تاريخ قمع الحركات العمالية - إعدام "خميس" و"البقري"

بعد قيام حركة الضباط الأحرار في 23 يوليو عام 1952 ظن العمال أن زمن استغلالهم قد ولى وأن الضباط الأحرار قضوا على « مجتمع الخمسين بالمائة «، لكن حكم العسكر كشف عن وجهه الحقيقي بعد أقل من 20يوماً من حركتهم، وبالتحديد في يوم 12 أغسطس عام 1952 حين أوقف عمال كفر الدوار الآلات وأعلنوا الإضراب عن العمل وقاموا بوقفة احتجاجية لإعلان مطالبهم لحركة الجيش منددين بنقل العديد من العمال لفرع « كوم حمادة» وتدني الأجور والحوافز وتدهور سكن العمال، فقامت قوات أمن كفر الدوار بمحاصرة المصنع تحت توجيهات نفس القيادة التي كانت موجودة قبل حركة الجيش وأطلقت النيران علي العمال فسقط عاملا قتيلا، فرد العمال في نفس اليوم بعمل مسيرة لباب المصنع عندمات سمعوا أن «محمد نجيب»، رئيس الجمهورية، سيمر عند باب المصنع، وهتف العمال «يحيا القائد العام … تحيا حركة الجيش» وعندما تأخر نجيب – الذي لم يحضر أبداً – خرج العمال لانتظاره عند «مدخل المدينة» وفي طريقهم مرت مسيرة العمال على أحد نقاط الجيش وألقى العمال التحية على «العساكر» هاتفين نفس الهتاف «تحيا حركة الجيش» إلى أن وصلت مسيرة العمال لأحد الكباري وعلى الجانب الآخر منه وقف الجنود المصريين شاهرين بنادقهم في وجه العمال، ومن جانب ثالث لا يعلمه أحد حتى الآن انطلقت رصاصة في اتجاه الجيش فراح ضحيتها أحد العساكر، وكانت معركة بين الجنود المسلحين والعمال العزل حتى من الحجارة ولم تستمر المعركة لأكثر من ساعات فتم القبض على مئات العمال وتشكلت المحاكمة العسكرية برئاسة «عبدالمنعم أمين» أحد الضباط الأحرار ومن كوادر الإخوان المسلمين وأمام آلاف العمال وفي فناء المصنع، في بيت العمال، نصبت المحاكمة العسكرية واتهم مئات العمال بالقيام بأعمال التخريب والشغب وكان من ضمن المتهمين طفل عمره 11 عاما! وتم النطق بحكم الاعدام على العامل «محمد مصطفى خميس» ابن التسعة عشر ربيعا وتم النطق بذات الحكم على العامل « محمد عبد الرحمن البقري» صاحب السبعة عشر سنة. وبحسب طه سعد عثمان في كتابه «خميس والبقري يستحقان إعادة المحاكمة» التقى محمد نجيب «بخميس» وساومه بأن يخفف الحكم إلى السجن المؤبد في مقابل قيامه بالاعتراف على رفاقه العمال وإدانة حركتهم ولكن خميس رفض، وتم تنفيذ حكم الإعدام على الشهيدين «محمد مصطفى خميس» و «محمد عبد الرحمن البقري» في يوم 7 سبتمبر من نفس العام بسجن الحضرة بالاسكندرية تحت حراسة مشددة وسط أصوات «خميس» و «البقري» اللذان صرخا قبل الإعدام «حنموت وإحنا مظلومين».
هدأ الاعصار مخلفا وراءه ركام وخسائر المعركة في ظل غياب كل القوى السياسية والعمالية، في ظل موقف «الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني» – حدتو – التي قالت أن حركة العمال وراءها حركة معادية للجيش وموقف جماعة الإخوان المسلمين ورجلها «سيد قطب» الذي قال « أن حركة العمال ورائها أخطبوط الرجعية والاستعمار» – من كتاب أحمد شرف الدين «كفر الدوار 1952 واستشهاد خميس والبقري» – وفي ظل مباركة معظم أعضاء مجلس قيادة الثورة، حيث قال محمد نجيب» في كتابه «شهادتي للتاريخ»، «إنني التقيت بهما وكنت مقتنعا ببرائتهما بل وكنت معجبا بشجاعتهما ولكن صدقت على حكم إعدامهما تحت ضغط وزير الداخلية – جمال عبد الناصر – لمنع تكرار مثل هذه الأحداث». وكان موقف باقي الاعضاء- باستثناء خالد محي الدين و يوسف منصور صديق اللذان رفضا الحكم - أشد سوءا فكتب «عبد اللطيف البغدادي»في مذكراته» كان يجب تنفيذ الحكم بالإعدام لمنع حدوث هذه الأحداث» وكان هذا نفس موقف «حسين الشافعي الذي أعلنه في حوارا معه على قناة الجزيرة «بأنه كان يجب أن يعرضوا على المحكمة العسكرية فالثورة ليست عملا عاديا لننتظر القضاء العادي». وفي المقابل أدانت منظمة «النجم الأحمر» الشيوعية عملية الإعدام بشدة، وهي المنظمة التي كانت تضم «مصطفى خميس» – بحسب القيادي بها المناضل «عدلي جرجس».
يبقي أن نؤكد على أنه رغم المكاسب المهمة التي حصل عليها العمال وجموع الفقراء خلال الفترة الناصرية، إلا أن إعدام «الخميس» و»البقري»، وتأميم الحركة العمالية فيما بعد، وإحكام الدولة قبضتها عليها، تعطي للطبقة العاملة دروساً غالية أهمها أن أي مكاسب تحصل عليها تحت حكم الديكتاتورية والإستبداد ما هي إلا زيف كاذب مصيره إلى الزوال، هذا الإستنتاج يكتسب أهمية خاصة في هذه المرحلة من الحركة العمالية التي تشهدها مصر على مدار الشهور الماضية، بدون ديمقراطية حقيقية يكون العمال أحد دعائمها الأساسية لا أمل في انتزاع حقوق العمال.