مهندس ٢٠٢٠

المعهد العالمى لهندسة الكهرباء والإلكترونيات (IEEE) هو أكبر جمعية لمحترفى الهندسة فى العالم (بروفيشنال أسوسييشن) ومقره أمريكا وله فروع فى ١٥٠ دولة من بينها مصر، وبه ٤٠٠ ألف عضو وهو يضم العديد من الجمعيات الفرعية وهناك غيره عشرات المعاهد الهندسية المعنية بالتخصصات المختلفة وآلاف الجمعيات الهندسية التى تنتشر فى أوروبا وأمريكا وغيرهما، وتخدم المهنة علميا كما تخدم المجتمع ككل. والغرض الأساسى للمعهد الحث على تقدم الابتكارات التكنولوجية والتميز العلمى من أجل خدمة الإنسانية، كما يقوم بتنوير المجتمع العلمى الدولى بالجديد فى الهندسة من خلال نشر المجلات العلمية والأبحاث ونتائج المؤتمرات، وينظم ويصدر المواصفات الهندسية ويشترك فى أنشطة تعليم وتدريب معمقة للمهندسين للرقى بالمهنة وتحديثها أولاً بأول.
والمفترض أن يكون المكافئ للمعهد فى نظامنا هو النقابة العامة للمهندسين، بيد أن النقابات عموما تعمل لخدمة مصالح أعضائها وحمايتهم أكثر من عملها على العلم والتعليم والإبداع، ومعروف أن القيد فى النقابات المهنية عندنا إجبارى لكن المعاهد – مثل IEEE – والجمعيات الأخرى المثيلة عضويتها اختيارية ولذلك يبدو الأقرب لـ(IEEE) عندنا جمعية المهندسين المصرية العريقة بشعبها، لكن النشاط العلمى للجمعية قل ويقل كثيراً عن نشاط المعهد الدولى وأترابه، وأود هنا أن أنبه – رغم ذلك – إلى أهمية مثل تلك الجمعيات وحتمية العمل على تعزيز استقلاليتها ومهنيتها وإبعادها عن السياسة ويكفيها الانشغال بالمهنة والاهتمام بتقدم العلم والمعرفة والتعليم.
ومن الأماكن الأخرى التى لها تأثير كبير على التقدم العلمى والتكنولوجى بأمريكا الأكاديمية القومية للعلوم، والأكاديمية القومية للهندسة، ولهما تأثير قوى على رسم استراتيجية الدولة فى العلوم والتكنولوجيا والتنمية، وتقومان بعمل دراسات مفصلة عن القضايا التى تهم المجتمع وتؤثر على التقدم ويشارك فى عمل تلك الدراسات غير أعضاء الأكاديميتين خبراء وعلماء من ذوى المعرفة والخبرة. ومنذ نحو ٥ سنوات قررت أكاديمية الهندسة بأمريكا إجراء دراسة عن التعليم الهندسى وما تتطلبه المهنة وما يجب أن يكون عليه مهندس ٢٠٢٠، وكان الدافع وراء ذلك هو التيقن بأن العالم قد تغير والمجتمع بدوره تغير ويتغير باستمرارية، ومثلهما التكنولوجيا التى تتغير بسرعة فائقة وعليه فإن المهندسين يجب أن يواكبوا التغير ليحفظوا مكانتهم فى عيون مجتمعاتهم وليكون لهم التأثير المطلوب وليستطيعوا قيادة التغيير بنجاح. تساءلت الأكاديمية عما إذا كان التعليم الهندسى الراهن بأمريكا يفى بالاحتياجات،
ويعد المهندس للتعامل مع التغيرات المستقبلية أم لا، وتطرقت إلى متغيرات مهمة منها أن التكنولوجيا الحديثة أثرت – كمثال – على إطالة عمر الإنسان ومكنته من الاتصال والتواصل بطريقة غير مسبوقة وأثرت جذريا فى التنمية وخلق الثروات ودفعت وتدفع كل يوم إلى مزيد من الابتكارات والمنتجات الجديدة ذات النفع والقيمة فى موجات متتالية من التحديث والتحسين. وتنبهت الأكاديمية إلى أن الأكثر تأثيراً فى المستقبل بل الحاضر تلك التكنولوجيات البازغة كالنانو والتكنولوجيا الحيوية والاستنساخ والسوبر كمبيوترز واللوجستيات، واهتمت فى نفس الوقت بما تمخض عن العولمة والتنافسية من فرص ومشاكل وتحديات، خاصة مع بزوغ أدوار دول كالصين والهند والبرازيل وكوريا والخلافات بين من يملك ومن لا يملك التكنولوجيا واتساع الفوارق الاجتماعية والرقمية بين سكان كوكبنا، مما يؤثر على الوفاق والسلم العالميين كما نظرت إلى احتمالات تصاعد الإرهاب والاستخدامات الإجرامية للتكنولوجيا الحديثة وبعد كل ما تقدم كان السؤال الذى طرحته الأكاديمية هو: ما الذى يجب أن يكون عليه المهندس فى ٢٠٢٠؟
لقد كنت واحداً ممن اختارتهم الأكاديمية للانخراط فى لجنة لدراسة الإجابات المختلفة عن هذا السؤال، وإعداد تقرير للأكاديمية عنها، وعكفت اللجنة على عملها أشهرا ودرست سيناريوهات التغيير العلمى والأحوال العالمية فى المستقبل، ومدى تأثير الثورة العلمية المقبلة على المجتمعين الأمريكى والدولى وتأثير التكنولوجيا الحيوية على حياة الإنسان والعوامل الأخلاقية والسياسية التى قد تؤثر فى تقدم تلك التكنولوجيا، والكوارث الطبيعية والبيئية التى قد يتعرض لها المجتمع، ودور المهندسين فى مواجهتها ودورهم فى التعافى اللاحق منها تأهيلا وتعميرا (كان ذلك قبل إعصار كاترينا وأزمة الأنفلونزات وزلزال هاييتى وتلوث خليج المكسيك) و«سيناريو رابع» عن تأثير المتغيرات على الصدام العالمى وعلى الإرهاب والجريمة فى الفضاء الإلكترونى وغير ذلك، وقد اتفق الجميع فى النهاية على ما يجب أن يتحلى به مهندس ٢٠٢٠ ليتمكن من خدمة وطنه والإنسانية بجدارة…
أدركنا أولاً أن أساسيات التعليم الهندسى قد لا تتغير كثيرا لكن الاقتصاد والسوق العالميين سيتغيران ويؤثران بشدة على الخدمات المطلوب من المهندسين القيام بها ورأينا أن العلوم المتداخلة والنظرة التكاملية للمنظومة هما أساس التفكير المستقبلى المطلوب من المهندس، وقدرنا أن الإلحاح سيزداد لتلبية احتياجات كل فرد وستتعاظم الحاجة إلى مواهب متعددة لدى المهندس الواحد إلى جانب تخصصه،
ولذا وجب على المهندس أن يكون ذا خلفية عريضة وأن يتفهم ويلم بل يتعامل مع عديد من المشكلات المتداخلة المعقدة فى وقت واحد، ودعونا إلى تغيير طريقة ومناهج التعليم الهندسى وحث المهندس على المشاركة فى رسم السياسات العامة والانخراط فى أنشطة المجتمع المدنى ذات الصلة، وأن يملك ناصية ريادية الأعمال وقيادة المشاريع الصناعية والخدمية والمجتمعية كل ذلك تحت مظلة من النزاهة والشرف والالتزام بالقيم، كما دعونا مهندس المستقبل لأن يركز على مهارات التحليل والإبداع، وأن يلم بدراسات عدة مع الهندسة مثل الإدارة والإنسانيات والفنون والثقافة. تحية إلى يوم الهندسة المصرى التاسع الذى انتهت فعالياته أمس بالقرية الذكية ونظمه الفرع المصرى لـ(IEEE)، وأناشد الجميع سرعة تحديث وتطوير تعليمنا الهندسى، إذ لن نلحق بالسباق المحتدم أبداً عن طريق استنساخ ما مضى.
بقلم د طارق خليل ٤/ ٨/ ٢٠١٠
رئيس جامعة النيل

وحتمية العمل على تعزيز استقلاليتها ومهنيتها وإبعادها عن السياسة ويكفيها الانشغال بالمهنة والاهتمام بتقدم العلم والمعرفة والتعليم.

وهذا ما ناديت به من قبل لأننا نعمل تحت ظل حكومة تُخَوِّن الأمين وتصادق الخائن ومع هؤلاء لابد من استقلال المهنية عن السياسية حتى لا تضيع المهنية وهم لا يهمهم هذا الأمر، بل ليس عندهم مشكلة أن يضيعوا البلد كلها في سبيل مصالحهم الشخصية

الله المستعان، جمعية المهندسين المصريين كان له جهود طيبة فيما مضى وأنا عن نفسي حضرت عندهم دورة كانت مفيدة جداً

وإذا كانت أمريكا تخشى على العملية التعليمية لديهم يبقى نبكي من الآن وحتى 2020 على حال طلابنا