

لك خالص دعواتي بالخير