رزق من فضلات الأقمشة!

رزق من فضلات الأقمشة!




لم يدر بخلد “رمضان قيلطش” الذي اقترب عمره من منتصف الأربعينيات أن فضلات الأقمشة والمنسوجات التي يراها يوميا تلقى في مخزن بالمصنع الذي يعمل به، ستكون مصدرا لسعادته ورزقه في يوم ما.

قيلطش الذي جاء إلى إستانبول في مطلع الثمانينيات قادما من إحدى القرى بالأناضول (شمال تركيا)، لم يكن يملك أي مؤهل أو حرفة تعلمها عن أجداده، فحرفته الوحيدة هي الصبر والعمل بإخلاص، وهو ما دفع أحد أصحاب مصانع الملابس الجاهزة الذي ينتمي لنفس قريته، لتشغيل قيلطش كعامل ثم سائق شاحنة متوسطة.

لقد لفت نظر هذا السائق أن بعض التجار يأتون للمصنع لشراء فضلات الأقمشة، ثم يبيعونها إلى الورش الصغيرة التي تعيد تدويرها لمنتجات جديدة، أو يستخدمونها كوقود لإشعال مدافئ الورش أو المنازل خلال موسم الشتاء.

وخلال الأزمة الاقتصادية التي عصفت بتركيا عام 1994 ترك هذا السائق التركي المصنع ليبحث عن عمل ولكن دون جدوى، ففكر في تجارة فضلات الأقمشة أو كما يسمونها بالتركي “باتشى بور”، ويقول لشبكة إسلام أون لاين.نت: “اشتريت سيارة نصف نقل بالتقسيط، من بعض المدخرات البسيطة، وبدأت المرور على المصانع المنتجة للملابس أو للأقمشة حتى أجمع فضلات الأقمشة لأبيعها للورش الصغيرة”.

اتسعت دائرة السوق أمام قيلطش لتشمل الورش الميكانيكية التي تستخدم قطع القماش في تنظيف الماكينات، أو مسح أيادي العمال كمنشفة، وكذا مراكز تشحيم وغسل السيارات، وحتى الريف التركي، فهو يستخدم مخلفات النسيج في عمل حشو للأغطية المستخدمة في موسم الشتاء، وبعد عدة سنوات تحول قيلطش من مجرد عامل يتعثر في البحث عن رزق إلى تاجر من العيار الكبير.

ثروة ضخمة ومنافع عديدة


قصة هذا الرجل التركي تشير إلى وجود قطاع ضخم أحيانا لا يلفت إليه الناس، وهو قصاصات الأقمشة التي تتولد من قطاع آخر وهو الملابس الجاهزة والمنسوجات، الذي يمثل 21% من الإنتاج الصناعي التركي، و35% من حجم الصادرات، فضلا عن أنه يستوعب 20% من حجم القوى العاملة، أي حوالي 8 ملايين، بحسب أرقام رسمية عام 2004.

وإذا كان حجم فضلات الأقمشة التركية قد يصل لحوالي 200 ألف طن سنويا طبقا لتقديرات غرفة الخردة بغرفة التجارة بمحافظة بورصا الصناعية، فإنه يسهل تصور حجم الصناعات الجانبية التي تقوم بإعادة تدوير هذه الثروة لإنتاج منتجات جديدة كالمفارش والستائر والأغطية وغيرها.
وتمتد إعادة تصنيع القصاصات والفضلات القطنية والصناعية إلى إنتاج خيوط وغزول قطنية وأخرى صناعية تستخدم مجددا في إنتاج الأقمشة والسجاد، كما تستخدم أيضا بقايا المنسوجات كمادة احتراق لتدفئة المنازل والورش وخاصة في الريف والمناطق الشعبية بالمحافظات والمدن التركية.

وفي هذا السياق يقول مصطفى عبد القادر قيلينش (38 سنة) مدير مصنع أقمشة بالمنطقة الصناعية في إيكيتالي (إستانبول): إن مصنعه يبيع سنويا بقيمة تعادل 100-150 ألف دولار بقايا أقمشة، ويقدر قيمة إجمالي تجارة فضلات الأقمشة السنوي بما يقارب 200- 300 مليون دولار، ويعمل بهذه التجارة ما يقرب من 50- 75 ألف عامل.

ويعتبر مصطفى دُرسُن رئيس غرفة الخردة بالغرفة التجارية لمحافظة بورصا أن بقايا أقمشة المصانع تمثل ثروة قومية تساهم بقدر لا بأس به تشغيل قطاع من الناس.
وذكر دُرسُن أن قيمة الخردة وبقايا الإنتاج الصناعي بمختلف أشكاله في محافظة بورصا بلغت 145 مليون دولار في عام 2004، ويوجد بالمحافظة عدد 10 آلاف عامل وتاجر يرتزقون من تجارة الخردة وبقايا الإنتاج الصناعي.

ملابس داخلية وأحزاب!

ارتفاع القيمة الاقتصادية لبقايا الأقمشة لا يحدث من وجهة صديق قلينش (34 سنة) صاحب شركة لبيع الأقمشة بإستانبول، إلا إذا تم تصنيفها جيدا؛ لأن التجار المتخصصين يريدون أنواعا معينة من القصاصات القماشية خاصة إذا كانت بغرض إعادة التدوير لمنتجات أخرى، وليس مجرد استخدامها للتدفئة بسبب ارتفاع أسعار المحروقات.

كما بدأ البعض الآخر في تطوير منتجات عدة من بقايا الأقمشة، فحاجي أردوغان (45 سنة) الذي يملك ورشة لإنتاج الملابس في حي جونشلي بإستانبول، يقول: أشتري من المصانع الكبيرة قصاصات طويلة وكبيرة أستخدمها في إنتاج ملابس قطنية داخلية تسمى “شالوار” أو “ضون”، حيث ترتديه نساء ورجال الريف أثناء العمل بالحقول الزراعية.

كما تستخدم أيضا بقايا الأقمشة -بحسب أردوغان- خاصة القطع القطنية، في صناعة كوافيل الأطفال الرضع، فضلا عن أن قطع القماش التي يكون حجمها كبيرا تستخدم في كتابة اللافتات الإعلانية التي ترغب في وضعها الشركات والمحال التجارية.

وحتى الأحزاب التركية تستفيد من بقايا الأقمشة في عمل لافتات للدعاية أثناء حملاتها في الانتخابات العامة والبلدية التي تجرى مرة كل سنتين، وإذا علمنا أن هناك 81 محافظة تركية، فسنجد أن حجم وتكاليف تلك الحملات قد يصل لملايين الدولارات، وهو ما يمثل مدخلا لإنعاش قطاع بقايا الأقمشة والمنسوجات.

إستانبول- سعد عبد المجيد نقلا عن إسلام أون لاين