طريقة التفكير

[CENTER]

طريقة التفكير
بقلم : د‏.‏ فتحي مرعي

[RIGHT]

[COLOR=#000000][B][FONT=Arial]يقول ألبرت أينشتين عالم الفيزياء الشهير‏:‏ لاتستطيع ان تحل المشاكل بنفس طريقة التفكير التي خلقتها‏!‏ أي يتعين علينا أن نغير نمط تفكيرنا واسلوب تعاملنا مع الحياة ومع الناس‏,‏ لكي نحل المشاكل التي خلقناها لأنفسنا‏…‏ أو المشاكل التي يمكن ان نخلقها لانفسنا في المستقبل‏.‏
فلو كانت مشكلتنا ان الناس تتعامل معنا بحذر ولا يولونا ثقتهم‏,‏ فعلينا ان نبحث عن السبب في أنفسنا أولا قبل ان نلوم الآخرين علي تحفظهم معنا وابتعادهم عنا‏…‏ فلعل اسلوبنا في التعامل مع الناس لايريحهم‏…‏ أو لعله يريبهم‏…‏ كيف‏…‏ ولماذا؟ الاسباب المحتملة متعددة‏…‏ وقد يكون من بينها أننا لانثق بالناس ونتحفظ معهم‏,‏ فهم يعاملوننا بمثل مانعاملهم به‏…‏ هذه الامور ذات اتجاهين‏.‏ وليست في اتجاه واحد‏…‏ فلو وثقنا في الناس وتعاملنا معهم بمودة‏,‏ فلا شك ان معظمهم سيتعاملون معنا بنفس الاسلوب‏…‏ وهناك مثل يقول عامل الناس بمثل ماتحب ان يعاملوك به وليس معني ان نثق في الناس ان نطلعهم علي جميع اسرارنا‏…‏ فهذا خطأ كبير‏,‏ اذ قد يستغل ذوو النفوس الضعيفة ماعرفوه من اسرارنا‏…‏ استغلالا سيئا يوقعنا في الحرج أو يسبب لنا الأذي‏…‏ لا‏…‏ مهما وثقنا في الناس فهناك مناطق ينبغي ان تظل محظورة‏,‏ ولا داعي ابدا لاطلاع الغير عليها‏…‏ وهذا لايعني عدم الثقة فيهم ولكن لكل شئ حدود‏…‏ والثقة المطلقة تأتي عادة بنتائج غير محمودة‏.‏

ولو كانت المشكلة ان الناس لاتحبنا او تنفر منا فعلينا ان نبحث ايضا عن السبب في أنفسنا‏…‏ قد يكون الغرور الذي يحسونه فينا‏…‏ والناس لاتحب الشخص المغرور‏…‏ وقد يكون التعالي علي الناس‏…‏ والناس ايضا لاتحب الشخص الذي يتعالي عليهم‏…‏ وربما يكمن السبب في ان الشخص المعني متجهم الوجه دائما والتكشيرة تلازمه في جميع اوقاته‏(!)‏ والناس لاتطيق الشخص الكشر وقد يكون الشخص ثرثارا لايكف عن الكلام ويبدي معرفة بكل شئ‏,‏ ممن يقال عنهم ابو العريف‏(!)‏ او يكون من النوع الصامت الذي لاينطق بكلمة‏…‏ فتكون صحبته مملة غير شيقة‏…‏
وكما يقول المثل خير الأمور الوسط‏…‏ والوسط هو الاعتدال‏…‏ فلا يكون الانسان رغايا ولايكون أبا الهول في صمته وهذا القياس ينطبق علي كل شئ تقريبا‏…‏ فالكرم مثلا وسط بين البخل وبين السفه في الانفاق‏…‏ والشجاعة وسط بين الجبن وبين التهور‏…‏ وهلم جرا‏…‏ ولو كانت المشكلة اننا نهاب مواقف معينة‏…‏ مقابلة شخصية‏…‏ امتحانا شفويا‏…‏ التقدم لطلب يد ابنة احدهم‏…‏ لو اننا نهاب مواقف كهذه فعلينا ان نعالج ذلك في انفسنا بان نقنعها بانه لا داعي لهذا علي الاطلاق‏…‏ فالانسان يهاب الموقف لانه يخشي مايمكن ان يترتب علي عدم التوفيق فيه‏…‏ والخوف يؤدي الي ذلك بالضبط‏(!)‏ أي أننا بالخوف نجلب علي انفسنا مانخشي وقوعه‏…‏ والشخص الذي يقدم علي موقف وهو خائف يفقد القدرة علي التركيز وتتشتت افكاره‏,‏ وتتبعثر النقاط التي يريد ان يعرضها‏,‏ فلا يستطيع ان يلمها او يجمعها‏,‏ ويفقد القدرة علي الاقناع‏,‏ ويوحي للطرف الآخر بان هذا الشخص لايثق في نفسه أو أن هناك شئ غلط‏…‏ وكل هذا لا يأتي بالنتائج المرجوة‏…‏ وخير للشخص ألا يهاب اي موقف لان ذلك هو طريقه لتحقيق مراده‏.‏

وهناك من يعتقد بأن المرء لا يستطيع ان يغير مايجد نفسه عليه‏,‏ واذا كان ذلك كذلك‏,‏ فالذي يتهيب الموقف محكوم عليه ان يظل هكذا حتي نهاية عمره‏…‏ ابدا‏…‏ وكما يقال وبحق كل شئ في المخ اي ان مخ الانسان وهو عقله الظاهر يستطيع أن يغير ما بالعقل الباطن‏…‏ وكثير من افعالنا وردود افعالنا يؤثر عليها العقل الباطن بل ويتحكم فيها‏…‏ ولكن الناس تنسي ان هناك علاقة تبادلية بين العقل الظاهر والعقل الباطن‏,‏ اذ يؤثر كل منهما في الآخر ويتأثر به‏…‏ وان الانسان في استطاعته ان يغير ويبدل في مخزون العقل الباطن‏…‏ وذلك بان يتحاور مع نفسه‏,‏ ويسألها لماذا أتصرف علي هذا النحو؟ وسوف يعرف او بالأحري يتعرف علي الظروف والملابسات التي احاطت بموضوع قديم‏,‏ والتي اختزن عقله الباطن نتائجها‏,‏ وعممها علي كل ما يقابله من احداث مستجدة قد تتشابه مع أول تجربة‏.‏
بالحوار مع النفس يمكن للعقل الواعي ان يصحح ماترسب في العقل الباطن من آثار مثل تلك التجربة‏,‏ ويقنع نفسه بان لكل تجربة ظروفها الخاصة بها وأنه لا يجوز التعميم هكذا‏,‏ وإذا كنا لم نحسن التعامل مع تجربة سابقة فليس معني هذا ان نظل نسئ التعامل مع التجارب المماثلة لاحقا‏…‏ اذ المفروض ان نستفيد ونتعلم من تجاربنا‏…‏ وبهذا يتحرر الانسان من الترسبات التي تطبع تصرفاته علي نحو غير مرغوب فيه‏…‏ وعلي كل منا ان يحاول في هذا الاتجاه ولا ييأس‏,‏ وعندها سوف يتخلص مما كان يثقل كاهله من ردود افعال ليس لها مايبررها‏.‏ وإذا كانت المشكلة اننا لانثق في قدرتنا علي اتخاذ القرار‏,‏ وشعرنا دائما وابدا بالحاجة الملحة الي عرض مشاكلنا علي الآخرين‏,‏ ليفتونا فيما يجب ان نفعله ازاءها‏…‏ فعلينا ان نقنع أنفسنا بان فتوي الآخرين ليست بالضرورة افضل مما نراه نحن‏…‏ بل لعلها تكون قاصرة عنها‏…‏ والاساس هو ان يعمل الشخص عقله فيما هو بصدده‏,‏ واذا وجد ان هناك جوانب ليست له خبرة بها‏,‏ وكان هناك شخص معروف عنه رجاحة العقل والبصر بالامور‏,‏ فلا مانع من الاستعانة به‏,‏ فالمناقشة معه قد تدلنا علي اشياء سهونا عنها او غابت عنا‏…‏ ولكن القاعدة ان ينمي الانسان قدراته الذاتية علي اتخاذ القرار بنفسه‏,‏ وذلك يأتي بالممارسة والثقة بالنفس‏,‏ والمثل يقول ماحك جلدك مثل ظفرك‏…‏ فتول انت جميع امرك‏.‏

خلاصة المطلوب ان نعطي لانفسنا مساحة من الوقت لكي نختلي بها ونجري حوارا معها‏,‏ ونفرز مخزون العقل الباطن‏,‏ ونترك الصحيح ونتخلص من الفاسد‏,‏ ونستبدل اشياء بأخري‏,‏ فالعقل الواعي ينبغي ان تكون له السيطرة علي ما في العقل الباطن‏,‏ والا ظللنا ندور في حلقة مفرغة ولا نتقدم نحو الافضل‏…‏ والله اعطانا القدرة علي تغيير ما بانفسنا ولفتنا الي امكانية ذلك في قوله تعالي إن الله لايغير مابقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم‏(‏ الرعد‏11)‏ ولو لم يكن تغيير ما بانفسنا ممكنا لما قال ذلك العليم الخبير‏…‏ فهو الذي خلقنا ويعلم ما نحن عليه‏.‏
ما ذكرته في هذا المقال هو مجرد امثلة لتوضيح المعني الذي بدأت به‏,‏ والذي اثاره في ذهني مقولة اينشتين عالم الفيزياء المعروف‏…‏[/font][/b][/color]










[/right]

[RIGHT]نقلاً من جريده الاهرام

[/center]