صلاح العالم بالشورى وليس الديمقراطية .. د/ راغب السرجاني

[CENTER][SIZE=“5”]

بيَّن فضيلة الدكتور راغب السرجاني في خطبة الجمعة 8 يوليو أن الله تعالى أقر الشورى في الاجتماع؛ لتسلم حياة الناس من خلال مجموعة من الضوابط تحمي الناس من شرور الاجتماع والتشاور على غير هدى من الله تعالى.

وأكد فضيلته أن اعتقاد البعض أن الشورى توازي الديمقراطية عند الغرب هو خطأ كبير، فشتان بين الشورى والديمقراطية.

وبيَّن الدكتور السرجاني أن الديمقراطية التي ظهرت في اليونان تعني حكم الشعب، فـ(ديمقس) تعني الشعب، و(راطس) تعني الحكم، فهي تعني حكم الشعب أو حكم الشعب لنفسه؛ فصورة الديمقراطية التي ظهرت قديمًا عند اليونان والهند والرومان أن يجتمع الشعب على اختيار الحاكم والقانون والتشريع. ولأنّ الشهوات والهوى مزروع في قلب كل إنسان، فكثيرًا ما كانوا يجتمعون على إقرار الظلم والباطل.

وضرب فضيلته صورًا متعددة من ظلم ما أقرته الديمقراطية في اليونان، والتي منها ألا مكان للعبيد بينهم، وأن الله خلق الأقوياء ليتسلطوا على الضعفاء.

وأوضح فضيلة الدكتور راغب السرجاني أن ما يعيب الديمقراطية أنها ليست على نور من الوحي أو هداية من رب العالمين، وإنما تركت لأهواء الناس التي أضلتهم عن جادة الطريق.

وأشار فضيلته خلال خطبته الجمعة 8 يوليو أن الله تعالى أنزل الإسلام ليحمي البشرية من تخبطها في أساليب الحكم والتشاور من خلال وضع الضوابط التي تحمي الناس وذلك في القرآن الكريم، وهذه القواعد هي قواعد الحلال والحرام.

وبيَّن فضيلته أن الله تعالى أوضح الحلال والحرام في القرآن الكريم طبقًا لما فيه مصلحة العباد، فالله هو الحكيم الخبير العليم بما يصلح العباد وما يضرهم إلى يوم القيامة، فقال تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157].

فوجه الاختلاف بين الشورى والديمقراطية -كما بيَّن فضيلة الدكتور راغب السرجاني- هو أن الشورى لها ضوابط من الشرع لا يجوز أن يجتمع الناس على مخالفتها؛ فمثلاً لا يجوز أن يتشاور الناس على جواز شرب الخمر أو عدم جوازه؛ لأن الله تعالى حرّم الخمر في كتابه، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90]. وهذا غير موجود في الديمقراطية التي تبيح التشاور في كل شيء، فهناك في فرنسا مثلاً اجتمعوا على تحريم الحجاب والنقاب على بنات المسلمين، وإقرار العري والفاحشة والإعراض عن التستر، فهذه الديمقراطية.

وأوضح فضيلته أن تلك الضوابط التي وضعها الله تعالى لعباده في أمر التشاور غير مقيدة لمن يأخذ بها؛ فمساحة الشورى واسعة لا حدود لها، فما حرمه الله -عز وجل- على عباده معلوم ومعدود، وغير ذلك كل شيء مباح.

ومن خلال حديث الدكتور راغب السرجاني عن الشورى والديمقراطية، أوضح فضيلته أن الله خلق الخلق مختلفين، وخلقهم يحبون الاجتماع والاختلاط، وأن هذه المجتمعات تحتاج إلى قانون يحتكمون إليه لاختلاف أعراقهم وأجناسهم، ومن هنا ظهرت طريقتان مختلفتان:

الأولى: الحكم الديكتاتوري السلطوي الذي يحكم الفرد الواحد بما يريد.

والثانية: وهي طريقة التشاور على أفضل العناصر التي يصلح بها أمر الحياة.

ولا شك أن الطريقة الثانية أصلح من الأولى في كل شيء حتى في حالات الخطأ؛ فخطأ الأولى أبشع بكثير وأكثر.

وأوضح فضيلته أن الإنسان مزروع بداخله الشهوات، فيقبل بهواه لإشباع ملذاته وشهواته، فنتج عن ذلك أن اجتمعت الكثير من الشعوب على خلاف ما أمر الله به، ومن هنا فليس اجتماع الأكثرية كافيًا لتحقيق الصلاح والخير.

وقد ذكر الله تعالى أن اجتماع البشرية على غير هدى ودين من الله تعالى يقود إلى ضلال لا محالة، فقال تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام: 116]. فالله تعالى يذكر في هذه الآية اجتماع الأكثرية، ولكنه اجتماع على ضلال؛ لأن هؤلاء الأكثرية أخذوا رأيهم على غير وحي أو هدى من الله تعالى. بل إن الله تعالى يقول في آية أخرى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 106]، {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103].

فليس اجتماع الأكثرية دليل على الصواب، بدليل أن الله تعالى ذكر في كتابه الكريم صورًا متعددة على اجتماع الأكثرية إلا أنها كانت على ضلال وباطل، منذ قوم نوح -عليه السلام- وإلى قوم محمد رسول الله . وتساءل فضيلته: من اجتمع على تكذيب نوح عليه السلام؟ ومن اجتمع على تصديقه والإيمان بالله تعالى؟ وأجاب فضيلته أن الأكثرية من قومه كذَّبوه وما آمن إلا القليل، قال تعالى: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ} [هود: 40].

وهذا النموذج في قوم نوح عليه السلام -أي اجتماع الأكثرية يكون على ضلال وباطل إذا بَعُد عن الوحي- متكرر كثيرًا في القرآن، كما كان الحال في قوم ثمود مع نبيهم صالح عليه السلام، وقوم نبي الله لوط عليه السلام.

والأوضح من ذلك -كما ذكر فضيلة الدكتور راغب السرجاني- اجتماع الأكثرية في سبأ من قوم بلقيس؛ فمع أن بلقيس ملكة سبأ كانت تحب التشاور وتداول الآراء بين وزرائها إلا أن رأي الأكثرية من رجالها كان على باطل وتحدٍّ لله تعالى ولرسوله سليمان عليه السلام، وهو ما فصَّله الله -عز وجل- في كتابه، قال تعالى: {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ} [النمل: 29-32].

فقول بلقيس: {يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ}، دليلٌ على اجتماع القوم لاستخراج أمر معين. فماذا خرج اجتماع الملأ مع ملكتهم بلقيس؟

لقد خرج اجتماع الملأ باستعراض القوة والتلويح بها، فقالوا: {قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ} [النمل: 33]. فأشاروا عليها بقوتهم ولوحوا باستخدامها في حال الحرب، إلا أنهم أرجعوا القرار إلى ملكتهم بما هو معمول به الآن في نظام الملكية الدستورية. وهنا ظهرت حكمة الملكة بلقيس التي خرجت على رأي الأكثرية في الاجتماع وقالت: {قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} [النمل: 34، 35].

وذكر فضيلة الدكتور راغب السرجاني أن هذه الصورة السابقة في قوم بلقيس هي نفسها ما كانت تعمل بها قبائل مكة قبل الإسلام، حيث يجتمع زعماء قبائل مكة من قريش وغيرها ويشاورون في أمور مكة وكيفية تسيير أمورها، فهذا له الرفادة، وهذا له السقاية، إلى غير ذلك.

والسؤال: على أي شيء اجتمع زعماء مكة بعد ظهور الإسلام؟ والإجابة أنهم اجتمعوا على حرب الإسلام والمسلمين، والتنكيل بالمسلمين الذين لا جريرة لهم إلا أنهم قالوا ربنا الله.

كما تناول فضيلته بعضًا من صور الحكم السلطوي وهي كثيرة في القرآن الكريم، والتي من أوضحها صورة فرعون وسلطته الاستبدادية في حكم البلاد، بل إنه رفع نفسه إلى درجة الألوهية: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: 38]. ولتجميل الصورة وتحسينها أمام الناس كان يتظاهر أنه يتشاور، وهي نفس الطريقة التي حُكمت بها البلاد العربية ما يقرب من 60 سنة الآن؛ فالصورة هي وجود مجلسي الشعب والشورى ثم لا يكون مرد الأمر إليهما، بل إلى رجل واحد وهو الحاكم…

فقد جمع فرعون الملأ يتشاور معهم أمر موسى عليه السلام، فقال لهم: {قَالَ لِلْمَلإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} [الشعراء: 34، 35]. فماذا رد عليه الملأ مجتمعين: {قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ} [الشعراء: 36]. فهنا رضي فرعون بما اجتمع عليه الملأ، ولما ظهر رأي آخر مخالف لرأيه وهو رأي مؤمن آل فرعون الذي قال: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ * يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا} [غافر: 28، 29]. فماذا رد فرعون عليه وعلى الملأ من حوله؟ {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر: 29].

وأوضح فضيلة الدكتور السرجاني أن تخبط الناس تجاه هاتين الطريقتين -طريقة الحكم السلطوي وطريقة التشاور بغير هدى- جاء نتيجة البعد عن الوحي وهدى الله تعالى، حتى جاء الإسلام وأرشد الإنسانية إلى الطريقة المثلى في صلاح البلاد والعباد، وهي طريقة الشورى بضوابط تضبط حياة الناس ومعاشهم.[/size][/center]

[CENTER]بارك الله فيك وجزاك الله خيرا

[/center]

[CENTER][SIZE=+0][CENTER][SIZE=+0][CENTER][SIZE=+0][CENTER][SIZE=+0][CENTER]

[/center]
[/size][/center]
[/size][/center]
[/size][/center]
[/size][/center]

شكرى تقديرى