الزهد ............. من مكارم الاخلاق

[CENTER][FONT=Traditional Arabic][SIZE=5][COLOR=#9932cc][B]السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

[/b][/color][/size][/font][FONT=Traditional Arabic][SIZE=5][B]الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على سيد الزاهدين وإمام العابدين
أما بعد:

فإن الدنيا دار سفر لا دار إقامة
ومنزل عبور لا موطن حبور، فينبغي للمؤمن أن يكون فيها على جناح سفر
يهيئ زاده ومتاعه للرحيل المحتوم
فالسعيد من اتخذ لهذا السفر زاداً يبلغه إلى رضوان الله تعالى
والفوز بالجنة والنجاة من النار.
[/b][/size][/font]إنما الدنيا إلى الجنة والنار طريق
والليالي متجر الإنسان والأيام سوق

[B][SIZE=5][FONT=Traditional Arabic]* تعـريـف الـزهـد في الـدنيـا:

تعددت عبارات السلف في تعريف الزهد في الدنيا
[/font]
[/size][/b][B][SIZE=5][FONT=Traditional Arabic]وكلها تدور على عدم الرغبة فيها وخلو القلب من التعلق بها.

قال الإمام أحمد:
[/font]
[/size][/b]الزهد في الدنيا: قصر الأمل.
وقال عبدالواحد بن زيد:

[B][SIZE=5][FONT=Traditional Arabic]الزهد في الدينار والدرهم.

وسئل الجنيد عن الزهد فقال:[/font]
[/size][/b][B][SIZE=5][FONT=Traditional Arabic]استصغار الدنيا، ومحو آثارها من القلب.

وقال أبو سليمان الداراني:[/font]
[/size][/b][B][SIZE=5][FONT=Traditional Arabic]الزهد: ترك ما يشغل عن الله.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:[/font]
الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة
[/size][/b][B][SIZE=5][FONT=Traditional Arabic]والورع ترك ما تخاف ضرره في الآخرة، واستحسنه ابن القيم جداً.

قال ابن القيم:[/font]
والذي أجمع عليه العارفون: أن الزهد سفر القلب من وطن الدنيا،
[/size][/b][FONT=Traditional Arabic][B][SIZE=5]وأخذ في منازل الآخرة !!.

[/size][/b][B][SIZE=5][COLOR=red]فأين المسافرون بقلوبهم إلى الله؟

أين المشمرون إلى المنازل الرفيعة والدرجات العالية؟

أين عشاق الجنان وطلاب الآخرة؟[/color]
[/size][/b][/font]
[B][SIZE=5][FONT=Traditional Arabic]* الـزهـد فـي القـرآن:

قال الإمام ابن القيم: والقرآن مملوء من التزهيد في الدنيا[/font]
والإخبار بخستها، وقلتها، وانقطاعها وسرعة فنائها
[/size][/b][B][SIZE=5][FONT=Traditional Arabic]والترغيب في الآخرة والإخبار بشرفها ودوامها.

* ومن الآيات التي حثت على التزهيد في الدنيا:

1ـ قوله تعالى:[/font]
اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد
كمثل غيث أعجب الكفار نباته
[/size][/b]ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد

ومغفرة من الله ورضوان

﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ
[ الحديد:20]
[B][SIZE=5][FONT=Traditional Arabic] .

2ـ وقوله سبحانه:
[/font]
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ
[/size][/b]مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ

ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ


[ آل عمران:14][B][SIZE=5][FONT=Traditional Arabic] .

3ـ وقوله تعالى:
[/font]
﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْ
يَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ[/size][/b]

[ الشورى:20][B][SIZE=5][FONT=Traditional Arabic] .

4ـ وقوله تعالى:
[/font]
﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً
[ النساء:77][/size][/b][B][SIZE=5][FONT=Traditional Arabic] .

5ـ وقوله تعالى:
[/font]
﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَ﴿ 16﴾وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى[/size][/b]

[ الأعلى:16-17][B][SIZE=5][FONT=Traditional Arabic] .

* أحاديث الزهد في الدنيا:

أما أحاديث النبي التي رغبت في الزهد في الدنيا
[/font]
[/size][/b][B][SIZE=5][FONT=Traditional Arabic]والتقلل منها والعزوف عنها فهي كثيرة منها:

1ـ قول النبي لابن عمر رضي الله عنهما:[/font]
( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل )
[ رواه البخاري][/size][/b]

. وزاد الترمذي في روايته:
[B][SIZE=5][FONT=Traditional Arabic]( وعد نفسك من أصحاب القبور ) .

2ـ وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:[/font]
( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر )[/size][/b]

[ رواه مسلم][B][SIZE=5][FONT=Traditional Arabic] .

3ـ وقال- صلى الله عليه وسلم- مبيناً حقارة الدنيا:[/font]
( ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم
فلينظر بم يرجع )[/size][/b]

[ رواه مسلم][B][SIZE=5][FONT=Traditional Arabic] .

4ـ وقال :
[/font]
[/size][/b]( مالي وللدنيا،إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب قال ـ أي نام ـ

في ظل شجرة، في يوم صائف، ثم راح وتركها )

[ رواه الترمذي وأحمد وهو صحيح].
5ـ وقال :

( لوكانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة،
ما سقى كافراً منها شربة ماء )


[ رواه الترمذي وصححه الألباني][B][SIZE=5][FONT=Traditional Arabic] .

6ـ وقال :
[/font]
( ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس )
[ رواه ابن ماجه وصححه الألباني][/size][/b][B][SIZE=5][FONT=Traditional Arabic] .

7ـ وقال :[/font]
( اقتربت الساعة ولا يزداد الناس على الدنيا إلا حرصاً،
[/size][/b]ولا يزدادون من الله إلا بعداً )

[ رواه الحاكم وحسنه الألباني]
[FONT=Traditional Arabic][B][SIZE=5] .

*[/size][/b] حقيقة الزهد في الدنيا:

الزهد في الدنيا هو ما كان عليه رسول الله وأصحابه،
[/font]
فهو ليس بتحريم الطيبات وتضييع الأموال،
ولا بلبس المرقع من الثياب،
ولا بالجلوس في البيوت وانتظار الصدقات،
فإن العمل الحلال والكسب الحلال والنفقة الحلال عبادة يتقرب بها العبد إلى الله

بشرط أن تكون الدنيا في الأيدي، ولا تكون في القلوب
وإذا كانت الدنيا في يد العبد لا في قلبه، استوى في عينه إقبالها وإدبارها

[B][SIZE=5][FONT=Traditional Arabic]فلم يفرح بإقبالها، ولم يحزن على إدبارها.

قال ابن القيم في وصف حقيقة الزهد:[/font]
وليس المراد ـ من الزهد ـ رفضها ـ أي الدنيا ـ من الملك،
[/size][/b]فقد كان سليمان وداود - عليهما السلام-

[B][SIZE=5][FONT=Traditional Arabic]من أزهد أهل زمانهما، ولهما من المال والملك والنساء مالهما.

وكان نبينا من أزهد البشر على الإطلاق وله تسع نسوة.

وكان علي بن أبي طالب، وعبدالرحمن بن عوف[/font]
[/size][/b][B][SIZE=5][FONT=Traditional Arabic]والزبير وعثمان - رضي الله عنهم- من الزهاد مع ما كان لهم من الأموال.

ومن أحسن ما قيل في الزهد كلام الحسن أو غيره:[/font]
ليس الزهد في الدنيا بتحريم الحلال ولا إضاعة المال،
[/size][/b][B][SIZE=5][FONT=Traditional Arabic]ولكن أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك.

جاء رجل إلى الحسن فقال:[/font]
إن لي جاراً لا يأكل الفالوذج، فقال الحسن:
ولم؟ قال: يقول: لا أؤدي شكره، فقال الحسن:
[/size][/b][FONT=Traditional Arabic][B][SIZE=5]إن جارك جاهل، وهل يؤدي شكر الماء البارد؟.

*[/size][/b] أهميـة الـزهـد:

إن الزهد في الدنيا ليس من نافلة القول،
[/font]
بل هو أمر لازم لكل من أراد رضوان الله تعالى والفوز بجنته،
ويكفي في فضيلته أنه اختيار نبينا محمد وأصحابه،
قال ابن القيم - رحمه الله- لا تتم الرغبة في الآخرة إلا بالزهد في الدنيا،
فإيثار الدنيا على الآخرة إما من فساد في الإيمان،
وإما من فساد في العقل،
[B][SIZE=5][FONT=Traditional Arabic]أو منهما معاً.

ولذا نبذها رسول الله وراء ظهره هو وأصحاب[/font]
ه، وصرفوا عنها قلوبهم، وهجروها ولم يميلوا إليها، عدوها سجناً لا جنة،
فزهدوا فيها حقيقة الزهد، ولو أرادوها لنالوا منها كل محبوب،
ولوصلوا منها إلى كل مرغوب، ولكنهم علموا أنها دار عبور لا دار سرور،
[/size][/b]وأنها سحابة صيف ينقشع عن قليل،

[FONT=Traditional Arabic][B][SIZE=5]وخيال طيف ما استتم الزيارة حتى أذن بالرحيل.

*[/size][/b][B][SIZE=5] أقسـام الـزهـد:

قال ابن القيم - رحمه الله- الزهد أقسام:

[/size][/b][/font]1[B][SIZE=5][FONT=Traditional Arabic] زهد في الحرام وهو فرض عين.

2[/font] وزهد في الشبهات، وهو بحسب مراتب الشبهة،
[/size][/b][B][SIZE=5][FONT=Traditional Arabic]فإن قويت التحق بالواجب، وإن ضعفت كان مستحباً.

[/font]3وزهد في الفضول،
[/size][/b][FONT=Traditional Arabic][SIZE=5][B]وهو زهد فيما لا يعني من الكلام والنظر والسؤال واللقاء وغيره.

[/b][/size][/font][B][SIZE=5][FONT=Traditional Arabic]4 وزهد في الناس.

5 وزهد في النفس، بحيث تهون عليه نفسه في الله.

[/font]6 وزهد جامع لذلك كله،
[/size][/b][B][SIZE=5][FONT=Traditional Arabic]وهو الزهد فيما سوى الله وفي كل ما يشغلك عنه.

وأفضل الزهد إخفاء الزهد…[/font]
[/size][/b][B][SIZE=5][FONT=Traditional Arabic]والقلب المعلق بالشهوات لا يصح له زهد ولا ورع.

* أقـوال السلف في الـزهـد:

قال على بن أبي طالب - رضي الله عنه-:[/font]
إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة،
ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة،
ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل،
﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [/size][/b]

[ البقرة:197][B][SIZE=5][FONT=Traditional Arabic] .

وقال عيسى بن مريم- عليه السلام-:
[/font]
[/size][/b][B][SIZE=5][FONT=Traditional Arabic]اعبروها و لا تعمروها.

وقال: من ذا الذي يبني على موج البحر دارا؟![/font]
[/size][/b][B][SIZE=5][FONT=Traditional Arabic]تلكم الدنيا فلا تتخذوها قرارا.

وقال عبدالله بن عون:[/font]
[/size][/b]إن من كان قبلنا كانوا يجعلون للدنيا ما فضل عن آخرتهم،

[B][SIZE=5][FONT=Traditional Arabic]وإنكم تجعلون لآخرتكم ما فضل عن دنياكم.

قلت: هذا كان في زمان عبدالله بن عون،[/font]
[/size][/b][B][SIZE=5][FONT=Traditional Arabic]أما اليوم فإن أكثر الناس قد زهدوا في الآخرة حتى بالفضلة !!

* الأسباب المعينة على الزهد في الدنيا:

1 النظر في الدنيا وسرعة زوالها وفنائها ونقصها وخستها[/font]
[/size][/b][B][SIZE=5][FONT=Traditional Arabic]وما في المزاحمة عليها من الغصص والنغص والأنكاد.

2 النظر في الآخرة وإقبالها ومجيئها ودوامها وبقائها
[/font]
[/size][/b][B][SIZE=5][FONT=Traditional Arabic]وشرف ما فيها من الخيرات.

3 الإكثار من ذكر الموت والدار الآخرة.

4 تشييع الجنائز والتفكر في مصارع الآباء والإخوان[/font]
[/size][/b][FONT=Traditional Arabic][B][SIZE=5]وأنهم لم يأخذوا في قبورهم شيئاً من الدنيا ولم يستفيدوا غير العمل الصالح.

5 التفرغ للآخرة والإقبال على طاعة الله وإعمار الأوقات بالذكر وتلاوة القرآن.

6 إيثار المصالح الدينية على المصالح الدنيوية.

7البذل والإنفاق وكثرة الصدقات.

8 ترك مجالس أهل الدنيا والاشتغال بمجالس الآخرة.
[/size][/b]
9الإقلال من الطعام والشراب والنوم والضحك والمزاح.
[/font]10[B][SIZE=5][FONT=Traditional Arabic] مطالعة أخبار الزاهدين وبخاصة سيرة النبي وأصحابه.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.[/font]

[/size][/center]
[/b]

[CENTER][FONT=Arial][SIZE=4][SIZE=4]


[/size][/size][/font][/center]

[CENTER][FONT=Traditional Arabic][B]الزهد والورع

[/b][/font]الحمدُ للهِ ثمَّ الحمدُ للهِ الحمدُ للهِ وسلامٌ على عبادِهِ الذينَ اصطفى
الحمدُ للهِ الواحِدِ الأحدِ الفردِ الصمدِ الذي لم يلدْ ولم يُولَدْ
ولم يَتَّخذْ صاحِبةً ولا وَلَداً أحمدُهُ وأستعينُهُ وأستهديهِ
وأشكُرُهُ لهُ المنَّةُ ولهُ الفضلُ ولهُ الثَّناءُ الحسنُ
لكَ الحمدُ ربَّنا على ما أنعمْتَ به عليْنا.
الحمدُ للهِ الذي هدانا لهذا وما كُنَّا لنهتَدِيَ لولا أنْ هَدَانا اللهُ
والصّلاةُ والسلامُ على سيّدِنا وحبيبِنا وعظيمِنا
وقُرَّةِ أعيُنِنَا أحمدْ بَعَثَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ هادياً ومُبَشِّراً ونذيراً وداعياً إلى اللهِ بإذنِهِ
سِراجاً وهّاجاً وَقَمَراً مُنيراً فهدى اللهُ بِهِ الأمَّةَ وكَشَفَ بهِ عنها الغُمَّةَ
وَبَلَّغَ الرِّسالةَ وَنَصَحَ الأمَّةَ فجزاهُ اللهُ عنَّا خيرَ ما جزى نبياً من أنبيائِهِ
وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ الملكُ الحقُّ المبينُ
وأشهدُ أنَّ سيدَنَا محمّداً رسولُ اللهِ الصّادقُ الوعدِ الأمينُ
صَلَواتُ ربي وسلامُهُ عليهِ وعلى ءالِهِ وصحبِهِ الطيبينَ الطّاهرينَ.


أمّا بعدُ
يقولُ اللهُ تبارَكَ وَتَعَالى في القرءانِ الكريمِ:
مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ
كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ
وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.



أيُّها الأحِبَّةُ المؤمِنُونَ إن التّقوى والوَرَعَ والتَّرَفُّعَ عن أكلِ الحرامِ
من شِيمِ عِبادِ اللهِ الصَّالحينَ فاتَّقُوا اللهَ حَيْثُمَا كُنْتُمْ واتقوا اللهَ في أنفُسِكُمْ
وأوْلادِكُم واتّقوا اللهَ في مَكْسَبِكُمْ وَمَأْكَلِكُمْ وَمَشْرَبِكُم فإنَّ هذِهِ الدُّنيا
لا تُغْني عن الآخِرَةِ شيئاً واللهُ تبارَكَ وَتَعالى الفَعَّالُ لما يُريدُ
جَعَلَ العبادَ على قِسْمينِ قِسماً غنيّاً مُوسِراً وقِسْماً فقيراً
واللهُ تعالى لا يُسْأَلُ عمّا يفعلُ وهُم يُسْأَلُونَ
هُو الإلهُ الواحِدُ فهوَ الحاكِمُ المُطلقُ وهُو الآمِرُ المُطلَقُ وهو النّاهي المُطلقُ
وهو الفعّالُ لما يريدُ خَلَقَ العبادَ على ما أرادَ،
منهُمُ الشَّقيُّ ومنهُمُ السَّعيدُ منهُمُ القويُّ ومنهُمُ الضَّعيفُ منهُمُ الثريُّ ومنهُمُ الفقيرُ
تعالى اللهُ عن أن يكونَ ظالماً فهوَ الفَعّالُ لما يُريدُ
وأمّا الذينَ ءاتاهُمُ اللهُ تعالى زينَةَ الدُّنيا وزُخْرُفَهَا وكانوا مُؤمِنينَ
واستَعْمَلُوها في طاعَةِ ربِّهِم فطُوبى لهُم وحُسنُ مَئَاب.


وأمّا الذينَ أوتُوا نصيباً من الدُّنيا واستعْملُوها في الشَّهَواتِ المُحَرَّمَاتِ
ولم يَسْتَعْمِلُوها في الطَّاعاتِ فهؤلاءِ انقَلَبَتْ عليهِمُ هذِهِ النِّعَمُ نقْمَةً في الآخرةِ.


فإنَّ المرءَ يُقالُ لهُ يومَ القيامةِ
ألم نُصِحَّ جِسْمَكَ ونُسْقِكَ منَ الماءِ البارِدِ.


حتّى الماءُ الباردُ هذِهِ النِّعمةُ العظيمةُ التي أنعَمَ اللهُ بها علينا
يُسْألُ المرءُ عنها يومَ لا ينفَعُ مالٌ ولا بنونْ إلا من أتى اللهَ بقلبٍ سليمٍ.


ففِرعونُ الذي ءاتاهُ اللهُ مُلْكَ مِصْرَ وقالَ هذِهِ الأنهارُ تجري من تحتي،
ربُّ العالمينَ أخبَرَنَا حِكَايةً عن مُوسى بنِ عِمرانَ أنهُ قالَ:
وقالَ مُوسى ربَّنَا إنَّكَ آتيْتَ فِرْعوْنَ وَمَلأَهُ زينةً وأمْوالاً في الحياةِ الدُّنْ
يا ربَّنا لِيُضِلُّوا عن سبيلِكَ ربَّنَا اطمِسْ على أموالِهِم
واشدُدْ على قُلُوبِهِم
فلا يُؤمِنوا حتّى يَرَوُا العَذَابَ الأليمَ

فاللهُ يعلَمُ أنَّ فِرْعونَ سَيَطغَى وَسَيَزدَادُ تَكَبُّراً وَتَجَبُّراً وظُلماً للعبادِ
وأنَّ المالَ والجاهَ والسُّلطةَ التي ءاتاهُ اللهُ إيّاها لن يَسْتَعْمِلَهَا في الطّاعةِ أبداً
ومع ذلكَ فقدْ ءاتاهُ اللهُ هذا السُّلْطانَ وهذا المالَ،
لِمَ؟ لأنَّ اللهَ فَعَّالٌ لما يُريدُ وهل يَنفَعُهُ ذلك يومَ الدّينِ،
لا، لن ينفَعَهُ ذلكَ يومَ الدّينِ بل تَنْقَلِبُ هذهِ النِّعمُ عليهِ نقمةً في الآخِرةِ
بحيثُ يُحاسَبُ عليها لِمَ لَمْ يستعمِلْهَا في طاعَةِ اللهِ.


تُرى وهلْ من شرْطِ الزُّهدِ أن يكونَ المرءُ فقيراً،
تُرى وهلْ من شرْطِ الزُّهدِ والوَرَعِ والتَّمَسُّكِ بالعباداتِ أن يكونَ المرءُ فقيراً؟
ليسَ شرطاً لِيكونَ المرءُ زاهِداً عابِداً ناسِكاً أن يكونَ فقيراً
ليسَ لهُ مالٌ فقدْ قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ
"نِعمَ المالُ الصّالِحْ للرَّجُلِ الصَّالِحْ"
إِذَنْ،
ربُّ العبادِ جَعَلَ العبادَ على قِسْمينِ جَعَلَ قِسْماً منهُم مُؤمنينَ
وقِسْماً منهُم كافِرينَ جَعَلَ العبادَ على قِسْمينِ قِسْماً
ثَريّاً غنيّاً
وقِسْماً فقيراً
فاللهُ تبارَكَ وَتَعَالى جَعَلَ الدُّنيا يَشْترِكُ في التَّنَعُّمِ فيها المؤمنونَ والكافرونَ
وأما نعيمُ الآخِرةِ فهوَ خاصٌّ بالمؤمنينَ وهذا معنى حديثِ
رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ:
“الدُّنيا سِجْنُ المؤمِنِ وَجَنَّةُ الكافِرِ”.


[FONT=Arial][SIZE=4][B]الزهد و الطاعة و الصبر على البلاء

[/b][/size][/font][SIZE=5][COLOR=purple][FONT=Traditional Arabic][B]فقدْ ثبتَ في الحديثِ أنَّ بعضَ المُؤمنينَ من كثرةِ البلاءِ
الذي ينزِلُ عليهِمْ في الدُّنيا يَخْرُجونَ منَ الدُّنيا وما عليهِم خطيئةٌ
اللهُ تعالى يُطهِّرهُم منْ كلِّ خطاياهُمْ بهذهِ البلاي
ا فلا يكونُ عليهِمْ شئٌ في قبورِهِمْ ولا في آخِرَتِهِمْ،
حتَّى إنَّ بعض النَّاسِ تُصيبُهُمْ عُقوبةٌ في الدُّنيا على الصَّغائِرِ التي عمِلوها،
لأنَّ الصَّغائِرَ بعضُ النَّاسِ اللهُ لا يُعاقِبُهُمْ عليْها وبعضُ النَّاسِ يُعاقِبُهُم عليْها،
كان رَجُلٌ من َ الصَّحابةِ رأى امرَأةً أعْجَبَتْهُ فصارَ يُتْبِعُها نظَرَهُ
ثُمَّ وهو في الطَّريقِ اصْطَدَمَ وَجْهُهُ بِجِدارٍ فَسَالَ دمُهُ
فجاءَ الى الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ
فأخْبَرَهُ بِذلِكَ فقالَ لهُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ:
“اللهُ أرادَ بِكَ خيْراً وإنَّ هذا جزاءُ تِلكَ النَّظْرَةِ”
فَيُفْهَمُ من هذا أنَّ بعضَ النَّاسِ اللهُ يُجازِيهِمْ على معاصِيهِم في الدُّنيا
وأمَّا أكْثَرُ الناسِ فإنَّ اللهَ يُؤَخِّرُ له عُقُوبَتُهُمْ إلى الآخِرَةِ.

لَكِنَّ الذي يُجازيهِ اللهُ في الدًّنيا يكونُ أحسَنَ مِنَ الذي يُؤَخِّرُ لهُ العذابَ إلى الآخِرةِ،
لأنَّ هذا بِهذهِ المصائِبِ تَسْقُطُ عنْهُ العُقوبَةُ في الآخِرَةِ.

ثُمَّ إنَّ كثيراً منَ النَّاسِ يكْفُرونَ كُفْرِيَّاتٍ شنيعةً شناعَةً كبيرَةً
وهُمْ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ يتَقلَّبونَ في النَّعيمِ فهؤُلاءِ
لا يَدُلُّ حالُهُمْ على أنَّهُمْ مِنَ المَرضيّينَ عِندَ اللهِ لأنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ
يُعطي الدُّنيا لمنْ يُحِبُّ ولِمنْ لا يُحِبُّ.

وقَدْ جاءَ في الحديثِ أنَّ امْرأةً عَرَضَتْ بِنْتَها على الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ
فصَارتْ تمدَحُها للرَّسولِ بِالجمالِ وبِأنَّها تامَّةُ الصِّحةِ
حتَّى إنَّهُ لم يحْصُل لها صُداعٌ،
فقالَ الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ
"لا حاجةَ لِي فيها"
وذلِكَ لأنَّ الذي يكونُ في الدُّنيا مُتَقَلِّباً في الرَّاحاتِ
مِن غيرِ أنْ يُصابَ بِالبَلاءِ قليلُ الخيْرِ في الآخِرَةِ عِنْدَ اللهِ،
فالذي أرادَ الله بِهِ خيْراً يُبْتَلى في الدُّنيا.

[/b][B]بعْضُ النَّاسِ الذينَ لا يُبْتَلونَ في الدُّنيا منْ شِدَّةِ غُرورِهِم
يَقولونَ اللهُ يُحِبُّني وكلامُهُمْ هذ عكْسُ الحقيقَةِ،

لو كانَ اللهُ يُحِبُّهُمْ كانَ سَلَّطَ عَلَيْهِمُ البلاءُ،
والبلاءُ أنواعٌ عديدةٌ أوجاعُ الجِسْمِ بَلاءٌ والفَقرُ الشَّديدُ
بَلاءٌ وأذى النَّاسِ بلاءٌ فَمَنْ أرادَ اللهُ بهِ خيْراً يَبْتَليهِ.

ومنَ الجهْلِ الشَّديدِ الفظيعِ أنَّ بعض النَّاسِ إذا أقْبلوا على الطَّاعةِ
ُثُمَّ أصابَتْهُمُ المصَائِبُ يَتَشَآءمونَ فيقولونَ نحنُ كُنَّا في راحَةٍ ونعيمٍ
لَكِنْ مُنذُ بَدَأْنَا بِالطَّاعةِ أصابَتْنا المصائِبُ فَيَنفُرونَ من الْتِزامِ العِبَادةِ
ويقُولونَ الطَّاعةُ ما نَفَعَتْنا،
يُعْرِضونَ عنِ الطَّاعَةِ ويَعُودُونَ إلى ما كَانوا عَلَيْهِ.

فإذا لَقَيْتُمْ إنْسَاناً كانَ على حالَةٍ سَيِّئَةٍ وإعْراضٍ عنِ الطَّاعَةِ
ثُمَّ أقْبَلَ على الطَّاعَةِ عَلِّمُوهُ أنَّ الذي يُقْبِلُ على الطَّاعَةِ قَدْ تُصيبُهُ مَصَائِبُ
ما كانت تُصيبُهُ من قَبْلُ،
يُقالُ لهُ لا يَغُرَّنَّكَ الشَّيْطانُ لأَنَّهُ قدْ يقولُ لكَ أنتَ كُنْتَ في راحةٍ وبَسْطٍ
قبْلَ أن تُقْبِلَ على الطَّاعةِ فهذِهِ الطَّاعةُ
صَارَتْ شُؤْمَاً عليْكَ قد يقولُ لهُ الشَّيطانُ ذلكَ لِيَعودَ إلى الإنغِماسِ في المعصِيَةِ
والبُعدِ عنِ الطَّاعةِ الذي كانَ فيهِ.

فَيُقَالُ لهُ إيَّاكَ أن تنقَلِبَ إلى ما كنتَ عليْهِ.

كثيرٌ منَ النَّاسِ بعدَ الإقبالِ على الطَّاعةِ تُصيبُهُمُ المصائِبُ فيَنقلِبونَ منَ الطَّاعةِ
إلى ما كانوا عليْهِ منَ الفَسادِ،
لكِن من عرفَ الدِّينَ كما يجِبُ لا يُؤَثِّرُ فيهِ ذلِكَ،
بلْ إنَّ بَعضَ النَّاسِ يَصِلُ إلى حدِّ أنَّهُ يكونُ فَرَحُهُ بالبلاءِ
أكْبَرَ من فَرَحِهِ بالبَسْطِ والرَّاحةِ وهؤُلاءِ هُمُ الأوْلياءُ فإنَّهُم يَفْرَحُونَ بِالبلاءِ
، حتَّى قالَ بعضُ الناس
"ورودُ الفاقاتِ أعْيادُ المُريدينَ"
معناهُ ورودُ المصائِبِ عيدٌ للمُريدينَ أي لِطلاَّبِ الأخِرةِ
المُقْبِلينَ عليْها فإنَّ هؤُلاءِ إنْ بَلَغَهُمُ الفَقْرُ بعدَ أنْ كانوا بِحالةِ بَسْطٍ
يَعْتَبِرونهُ عيداً فَيَزيدونَ في الطَّاعةِ بَدَلَ أنْ يَنْقَلِبوا أو يُخَفِّفوا.

بعضُ أصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ
قَبْلَ أنْ يفتَحَ اللهُ لِلرَّسولِ الجزيرةَ العربِيَّةَ كانوا يأتونَ إلى المدينَةِ غُرباءَ
ليْس لهُم فيها لا أهلٌ ولا معارِفُ وهُم بِحالةِ بُؤْسٍ وفَقْرٍ شديدٍ
حتَّى إنَّ أحدَهُم لَيْسَ لهُ إلاَّ ثَوْبٌ واحِدٌ يَرْبِطُهُ على رَقَبَتـِهِ ويَنْزِلُ الى رُكْبَتَيْهِ،
يَبْدأُ بِسَتْرِ ظهرِهِ بِهِ ثُمَّ يَجْعَلُ طَرَفَيْهِ إلى خَلْفٍ
ومَعَ هَذا كانوا يقومونَ بِالَّليْلِ و يُصَلُّونَ ويَجْلِبونَ الماءَ للمُصلِّينَ،
هِمَّتُهُمْ قويَّةٌ.

ثُمَّ هؤُلاءِ بعدَ وفاةِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ
بَعضُهُمْ اللهُ بَسَطَ عليْهِمُ الرِّزقَ فصارَ أحدُهُمْ يَمْلِكُ ما يكفي مِائَةَ نَفْسٍ وأكثَرَ.

كانَ سيِّدُنا عليٌّ رضيَ اللهُ عنهُ
فقيراً إلى حدٍ بعيدٍ حتَّى إنَّهُ مرَّةً منَ الجوعِ خَرَجَ فََلقِيَهُ يَهوديٌّ
لهُ بُستانٌ وفي بُستاِنهِ بِئْرٌ فَظَنَّهُ اليَهودِيُّ بَدَويَّاً ولم يعرِف أنَّهُ من عِلِّيَّةِ قُرَيْشٍ
من حيثُ النَّسبُ ومن حيثُ وَضْْعُهُ الخاصُّ أنَّهُ صِهْرُ
رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْهِ وسلَّمَ زوجُ فاطمةَ،
ظَنَّهُ بَدَوِيَّاً فقيراً جاءَ الى المدينَةِ لِيَتَعَيَّشَ فقالَ لهُ تُخْرِجُ لي منْ بِئْري سبْعَةَ عَشَرَ دَلْواً
وَأُعطيكَ على كُلِّ دَلْوٍ حَبَّةَ تَمْرٍ فوافقَ
فَأخرَجَ لهُ سَبْعَةَ عَشَرَ دَلْواً وأخَذَ سَبْعَةَ عَشَرَ حَبَّةَ تَمْرٍ وانصَرَفَ.

كان أحدُهُمْ يَصْبِرُ على حبَّةِ تمْرٍ أو حَبَّتَيْنِ أو نحوِ ذلِكَ
ومع ذلكَ كانوا أقوِياءَ في العِبادَةِ في قيامِ الليْلِ والصِّيامِ وغيْرِ ذلِكَ من الطَّاعةِ
بِهؤلاءِ نَصَرَ اللهُ هذا الدِّينَ،
ثمَّ سَيِّدُنا عليٌّ رضي اللهُ عنْهُ بعدَ وفاةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِِ وسَلَّمَ
اللهُ بَسَطَ علَيْهِ الرِّزقَ فصارَ زكاةُ مالِهِ أربَعينَ ألفَ دِرْهَمٍ ثُمَّ وَزَّعَ هذا المالَ
ما أمسَكَهُ علَيْهِ، ولمَّا ماتَ ما وجدوا عِنْدَهُ إلاَّ سَبْعِمِائَةِ دِرْهَمٍ فقط
هذا الغِنى فَرَّقَهُ في طاعَةِ اللهِ.
ثُمَّ إنَّ هَؤلاءِ الصَّحَابَةَ من شِدَّةِ الهِمَّةِ في الطَّاعةِ وصِدْقِ الرَّغبةِ في الأخِرَةِ
معَ هذا البُؤسِ الشَّديدِ الذي كانوا فيهِ كانوا إن دُعُوا إلى الجِهادِ يخْرُجونَ،
إذا اسْتُنفِروا يسْتَنْفِرونَ وأمَّا بالنِسبَةِ لِلطَّعَامِ
فكانوا يأتونَ إلى مسجِدِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ
فكانَ الرَّسولُ يَأخُذُ قِسماً مِنهُم يُطْعِمُهُم
وبعضُ الصَّحابةِ يَأخُذونَ قِسمَاً فَُطْعِمُونَهُمْ لأَنَّ هَؤُلاءِ الصَّحابَ
ةَ ليسَ لهم أهلٌ ولا مالٌ
ولا معارفُ،
صبَروا على هذا الفَقْرِ والبُؤْسِ صَبْراً تامَّاً
وكانوا بعدما يأكُلونَ يعودونَ الى المسجِدِ لِيناموا فيهِ،
كانَ منامُهُم في مُؤَخَّرِ المسْجِدِ.
فلو كانَ الصَّحابَةُ مِثْلَنَا يلتَزِمونَ التَّنَعُّمَ بالأَكْلِ اللذيذِ والثِّيَابِ الفاخِرَةِ
ما انْتشرَ الإسْلاَمُ بل كانَ بقيَ في الجزيرةِ العربيَّةِ.
كانَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ ابْنُ عَمٍّ يُقَالُ لهُ قُثَمْ
وكانَ يُشْبِهُ الرَّسولَ في جَمَالِهِ،
هَذا ذَهَبَ لِلْجِهَادِ وعاشَ في بِلادِ العَجَمِ التي يَحْكًمُهَا الرُّوسُ اليَوْمَ
حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ هُناكَ وكانَ قُثَمُ بْنُ العَبَّاسِ رضيَ اللهُ عنهُما أبوهُ العبَّاسُ رضيَ اللهُ
عنهُ يَضَعُهُ وهو طِفْلٌ على صَدْرِهِ وهو مُسْتَلْقي ويَقولُ:

حِبِّي قُثَمْ شَبِيهُ ذي الأنْفِ الأَشَمْ نَبِيِّ ذي النِّعَمِ بِرَغْمِ مَنْ رَغِمْ

حِبِّي قُثَمْ يَعْني حبيبي قُثَمْ شبيهُ ذي الأنفِ الأَشمّْ أي الذي يُشْبِهُ النَّبِيَّ
الذي كانَ أنفُهُ طويلاً لأَنَّ امْتِدادَ الأنْفِ مِنْ صِفاتِ الجَمَالِ،
نَبِيِّ ذي النِّعَم أي نَبِيِّ اللهِ، بِرَغْمِ مَنْ رَغِمْ أيْ رَغْمَ مَنْ كَذَّبُوهُ.

واللهُ سُبحانَهُ وتعالى أعلم والحَمْدُ للهِ ربِّ العالمين. [/b][/font][/color][/size][/center]

[CENTER]يقول النبي صلى الله عليه وسلم
مخاطباً عمر بن الخطاب( رضي الله عنه )
وقد دخل عليه فوجده على فراش من أدم حشوه ليف فقال:
إن كسرى وقيصر ينامان على كذا وكذا
وأنت رسول الله تنام على كذا وكذا فقال له:

“مالي وللدنيا يا عمر، وإنما أنا كراكب استظل بظل شجرة ثم راح وتركها”

.ومما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"
إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها،
فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء،
فإن أول فتنة بنى إسرائيل كانت في النساء
".
وكان عليه الصلاة والسلام يدعو ربه قائلاً :
[FONT=Traditional Arabic][SIZE=5][B]" اللهم اجعل قوت آل محمد كفافاً "
أي بلا زيادة ولا نقصان. وقد قالت عائشة رضي الله عنها:
مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيتي شيء يأكله ذو كبد
إلا شطر شعير في رف لي.

هكذا كان حال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إمام الزاهدين
وقدوتهم الذي ينبغي الاقتداء به والسير على منهجه شبراً بشبر وذراعاً بذراع
خاصة وقد حثنا على مكارم الأخلاق والتي منها خلق الزهد في الدنيا وبما فيها
من غير غلو ولا إسراف في منهج امتاز بالوسطية
الذي يحلق بروح الإنسان إلى الفضيلة دون رهبنة أو انعزال
والمراد بالزهد الرغبة عن الدنيا بما زاد على قدر الحاجة
بعدم الطمع في الإكثار منها والتزود من متاعها الذي لا ينتهي.

عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا أَنَا عَمِلْتُهُ أَحَبَّنِي اللَّهُ وَأَحَبَّنِي النَّاسُ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللَّهُ وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبُّوكَ".
وقد حث القرآن الكريم على هذا الخلق الرفيع في العديد
من الآيات القرآنية منها قوله تعالى:[/b][/size][/font]
" مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا
وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ
وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ "

(
[FONT=Traditional Arabic][SIZE=5][B]15،16هود)
والزهد الشرعي هو الزهد المحمود، الذي اقتضاه الشرع الحكيم
وتميز عن غيره من الابتداع في الدين، حيث إن من الناس من يشبه الزهد
بالكسل والعجز والبطالة عن الأوامر الشرعية وهناك فريق آخر
يجعل الزهد هو مجرد ابتعاد عن كل مظاهر الزينة والتمتع بما أحله الله من الطيبات
وعليه فإن الانكباب على الدنيا وزخرفها دون قيد هو أمر منهي عنه في القرآن والسنة
وكذا من يزهد عنها ويتركها بالتمام لغيره
دون مراعاة لأدنى احتياجاته،
كالذي يترك السلطة مثلاً لتكون في أيدي أعداء الأمة،
بحجة الزهد في تقلد المناصب السياسية الحساسة والخطيرة في الأمة
فذلك لا يعد من الدين في شيء،
خاصة إذا كان ممن يمتلك الكفاءة العلمية والدينيه
ولا يقوم أحد مقامه في هذا المكان أو ذاك،
فأبو بكر الصديق(رضي الله عنه) على الرغم من أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال في حقه:
" لو وُزن إيمان الأمة بإيمان أبي بكر لرَجَح إيمان أبي بكر"
وهو بذلك الإيمان لا يضاهيه إيمان على وجه الأرض،
لم يزهد في الخلافة بل قبلها تعبداً لله واستشعاراً بعظم الأمانة والمسؤولية
التي لا يقوم بها غيره،
حيث أصبح خليفة الٍمسلمين للعالم الإسلامي في ذلك الزمان.

إن الأمة الإسلامية اليوم تعيش حالة الحرب الشاملة
فيجب أن تكون أبعد الناس عن اللهو والترف،
وأن تصرف جهودها وطاقتها للتقرب إلى الله ورجاء ما عنده،
وأن تحرص على التأسي بالأنبياء الكرام والسلف الصالح في الزهد في الدنيا
والرغبة فيما عند الله، ولكن عن طريق الشرع،
وبلا أدنى مغالاة في الدين،
وعلى أهل العلم والدعوة أن يكونوا قدوة للناس في هذا كله،
وأن يضعوه في أولويات برامجهم الدعوية،
فإن الله سبحانه وتعالى لم يعلق وعده بالنصر والنجاة والإعلاء والعزة
لمن اتصف بالإسلام بل خص به أهل الإيمان كما في قوله تعالى:[/b][/size][/font]
إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ "

(غافر51)
ومن مقتضيات هذا الإيمان التخلق بمكارم الأخلاق.

[/center]

ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللَّهُ وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبُّوكَ".