ثورة اقتصادية غائبة

هل تعلم أسرة أنجبت طفلا فظلت تتجادل فى اسمه لبضعة أيام، لدرجة أنهم نسوا إطعامه وتطعيمه؟ فى النهاية أحسنوا اختيار الاسم، لكن الطفل مات.

ربما يكون هذا التشبيه ليس دقيقا، ولكنه يحمل تخوفى من أننا نتجادل كثيرا فى قضايا علاقة الدين بالدولة أو المرشح للرئاسة أو الأحزاب الجديدة (مع عدم إنكارى لأهميتها)، ولكننا ننسى تحديات اقتصادية هائلة وحالية أمامنا. ولأننى أعلم أن الكثيرين منا ليسوا متخصصين فى الاقتصاد فسأحاول تبسيط المفاهيم وأنفذ منها إلى رسائل محددة للمواطن المصرى الذى (عليه أن) يسأل ماذا أفعل كى أساعد مصر اقتصاديا. ثورتنا السياسية لا بد أن تكون مصحوبة بثورة فى قيمنا ومفاهيمنا الاقتصادية. وهذا المقال محاولة أولى.

••••

هدف النشاط الاقتصادى هو زيادة ثلاثة متغيرات وخفض ثلاثة متغيرات: نحن نريد زيادة النمو والاستثمار والتشغيل، ونريد تقليل الإعالة والتضخم والديون. إذن نحن نريد أن ننتج كل سنة أكثر مما نستهلك وهذا سيؤدى إلى زيادة نمو اقتصادنا من سنة إلى أخرى بمعدل يفوق معدل الزيادة السكانية. والمشكلة فى الزيادة السكانية ليست المواليد الجدد فى حد ذاتهم وإنما المشكلة هى «معدل الإعالة» أى نسبة من يعملون إلى نسبة من لا يعملون. مثلا أنا متزوج وعندى طفلان فقط ودخلى يزيد بمعدل يسمح لى أن أحيا حياة كريمة. ولكن جارى عنده خمسة أطفال وكل سنة عنده طفل جديد بما يعنى أنه أصبح مسئولا عن إطعام خمسة أشخاص، فى حين أننى مسئول عن إطعام طفلين فقط. هذه النسبة فى مصر نحو 3 مُعالين فى مواجهة كل شخص يعمل، وهى من أعلى النسب فى العالم وهى فى زيادة. السؤال: هل من الممكن للمصرين الذين لديهم ثلاثة أطفال أو أكثر ومراعاة للظروف الاقتصادية الصعبة حاليا أن يخططوا لتأجيل إنجاب أطفال آخرين لفترة سنة واحدة فقط، بما يتيح لنا ولو جزئيا تخفيض نسبة الإعالة؟ هذا ما أتمناه؛ وكفى بالمرء إثما أن يُضيّع من يعول، كما جاء فى الحديث الشريف. ولأن معظم هؤلاء لا يقرأون «الشروق» فهل ممكن لقراء «الشروق» أن ينقلوا لهم حرج الموقف الاقتصادى الذى نمر به وحاجتنا لمساعدتهم؟

النمو الاقتصادى يتطلب منا كذلك أن نكون دولة قادرة على الاستفادة من الاستثمارات الداخلية وجذب الاستثمارات الخارجية لتشغيل طاقتنا المعطلة من أيد عاملة وأراضٍ وموارد أخرى وإنتاج سلع وخدمات قابلة للاستهلاك المحلى وللتصدير للخارج بجودة وأسعار منافسة. هذا يتطلب الكثير من السياسات على مستوى الدولة ولكنه يتطلب كذلك منا الكثير على مستوى الفرد. لا مجال لاستثمارات جديدة مع انعدام الأمن واحترام القانون وتلك المبالغة فى المطالب الفئوية. وأحسبه واجبا شخصيا على كل مصرى أن يعى أن أى فعل بلطجة أو ترويع للآمنين هو نيل من الصالح العام كله وليس فقط من يروعون. وأرجو من كل من يعرف أى شخص يمارس هذه البلطجة والترويع ألا يتردد فى الإبلاغ عنه. وهذا ليس من الفضل الذى يمكن لنا تجاوزه أو فعله، وإنما هو فرض عين على كل من يريد الأمان بعد خوف، والطعام بعد جوع، والكرامة بعد مهانة.

نحن كذلك بحاجة لأن نتوقف عن هذا الإنفاق الاستهلاكى الذى بمن وصف القرآن أهله بأنهم أصحاب البئر المعطلة والقصر المشيد. ينفق أحدنا عشرات الآلاف من الجنيهات على عيد ميلاد أو فرح ولا ينفق جزءا من هذا المبلغ على تصليح تختة فى مدرسة أو سرير فى مستشفى. وهو ما لا يبدو بعيدا عن إنفاقنا غير المنطقى فى شهر رمضان على الاستهلاك وتكرار العمرة كما أوضح الأستاذ فهمى هويدى من قبل. والعجيب أن رمضان من أكثر شهور السنة استهلاكا للطعام فى مصر مع أن الأصل فيه أنه شهر التقرب من الله، وليس التقرب من الطعام، شهر أتوقع أن يفقد الكثير منا شيئا من أوزانهم، وليس العكس. هل نحن نستهلك كى نعيش، أم أننا نعيش من أجل الاستهلاك؟

والحقيقة أن مسألة الإنفاق الاستهلاكى فى شهر رمضان وغيره لها جانب آخر وهو المبالغة فى أسعار من يسمون بـ«النجوم» من الفنانين ولاعبى كرة القدم وبعض حاملى العِلم الدينى وما هم بعلماء. أولئك لهم كل الاحترام كأشخاص لكنهم لا يضيفون الكثير (وبعضهم لا يضيف أى شىء) إلى مصر والمصريين إلا بمنطق العهد البائد أنهم كانوا يملأون فراغا فى عقول الناس بصرفهم عن مشاكلهم السياسية.

••••

نحن بحاجة جادة لأن نتوقف عن هذا الإنفاق الاستهلاكى المقيت، ولنتخلق بأخلاق الآباء المؤسسين لحضارتنا العظيمة. هل تتذكرون عمر بن الخطاب حين رأى صحابيا ذاهبا إلى السوق فسأله إلى أين، فقال: «اشتهيت شيئا فأردت شراءه» فقال عمر: «وهل كلما اشتهيتَ اشتريت؟» وحفيده عمر بن عبدالعزيز والذى كان خليفة للمسلمين فبلغه أن ابنه اشترى خاتما بألف درهم، فأرسل له قائلا: «بع الخاتم، وأطعم بثمنه ألف فقير، واشتر خاتما من حديد واكتب عليه: «رحم الله امرءا عرف قدر نفسه»، قطعا التضخم (بمعنى تراجع القدرة الشرائية للجنيه) له أسباب متنوعة، لكن حين نتجنب الإنفاق غير المبرر سيكون لدينا من المال ما يجعلنا نوجه جزءا منه لما يفيد الوطن ويعمره، وبالتالى سنستطيع أن ننتج ما يقلل من هذه الضغوط التضخمية والتى يعانى منها دائما الفقير أكثر من الغنى أو ميسور الحال.

••••

نحن بلد مديون للعالم الخارجى (نحو 35 مليار دولار)، وهذا يعنى أننا أصحاب اليد السفلى إن شاءوا منعونا وإن شاءوا أعطونا لأننا عالة على العالم الخارجى. ولا أخفى القارئ الكريم سرا أننى تحدثت مع بعض المسئولين الأمريكيين فى مسألة دعم الاقتصاد المصرى وإلغاء الديون، وهو شعور مقيت أن تطلب المساعدة، ولكن بعض قومى يستهلكون أكثر مما ينتجون سواء لأن البعض اختار ذلك، أو هو غير مؤهل لغير ذلك (نحو 43 بالمائة من المصريين شبه أميين أو أميون بالفعل)، أو هناك من سرق أموالهم لأنهم فى فترة سابقة وضعوا ثقتهم فى من لا يستحق ثقتنا.

هذا المقال موجه بالأساس للمواطن الذى يسأل ماذا أفعل كى أساعد بلدى اقتصاديا. وأقول له لو لم تجد فيما جاء فى هذا المقال ما يمكن أن تفعله لمساعدة بلدك، فالباب مفتوح لاجتهادات أخرى؛ المهم ألا نتصرف وكأننا غير مُطالبين بشىء. أختم بالتذكير أننى كتبت من قبل مقالا فى «الشروق» بعنوان «كيف نجح الناجحون اقتصاديا» محاولا فيه استخلاص أهم الدروس من عدد من تجارب التنمية الأهم فى العالم. وأنا أضعه أمام الحكومة الحالية عسى أن يكون فيه ما يفيد.

                  http://www.shorouknews.com/Columns/Column.aspx?id=448624

ألم تكن هذه دعوتنا أثناء الثورة ولكن الناس اعترضت علينا وقالوا أن أي إصلاح لن تكون له فائدة!!

انا قلت ان الاصلاح لن تكن له اى فائدة فى ظل بقاء فلول النظام الفاسد وهم الان قد رحلوا الى السجن او اقيلوا من مناصبهم

وليس كما ذكرت ان الاصلاح لن تكون له فائدة