مخاطر الطاقة النووية

مخاطر الطاقة النووية

د. سامي بن عبدالعزيز النعيم

بدأ العالم الاهتمام بالاستخدامات السلمية للطاقة النووية في بداية الخمسينيات من القرن الماضي، وذلك باستخدام الطاقة الناتجة عن عملية تقسيم الذرة لبعض العناصر مثل: اليورانيوم والبلوتونيوم لتسخين الماء وإنتاج البخار الذي بدوره يُستخدم لدفع توربينات ضخمة تنتج الكهرباء. هذه العملية تشابه عملية استخدام الوقود الأحفوري (الفحم الحجري والبترول والغاز الطبيعي) لتوليد الكهرباء ولكن بدون عملية الاحتراق التي تنتج غاز ثاني أكسيد الكربون المسؤول عن عملية التلوث الجوي وظاهرة الاحتباس الحراري.

شهدت هذه الصناعة ازدهاراً كبيراً خلال الخمسين سنة الماضية حيث تشير تقارير وكالة الطاقة الدولية إلى وجود أكثر من 440 محطة توليد كهرباء بواسطة الانشطار النووي منتشرة في أكثر من 30 دولة في جميع قارات العالم تنتج أكثر من 14% من احتياجات العالم للطاقة الكهربائية مقارنة بـ 67% من الإنتاج العالمي للكهرباء بواسطة الوقود الأحفوري و16% بواسطة الطاقة المائية الناتجة من الشلالات والأنهار و3% من مصادر الطاقة الأخرى. تُعتبر الولايات المتحدة الأمريكية في مقدمة الدول العالمية المستخدمة لهذا النوع من الطاقة يليها دول الاتحاد الأوربي ثم اليابان وكوريا الجنوبية وكندا والصين. كما تشير بعض التقارير إلى وجود أكثر من 250 مركز أبحاث يحتوي على مفاعلات نووية صغيرة تستخدم لأغراض بحثية خاصة في مجال الطب النووي بالإضافة إلى أكثر من 180 مفاعلاً نووياً متنقلاً يغذي السفن والغواصات بالطاقة اللازمة بدلاً من الوقود الأحفوري التقليدي. كما أن هناك أكثر من 60 محطة توليد للكهرباء بواسطة الوقود النووي تحت الإنشاء خصوصاً في الصين والهند وأكثر من 180 مشروعاً لإنشاء محطات مماثلة في المستقبل القريب. هذه الثورة الصناعية للاستخدامات السلمية للطاقة النووية في جميع دول العالم بلا استثناء تُغذى إما بدوافع أمن الطاقة أو لأسباب بيئية غير صحيحة تتعلق بظاهرة الاحتباس الحراري، وذلك بالرغم من ارتفاع خطورة وتكاليف هذا النوع من مصادر الطاقة. أضف إلى ذلك الاستخدامات الحربية لهذا النوع من الطاقة المتمثلة في السلاح النووي وعملية التخلص من النفايات النووية وما يمثله ذلك من خطورة كبرى على الحياة البشرية في كوكب الأرض.

الحقيقة أن هذه البيانات والتقارير تشير إلى مدى التحدي الذي يواجهه العالم بأكمله بسبب احتمالية تعرضه في أي وقت وفي أي مكان للإشعاع النووي الضار بالصحة العامة والبيئة والغذاء والمسبب الرئيس لبعض الأمراض الخطيرة وفي مقدمتها السرطان، وبالرغم من التقدم التقني المتمثل في إنتاج تقنيات جديدة تمنع حدوث هذه التسربات الإشعاعية إلا أن التاريخ أثبت لنا أن الجميع - بلا استثناء - معرض لهذ الخطر إما لأسباب طبيعية كما حدث مؤخراً في اليابان أو لأسباب تقنية وبشرية كما حدث في مفاعل تشرنوبل وبعض مفاعل الدول الغربية, خصوصاً عندما نعرف أن نسبة كبيرة من هذه المفاعلات النووية بُنيت في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي باستخدام تقنيات قديمة. أما خطورة التسربات الإشعاعية البسيطة غير المعلنة والتسربات الإشعاعية من السفن والغواصات المتنقلة والتي تجوب بحار العالم فلا أحد يستطيع تقييم خطورتها على البيئة البحرية والأسماك وتأثيرها السلبي المباشر على حياة الإنسان.

فهل يستفيد العالم مما حدث في تشرنوبل واليابان ويوقف هذا التوسع المطرد لهذه الصناعة؟… إن المراقب للساحة الدولية للطاقة يجد بعض الأصوات التي بدأت تطالب العالم بوقف هذا التوسع في استخدامات الطاقة النووية. والبعض في اليابان بدأ يتحدث عن أهمية إعادة النظر في الإستراتيجية الوطنية للطاقة لليابان المتعلقة بالتوسع في استخدامات الطاقة النووية لتوليد الكهرباء. والسؤال المهم هنا والذي يجب على العاملين في صناعة الوقود الأحفوري وبخاصة الغاز الطبيعي الإجابة عليه يتمثَّل في إمكانية هذه الصناعة لتلبية ازدياد الطلب العالمي للطاقة الكهربائية وما يمثله ذلك من تأثير مباشر على أسعار وصناعة الطاقة الأحفورية.

بارك الله فيك

اكرمك الله ,

تم اضافة الموضوع لمجلة المهندس