مهزلة أم فضيحة كبرى؟ بقلم د.حسن نافعة

«السيد…
بعد عظيم الاحترام
أكتب لكم سطورى هذه لأحملكم أمانة رأيت فى شخصكم مَن هو الجدير بنقلها إلى الشعب المصرى: حضرت إلى القاهرة فى منتصف ليل الخميس الماضى قادما من ألمانيا، حيث كنت فى زيارة رسمية لأحد أبطال الثورة المصرية الدكتور مصعب أكرم الشاعر الذى يعانى من إصابات بالغة الخطورة حدثت بسبب إطلاق النار عليه أثناء الثورة. وقد طلبت منى النيابة الألمانية الحضور إلى مقر المستشفى لتسلم فوارغ الطلقات والشظايا التى خرجت من جسم موكلى وإثبات ذلك فى محضر رسمى أمام النائب العام الألمانى.
وقد كلفنى موكلى بتمثيله أمام المحكمة التى تحاكم حبيب العادلى ومساعديه وحرر لى توكيلا بمعرفة أحد موظفى السفارة المصرية فى برلين يعطينى الحق فى رد المستشار عادل عبدالسلام جمعة القاضى الذى يحاكم العادلى.
وبعد أن عدت إلى منزلى من مطار القاهرة كان علىّ الاستيقاظ مبكرا حتى وصلت إلى مبنى المحكمة فى التجمع الخامس فى الثامنة صباحا وكانت المفاجأة أننى رأيت مهزلة حقيقية لا ترقى إلى أى نوع من أنواع المحاكمات الطبيعية الموضوعية. فعلى أى محام من المدعين بالحق المدنى أو على أسر الشهداء أن يقفوا مدة تزيد على الثلاث ساعات حتى يتمكنوا من الوصول إلى قاعة المحكمة ليجدوا فيها أتباع المتهمين ومحاميهم وقد أخذوا أماكنهم فى يسر وسهولة ولا تسأل كيف دخلوا بهذا الشكل.
وبعد انتظار داخل هذه القاعة الصغيرة ومع وجود عدد كبير من البشر قد يكون حائلا دون أن تتنفس بسهولة يخرج علينا المستشار عادل عبدالسلام ودائرته، وفجأة تجد عدداً مهولاً من رجال الشرطة بملابس مدنية يتكاتفون بشكل جدارى أمام قفص الاتهام، بحيث يستحيل على بشر أن يرى مَن هو الشخص أو الأشخاص الموجودون بقفص الاتهام وتتم هذه الطريقة بحرفية كبيرة وبرغبة أكيدة فى إتمامها.
ويسأل الحاضرون رئيس الدائرة: أين هم المتهمون؟ فتكون الإجابة ابتسامة عريضة تنم عن أن صاحبها بعيد تماما عن أجواء هذه المحاكمه وكأن هذا السؤال أصلا لا يعنيه فى شىء.
ثم تبدأ حالة من الصياح الهزلى مع وجود أعداد مهولة من رجال الشرطة والجيش فاصلة بين المحامين والمحكمة، ويظل جميع الحضور واقفين بهرجلة واضحة ولا تجد أى صوت لرئيس الجلسة، فلا يسمعه حتى كاتب الجلسة وفجأة ودون أى مقدمات وبعد أن بذلنا كل هذا المجهود للحضور وبعد مرور دقيقتين على بدء الجلسة إذا برئيس الدائرة يصدر قرارا بتأجيل الجلسة ليوم السادس والعشرين من الشهر المقبل دون إبداء أسباب ودون أن يسمعه أى شخص ليتولى أحد ضباط الجيش إخبارنا بهذا القرار لاحقا.
ولكن ما أريد أن أوصله إليك كى تنقله كأمانة إلى كل من هم ضحايا فى هذه القضية أنه بهذه الطريقة لن يتحقق لهم العدل الذى ينتظرونه وأيضا لابد أن يعلموا أن هناك إرادة ما وراء إخفاء هؤلاء المتهمين وتعمداً تاماً لمعاملتهم على أن ما فعلوه هو نوع من الخطأ المهنى الذى يجد تعاطفا كبيرا ومؤازرة من زملائهم ضباط الشرطة الذين يؤمَّنون الجلسة. كما أن القاضى الذى يدير الجلسة أعتقد أنه لا يصلح لمثل هذا النوع من القضايا ولا يقوم بمهام عمله فى السيطرة والإشراف على تنظيم سير المحاكمة ووجوده هو شخصيا كان محل استياء من قِبَل أهالى المجنى عليهم.
لقد ترافعت فى العديد من الدول فلم أر فى حياتى محاكمة بهذه الطريقة الهمجية التى إذا ما كتب عنها فى الإعلام العالمى فستكون سُبَّة لكل مصرى وكل قانونى يعمل فى ظل هذه الأجواء. وإذا أردت أن أجد كلمة أصف بها ما حدث اليوم فلن أجد إلا كلمة الخيانة المتعمدة. الخيانة لدم هؤلاء الشهداء والمصابين وعدم وجود نظام وعدل يكفل الردع العام والخاص فى هذه القضية ويحقق القصاص الذى وقف أهالى الضحايا أمام القانون يطلبونه.
والآن عليك أن تبلغ كل من له شهيد أو مصاب فى هذه القضية بأن يرى أى طريق آخر يأخذ به حقه دون اللجوء إلى هذه المحاكمة الهزلية… اللهم قد بلغت اللهم فاشهد.
خالد أبوبكر المحامى
عضو الاتحاد الدولى للمحامين - باريس»
اللهم قد بلغت اللهم فاشهد، ولى تعليق على هذه الرسالة الخطيرة.