أمن الاحياء السكنية

أمن الاحياء السكنية
أحياؤنا غير إنسانية ويسهل اختراقها وصممت للسيارة

هكذا تبدو شوارع أحيائنا خالية من المادة

د. خالد بن عبدالعزيز الطياش
قفزت للذهن مؤخراً قضية أمن الاحياء السكنية وطغت على احاديث المجالس بشكل لافت للانتباه وبرزت اهمية التخطيط العمراني وعلاقته البالغة في صياغة احياء انسانية يصعب اختراقها أمنياً ولعل من أبرز الظواهر السلبية في أحيائنا ان الاحياء صممت للسيارة وأن «الماشي» يقطع مسافات تحيط بها قلاع من الاسوار المغلقة الامر الذي يولد نوعاً من الفزع ويبعد الهدوء والاطمئنان من نفس «الماشي» وبالتالي فإن شوارع الاحياء تعد منفرة للانسان الامر الذي جعلها خاوية وخالية من الحياة ولأهمية القضية فقد طرحناها امام المستشار الدكتور مهندس خالد بن عبدالعزيز الطياش وشخصها قائلاً:

الأمن في الأحياء السكنية
اين تكمن مسؤولية الأمن في الأحياء السكنية؟ سؤال يحتار المهتمون في الإجابة عليه وعلى من تقع مسؤولية انضباط او انفلات الأمن في الأحياء؟ هل التخطيط العمراني للأحياء بوضعه الحالي هو المسؤول الأول عن ذلك؟ او ان الانظمة والاشتراطات التي تنظم البناء والتعمير عمرانياً ومعمارياً هي السبب وراء ذلك او ان المؤثرات الاقتصادية وما تفرزه من ظواهر سلباً او أيجاباً ساهمت في أمن الأحياء او ان المؤثرات الأمنية وطريقة تفاعلها مع البيئة السكنية والمجتمع قد ولدت تلك الظاهرة او غير ذلك من الاسباب، من وجهة نظري ان كل ما ذكرته من اسباب قد يكون مؤثراً بشكل مباشر وغير مباشر في أنضباط وانفلات الأمن في الأحياء السكنية وقد يكون تأثير ذلك متفاوتاً من حي الى آخر ومن مدينة الى آخرى في هذا المقال أحاول أن اتلمس بعض اسباب ذلك من خلال العوامل التالية:-
١- التخطيط العمراني للحي
للتخطيط العمراني للحي اهمية بالغة في تحديد مستوى انفلات او انضباط الأمن في الأحياء، فلقد اثبتت العديد من الدراسات المعتمدة على وسائل البحث والرصد والتحليل للكثير من الجرائم باختلاف اشكالها ان للتوزيع الفراغي للكتل المعمارية المتمثلة بالمباني السكنية والخدمية وعلاقتها بالشوارع والساحات المحيطة دوراً كبيراً في تحديد مستوى السلوك الاجرامي وأعمال العنف والانحراف والخلل الأمني في الاحياء فلقد كانت الأحياء السكنية والى حد قريب اكثر نشاطاً وأقل وحشة وأكثر أماناً من الوقت الحاضر رغم تباعد المباني وعدم سفلتة الشوارع الا ان السير داخل تلك الأحياء للمرأة والرجل والطفل يجد فيه السائر نوعاً من التمتع والأنس والامان فمع كل خطوة يخطوها داخل الحي فانه يجد نشاطاً معيناً او مجتمعاً عند بوابة منزل لبعض الجيران او اطفال يلعبون على فسحة من الأرض لم تبن بعد أمام بيوتهم فيحس الساكن بالحيوية والاستئناس بتلك النشاطات المختلفة ولقد ساعد على تفعيل تلك المظاهر وجود العديد من الدكاكين الصغيرة ذات الخدمات المتنوعة المنتشرة في جميع أنحاء الحي فلقد كان نظام البلديات في ذلك الحين يسمح لأصحاب الفلل السكنية بأستقطاع جزء من الفناء الخارجي المحيط بالفيلا بحيث يفتح الى الخارج جهة الشارع وعمل دكان صغير يؤجر من قبل صاحب الفيلا ليكون بقالة او مخبزاً او مغسلة او بوفيه او محل بنشر او خياط ملابس نسائية او رجالية وغير ذلك من الخدمات الصغيرة الاخرى حيث كانت تلك الدكاكين الصغيرة بتنوع نشاطاتها تؤدي خدمات كثيرة ومزدوجة تؤثر أيجابياً على الحي وأهله،ص الآن افتقر فتح تلك المحلات بنشاطاتها المتنوعة على الشوارع الرئيسية في الحي والتي لا يقل عرضها عن ثلاثين متراً وعادة هذا النوع من الشوارع لا يكون داخل الحي انما يحيط بالحي اي ان الخدمات التي يحتاج لها سكان الحي بصورة يومية ومستمرة تتمركز حول الاطار الخارجي للحي ولا يمكن الوصول لها من داخل الحي الا باستخدام السيارة، ان تفريغ الحي داخلياً من تلك المحلات الصغيرة ادى الى إلغاء عنصر اساسي ودعامة رئيسية من الدعائم المكونة لفاعلية الحي ونشاطه فلقد كانت الاحياء التقليدية تمتاز بوجود العديد من تلك الدكاكين داخل الأحياء وبين البيوت وكذلك كانت الاحياء في معظم المدن الاسلامية والعربية ولم تشكل تلك الظاهرة أي تفاعل سلبي على الساكن او التاجر بل كان تواجدهما معاً ايجابياً مما يجعل النسيج العمراني للحي متكاملاً اقتصادياً ومكملاً لبعضه في تأمين احتياجاته دون الابتعاد كثيراً عن دائرة الحي او الخروج منه فوجود تلك المحلات وانتشارها داخل الأحياء يعطي حيوية للحي نتيجة حركة مرتاديها مما يعطي الأمان للحي بدلاً ان يكون الشارع مقفراً وخالياً من اي نشاط او حركة اضافة الى ان استمرار عمل تلك المحلات داخل الأحياء ليلاً وحركة مرتاديها تقلل من فرص جرائم سرقة المنازل والسيارات داخل الحي حيث تساعد تلك الدكاكين على ضبط الناحية الأمنية وتكون كأعين مساعدة لملاحظة اي موقف مشبوه او اي غريب داخل الحي.
كما ان عدم وجود مركز حيوي للحي يكون نقطة مجتمع والتقاء اجتماعي وخدمي للسكان ادى الى ضياع هوية الحي وضعف شخصية وغياب مركز الثقل والجذب للسكان منه وإليه وقد يكون في تفعيل دور المسجد وتركيز المباني الخدمية والتجارية والترفيهية والمرافق الأخرى حوله خلق لتكوين مركز نشاظ فعال يجذب سكان الحي بمختلف فئاتهم اليه مما يؤدي مستقبلاً الى اندماج السكان مع بعضهم كما ان ارتياد السكان للمركز للصلاة او لقضاء احتياجاتهم من الخدمات حول المسجد يؤدي الى اضفاء الامن وتبديد ظهور الحي بمظهر الحي المقفر ولتهيئة الوصول الى مركز الحي والحركة داخل الشوارع الداخلية يفترض اعادة دراسة شوارع الاحياء الداخلية لتكون اكثر انسانية وان يركز المصممون والدارسون على ان تكون متطلبات الانسان اولاً ثم السيارة فغالبية الشوارع الداخلية للأحياء لا تخدم الانسان اطلاقاً انما هي للسيارات فالشوارع عريضة على حساب ارصفة المشاه المليئة بالاشجار التي تعيق المشي عليها ولا تخدم حق الانسان بالمشي فالافضل وفي داخل الاحياء بالذات تقليل عرض الشوارع وتوسيع عرض الارصفة لتوفير بيئة ملائمة تساعد السكان على المشي بدلاً من استخدام السيارة باستمرار، وعند الحديث عن أمن الاحياء لابد من دراسة وضع مداخل ومخارج الأحياء فمعظم الأحياء في المدينة تتعدد فيها المداخل والمخارج فالحي الذي اسكن فيه مساحته الاجمالية لا تتعدى الكيلو متر المربع الواحد ويوجد على محيطه اكثر من عشرين مخرجاً او مدخلاً وهذا بالاضافة الى سلبيته الامنية والاجتماعية الا انه يجعل الحي بكامله ممراً سهلاً للسيارات ويزداد ذلك عندما تكون الشوارع المحيطة بالحي مزدحمة فيلجاً العديد من قائدي السيارات لاختراق الحي تفادياً للزحام او لاشارة المرور وبذلك يفقد الحي خصوصية ويضعف الدور الرقابي والامني للحي.
٢) الأنظمة والاشتراطات:
تلعب الانظمة والاشتراطات التي تتسرعها البلديات او القطاعات الاخرى ذات العلاقة بنظام البناء دورًا هاماً وحيوياً في اسلوب الحياة داخل الحي وطريقة التعامل مع البيئة المبنية وسلوك المستخدمين فمكونات الأحياء السكنية من منازل وساحات ومبانٍ خدمات وشوارع تتداخل فيما بينها لتخلق مجتمعة نسيجاً عمرانياً ومعمارياً متجانساً شكلاً ووظيفة ويمتاز الحي برقيه ونجاح وظيفته كلما كانت تلك المكونات او العناصر تكمل بعضها بعضاً ويؤدي فقدان ذلك الترابط الى خلل واضح في وظيفة وأداء الحي يؤثر مباشرة على ساكنيه، ولكن الملاحظ في أحياء مدننا الحديثة وجود نوع من العزل بين تلك المكونات فالمنازل والشوارع المحيطة بها عنصران اساسيان في تكوين الحي مازالت علاقتهما الشكلية والوظيفية غير واضحة المعالم فأسوار المنازل بشكلها الحالي تقف حائلاً قوياً ضد خلق تداخل ايجابي بين المنازل والشوارع يحفظ للمنازل خصوصيتها وأمنها ويحفظ للشوارع حيويتها ووظيفتها وجعلها مع المنازل منظومة واحدة متداخلة تخدم الساكن داخل منزله والساكن خارج المنزل وفق علاقة توافقية ناجحة، ان عجز المخططين والمصممين عن ايجاد صيغة ناجحة تربط بين المنازل وما يحيط بها من شوارع جعل منازلنا قلاعاً تحيط بها الاسوار بمعزل تام عن الشارع المجاور وبالتالي عن الحي مما ادى الى العديد من الظواهر السلبية على المسكن وعلى الحي وذات تأثير على الساكن بصورة مباشرة فشوارع الاحياء لدينا تكاد تكون خالية من الحياة مهجورة في اغلب الاوقات لا يتجول بها سوى السيارات لا يرى فيها سوى سلسلة طويلة لا تنتهي من الاسوار تتخللها بوابات دائمة الاقفال حيث تشكل الاسوار بوضعها الحالي ولوجود مسافة الارتداد بين الفيلا والسور الخارجي تخلق نوعاً آخر من العزل داخل نطاق المنزل فمساحات الارتداد المحيطة بالمنزل تعتبر فراغاً آخر اقل خصوصية وأضعف أمناً.
٣) المؤثرات الاقتصادية:
للمؤثرات الاقتصادية الطارئة والدائمة أثر فعال في انضباط او انفلات الأمن في الاحياء فالهجرة الى المدن الكبيرة من المدن الصغيرة والقرى المجاورة طلباً للعمل او الدراسة او العلاج يؤدي الى الاخلال ببرامج ومخططات التنمية بجميع جوانبها الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية والصحية والامنية لان تلك البرامج والخطط بنيت على اساس النمو الطبيعي لسكان المدينة ووجود اعداد اضافية كبيرة تجعل تلك البرامج والخطط لا تحقق اهدافها او تؤجل زمنياً تحقيق تلك الاهداف وتغير التركيبة السكانية لسكان المدينة بعد قدوم المهاجرين لمجتمع قد يكون متجانساً مما يخل بذلك التجانس خصوصاً عندما ينتشر المهاجرون الجدد في أحياء متفرقة ويندمجون مع سكان تلك الأحياء مما ينقل اليهم عادات واسلوب حياء مختلف كما تساعد تلك الهجرات على زيادة نسبة البطالة في المدينة نتيجة كثرة طالبي العمل ومحدودية الفرص الوظيفية المتاحة مما يؤدي الى ظهور وسائل مختلفة لكسب العيش كالباعة المتجولين والعمال غير النظاميين والتسول وغير ذلك من الاعمال غير النظامية والتي تكون احياء المدينة مسرحاً لمزاولتها.
٤) المؤثرات الامنية:
للمؤثرات الأمنية دور هام وفاعل في انضباط او انفلات الأمن في الاحياء السكنية كعنصر اساسي مناط به وخلفية حفظ الامن وهذا لن يتحقق الا بالتعاون بين جهاز الأمن والمجتمع بصورة عامة فالأحياء بوضعها الحالي تفتقد الى عدم وجود آلية ذاتية مساندة لجهاز الأمن من اهل الحي بصورة مشابهة ومطورة لنظام العسس القديم اضافة الى تضييق الفجوة بين رجل الأمن والمواطن عن طريق تفعيل وتنشيط عنصر التوعية والارشاد المباشر من قبل رجال الأمن لافراد المجتمع وخلق نوع من التواصل المباشر مع السكان في اطار الحي الواحد بهدف تكوين فئة من سكان الحي لديها الرغبة في المساعدة والمساندة وتوصيل المعلومة الأمنية لافراد الأمن بصورة سهلة وميسرة كما ان التساهل في عقوبات الجرائم والمخالفات الصغيرة وعدم التوفيق في الخلفية الأمنية للعمالة الوافدة ووجود مقرات ومستودعات لمؤسسات وشركات تجارية داخل الأحياء السكنية وظهور مبدأ السكن المشترك لمجموعة كبيرة من العمال في شقة واحدة او بيت شعبي قديم قد تولد كل هذه الظواهر بيئة مناسبة لكل ماهو غير نظامي وخارج عن القانون يؤثر بشكل مباشر على أمن الأحياء وخصوصيتها.