أُرْدُغان المفترى عليه

محمد يوسف عدس

فى خضم هذا اللغط الإعلامي والتصايح المتبادل على الساحتين السياسية والإعلامية، بين الإسلاميين والعلمانيين، لن نستطيع أن نفهم من هو “رجب طيب أُردغان” الحقيقي… فقد كان أردغان يحظى بتقدير شعبي فائق عند المصريين قبل الثورة المصرية وبعدها على السواء… وذلك نتيجة لمواقفه الجريئة والإنسانية التى أخرج بها تركيا -على الصعيد الخارجي- من حظيرة التبعية الأمريكية الإسرائيلية… وقد تعززت صورته فى الخيال الشعبي بعد موقفه الشجاع تجاه إسرائيل… مقارنة بتخاذل السلطات المصرية فى قضية الإعتداء الإسرائيلى على الحدود وقتل الجنود المصريين…

و على الصعيد الداخلي استطاع أردغان أن يقضى على دكتاتورية الجيش، الذى جسم على صدر الحياة السياسية، عبر ثمانية عقود، حارسا لتراث أتاتورك العلماني، الذى -رغم إلحاده- كان على رأس المقدّسات التركية … حتى جاء لزيارة مصر مؤخّرا وتحدث -فى لقاء تلفازي- عن كونه مسلما ولكنه يحكم دولة علمانية… وهنا قامت عليه القيامة من جانب الإسلاميين… واتخذ العلمانيون كلامه تُكَأَةً ليغيظوا به الإسلاميين الذين خيّب ظنّهم بعد أن احْتفوْا بمقْدِمه فى أول الأمر، كرائد وقائد لحزب إسلامي، استطاع أن يحقق الديمقراطية… وأن ينطلق بتركيا فى طريق التقدم والازدهار الاقتصادي، وأن يُكسبها مكانتها الرفيعة فى المنطقة والعالم…

لقد بدأت فى تركيا إرهاصات التغيير خلال حكومة “نجم الدين أرْبكان” سنة 1996 ، وقد عرفنا أن حزب أربكان المسمّى (حزب الرّفاه) كان حزبا إسلاميا… وكانت تلك ظاهرة شديدة الغرابة فى محيط سياسي واجتماعى ترسّخت فيه لعقود طويلة علمانية شرسة غليظة الرقبة… وتحكّمت فيه أحزاب سياسية ذات توجهات شيوعية أو قومية عنصرية… يساندها الجيش التركي… وقد ظلت تركيا قبل أربكان تتدهور وتنحط حتى بلغت الحضيض: انهار إقتصادها … وانهارت عُملتها وسمعتها فى العالم… حتى جاء أرْبكان للحكم بأغلبية ضئيلة… وأخذ يعيد بعض التوازنات إلى الحياة السياسية والاقتصادية… وقد استطاع فى فترة قصيرة أن يحقق إصلاحات ملموسة فى الداخل وفى سياسة تركيا الخارجية … وكانت له طموحات كبيرة فى التنسيق والتعاون مع الدول المسلمة… ولكنه كان جريئا وصريحا، أكثر مما تحتمله تلك المرحلة، فلم يقدّر سطوة جنرالات الجيش حق قدرها فأطاحوا به، واستصدروا حكما قضائيًّا بحرمانه من مزاولة أى نشاط سياسي… وفُرضت عليه الإقامة الجبرية فى منزله…ِ و كان فى هذا أوْفر حظا من رؤساء سابقين انقلب عليهم الجيش وقتلهم …

يلاحظ المراقب للساحة السياسية فى عهد أربكان ظاهرة شديدة البروز والغرابة أيضا … خصوصا فى قلب نظام فاسد اعتاد على السلب والنهب وإهدار المال العام… وإهمال مصالح الشعب الحيوية ، حتى أصبحت اسطنبول وهى أكبر مدن تركيا (عدد سكنها عشرة ملايين نسمة) مدينة معوّقة ملوثة… يعانى سكانها من سوء الخدمات والانقطاع المتكرّر للمياه والكهرباء، ومن غلاء المعيشة… والتّسيّب وضعف سلطة القانون… وانتشار مافيا الجريمة المنظمة، والدعارة…
أما الظاهرة العجيبة التى عنيْتُها فقد جسّدها رجل يسمى “رجب طيب أردغان” محافظ اسطنبول… فقد حقق هذا الرجل (خلال سنتين فقط) معجزة إصلاحية…؟
عندما زرت اسطنبول سنة 1981 شاهدت مدينة تحتضر… ولكن أردغان إعاد إليها الحياة: أصلح مرافقها فجَرَت إلى بيوتها المياه والكهرباء بلا انقطاع … وانتهت مشاكل التموين ومواد الغذاء الشعبي… وانفرجت أمام المواطنين العاديين فرص العمل والزواج والسكن والتعليم… حتى الدعارة كانت له فيها حلول عبقرية، فلم يلجأ إلى إصدار القوانين… فهو بحكم تربيته الأسرية وتعليمه الإسلامي- مؤمنا بأن فى الإنسان مهما تورّط فى الآثام قوة ضمير كامنة… قد تكون منهكة أو نائمة ، ومن ثَمّ تحتاج إلى من يوقظها ويقوّيها ويحسن التعامل معها ، باللين وتوفير القدوة وفتح أبواب كسب الرزق الحلال … وهذا ما فعله أردغان للقضاء على الرزيلة والفسق فى اسطنبول… وعندما سأله الصحفيون الغربيون: كيف استطعت أن تصنع كل هذه المعجزات، فى وقت قصير، وقد كانت الحكومات السابقة تتذرّع لعجزها عن الاصلاح بنقص الاعتمادات المالية… فمن أين جئت بكل هذه الأموال…؟! ترى ماذا كان جواب الطيب أردغان…؟ قال الرجل العظيم ببساطة وتواضع: كل ما فعلناه أننا أغلقنا أبواب الفساد فى الإدارة الحكومية، وضربنا على أيدى الفاسدين لمنعهم من نهب المال العام … فتوفّرت لدينا أموال كثيرة، كانت كافية للأنفاق على كل هذه الاصلاحات… وبدأنا نحسّن حياة الناس ونساعد الشباب الراغبين فى الزواج على تحقيق أحلامهم فى الزواج والاستقرار والعمل…

جاء أُردغان إلى الحكم وهو يعي درس أستاذه أربكان مع العسكر وعيًا جيّدا… ويحمل فى نفس الوقت سجل خبراته الناجحة فى اسطنبول… وخبرته هو الشخصية مع السلطات العسكرية: فـفي عام 1999 أدانته محكمة تركية بتهديد النظام العلماني لأنه ألقىقصيدة حماسية قال فيها "المساجد ثكناتُنا، قبابها خوُّذاتنا، مآذنها رِماحُنا،والمؤمنون جيشنا"… وهكذا عُزل من منصبه في اسطنبول، وزُجّ به في السجنأربعة أشهر… ثم حُظِر عليه شغل مناصب عامة…
فلما جاء إلى الحكم من جديد استطاع هو وصحبه بالقدوة الصالحة، وبدأبهم فى السعى على مصالح الناس ورعاية شئونهم، وبسياساتهم الرشيدة أن يبثّوا الأمل فى نفوس الناس، وأن يحرّكوا قدرات المجتمع كله بحسن التنظيم والإدارة… وأن يساعدوا الشباب على بذل طاقاتهم فى العمل والانتاج والخدمة العامة… لا بالأناشيد الوطنية… ولكن بالعمل والانجاز… وإتاحة الفرصة للتمتع بثمرات هذا الانجاز لكل العاملين المجتهدين… وكانت هذه التجربة العبقرية هى التى لفتت أنظار الشعب التركي إلى قيمة هذا الرجل وصحبه… وإلى أن الأمل فى التغيير و الإصلاح ممكن إذا اختار لحكمه وإدارة شئونه هذه النخبة من الخبراء المخلصين الأنقياء… وقد فعل…

أما بقية القصة فنحن نعرفها: نعرف ماذا فعل ويفعل أردغان وصحبه فى تركيا… إنهم رجال عقلاء استطاعوا باللين والحكمة أن يقلّموا أظافر الدكتاتورية العسكرية … وأن يحجّموا دور الجيش فى السياسة والحياة العامة، دون تصادم أو تناطح مع هذه القوة الباطشة ، وأن يهذّبوا العلمانية البشعة… و أن يقنعوا الشعب التركيّ بتفسيرهم الخاص للعالمانية… وأن ينهضوا باقتصاد بلادهم… ويحققوا الكرامة لشعبهم… ويضعوا تركيا على خريطة القيادة والريادة على المستويين الإقليمي والدوليّ…

أصبحت أخبار أردغان تملأ الصحافة والإعلام العربيّ والعالميّ ، بمزيد من الاحترام والاعجاب: رأينا موقفه الإنساني الشجاع من قضية العدوان الإسرائيلي على غزة، ورأيناه يدافع عن القضية الفلسطينية فى المحافل الدولية… ورأيناه بلقّن “شيمون بيريز” رئيس الكيان الصهيونى درسا فى منتدى دافوس العالمي … ورأيناه يدعم القافلة البحرية لكسر الحصار الصهيوني على غزة، وعرفنا تفاصيل موقفه الحاسم من الاعتداء الإسرائيلي على القافلة… ورأيناه ينفتح على جيرانه العرب ويمد يده للتعاون والتنسيق بين القوى السياسية الفاعلة فى المنطقة… يسانده فى سياساته الرشيدة شعب قويّ استعاد وعيه ورشده وحريته، وتدعّمه قوة فكرية واستراتيجية جديدة متفتتحة ، يمثلها عبد الله جول رئيس الجمهورية، وأحمد داوود أوغلو وزير خارجيته، مع نخبة من المفكرين الاستراتيجين المبدعين…

يمثل حزب “العدالة والتنمية” بقيادة أردغان صفحة جديدة غير مسبوقة فى التطور التاريخي لتركيا: ففى عهده انطوى زمن دكتاتورية الجنرالات، و انهارت العلمانية البشعة بسقوط “بولانت أجاويد” آخر ممثليها… وانبثق في تركيا فجر جديد … أصحابه يتمتعون بقدر عالٍ من الحكمة والحنكة والرؤية الواضحة… هؤلاء أُناس لا تعمي بصائرَهم الأهواء أوالمطامع الشخصية عن المصالح الحقيقية لبلادهم وشعبهم، ولا تستبد بهم شهوة التوريث والرغبة العارمة للانفراد بالسلطة…
إنهم يستخدمون التغييرات الدستورية والقانونية لا لتأبيد احتكار السلطة، وإنما لتكبيل القوى المعادية للديمقراطية والحرية، وبالذات تكبيل سلطات الجيش الأخطبوطية فى كل ركن من أركان النظام… إنهم يعالجون مجتمعا اعتاد الخضوع لنوع من العلمانية، التى اكتسبت نوعا من الرسوخ والقداسة فى عقول الناس عبر أكثر من ثمانية عقود، من غسيل العقول المنهجي خلال التربية والتعليم والإعلام …
و كان استخدام أُرْدغان لمصطلح “العلمانية” فى تمرير سياساته الجديدة هو نوع من العلاج التدريجي… كما يعالج الأطباء المدمنين على التدخين بجرعات من التبغ المخفّف على شكل لبان للمضغ… أو زرع مصدر بديل تحت الجلد يعطى تأثير التبغ فى الدم حتى يبرأ المدمن من الإدمان… بدلا من الانسحاب المفاجئ الذى قد يحدث للمريض صدمة لا يستطيع احتمالها… فيتمرّد على العلاج ويعود للإدمان أشد مما كان عليه فى السابق…

طريقة أردغان فى العلاج إذنْ مُسْتوحاة من علم الفسيولوجيا… مُطَبّقًة فى علم السياسة… وقد تنبأت بنجاح هذه الطريقة فى مقالين لى نُشرا منذ أكثر من خمسة أعوام (فى يناير ٢٠٠٦ يمجلة “المختار الإسلامي”)… وقد عارضت فيما كتبت كثيرا من الكتاب الإسلاميين الذين هاجموا حزب العدالة ورجاله واعتبروهم مارقين… منقلبين على أربكان وحزبه… مُجانبين للأحكام الشرعية… كان هؤلاء الكتاب يتحسسون كل كلمة تُقال وكل تصرف يصدر من قادة حزب العدالة مثل : تأجيلهم لقضية منع الحجاب… وتركهم لمسابقات الجمال المشهورة تأخذ مجراها … وأمور ثانوية من هذا القبيل… لم يُرد أردغان أن تُستنزف قواه فيها… مُركّزا على الأولويت و القضايا الكبرى ومنها: اكتساب ثقة الجماهير وحشدها فى معاركه ضد تغلغل الجيش فى السياسة… ومعاركه فى التنمية والانتاج والتقدم الإقتصادي… وما أنجزه أردغان وحزبه فى هذه المجالات لا يمكن إنكاره… بل تحسده عليه دول أوربية كثيرة تعانى اليوم من أزمات اقتصادية ماحقة… وتتمنى لو استطاعت أن تنجو من أزماتها الإقتصادية كما فعلت تركيا أُردغان…

لقد انتصر أوردغان فى كل المعارك التى خاضها وحقق انجازات لم يكن ليحلم بها أشد المتفائلين: معركته ضد سطوة الجيش فأعاده إلى وظيفته الأصلية وأخضعه للقيادة السياسية… ويقف الآن أمام القضاء أربعمائة ضابط من النظام السابق متهمين بمحاولة انقلاب على الحكومة … ويضطر قائد القوات المسلحة للاستقالة لرفض الحكومة حركة ترقيات ورد فيها أسماء متهمين رهن التحقيق … وكان هذا الجنرال فى الماضى يأمر فيلغى قرارات رئيس الوزراء وقرارات اتخذها البرلمان التركي… ولا يستطيع أحد الاعتراض عليه… كل ذلك بفضل قدرة اردغان على حشد جماهير الشعب إلى جانبه لتعزيز خطواته وإصلاحاته… وفى تغيير الدستور والقانون وتحطيم الأغلال التى وُضعت أمامه باسم “العلمانية الكمالية الإلحادية” …
أما “علمانية أُردغان الخاصة” فهى شيء آخر… فدعنا ننظر فيما قاله خلال حديثه المتلفز:
"الآن في هذهالفترة الانتقالية بمصر وما بعدها أنا مؤمن بأن المصريين سيقيمون الديمقراطية بشكل جيد، وسوف يرون أن الدولة العلمانية لا تعني (اللادينية)… وإنما تعني احترام كل الأديان وإعطاء كل فردٍ الحريةَ في ممارسة دينه". فأين أخطأ أردغان حتى يقول عنه بعض المتشنّجين من التيارات الإسلامية أنه مرتدّ ويجب أن يُقام عليه حد الردة…؟! ويلتقط أحد الأذكياء من العلمانيين الخيط فيفرد مقالا بصحيفة الشروق بعنوان: “نواقص فى ديمقراطية تركيا”… يتحدّث فيه عن مشكلة الأكراد والعنصرية التركية… كأن أردغان هو المسئول عن هذه المشكلات… وهو يعلم أنها نتاج عقود من العلمانية والعنصرية الكمالية الملحدة… التى يحاول أوردغان تفكيكها… وتخليص الأمة من آثارها، لا بمعالجة الأعراض الظاهرة، ولكن باستئصال الداء من مكمنه…
هذا هو أردغان الذى عانى ماعانى فى سبيل عقيدته واستمسك بدينه ومبادئه، وصمد وهو فى السلطة وخارجها لهجوم العلمانيين عليه بسبب توجهاته الإسلامية، وبسبب تمسك أسرته بالحجاب: زوجته… وابنته التى فضلت التعليم فى الغربة على خلع الحجاب فى الوطن … وصمد فى وجه المهاجمين له من المنتسبين للإسلام… ومضى فى تحقيق أهدافه بطريقته الخاصة التى ثبت نجاحها… رغم كل العقبات والتحديات والتهديدات…
أقول فى نهاية المطاف:
أولا: إن أردغان قد ابتدع فكرة جديدة سماها “العلمانية” تجاوزًا… حتى يطمئن العلمانيين المتحيّرين فى أمره: وهو يدفع بقوة تجاه الاندماج فى الاتحاد الأوربي… (وكان هذا أقصى ما يطمح إليه العلمانيون)… ومن ناحية أخرى كان يفسح لقوى التديّن مجالات واسعة للتعبير عن نفسها بحرية غير مسبوقة… لقد استطاع أُردغان بإخلاصه وبقوة منطقه وتأثيره أن يحشد إلى جانبه قوى الشعب التركي بتياراته المختلفة… و أحدث بذلك ثورة ديمقراطية من نوع فريد… استطاع بواسطتها أن يحقق ما لا تزال ثورتنا المصرية تناضل من أجل تحقيق بعض منه حتى هذه اللحظة…

ثانيا: لم يعتمد أردغان فى سياسته العلاجية استخدام الصدمات الكهربائية ولا استخدام الخطاب [الدُّجْماطيقيّ]المتشنّج… إنما عالج بالرفق والتدرّج… وخاطب الناس باللغة التى يفهمونها… وإن كان قد جانبه الصواب فى مصر فمرجع ذلك أنه (دون أن يقصد) استخدم مصطلحا شديد الحساسية عند المصريين… مصطلح “العلمانية” الذى تدور حوله معارك يعتبرها المتعاركون حاسمة ومصيرية… ولكنى أعتقد أنه -وهو يتحدث هنا- كان ينظر إلى القوى التركية المناوئة لتوجهاته الإصلاحية وعلى رأسها الجيش… وكا ينبغى أن يتجاهلها الإسلاميون… ولا يجْدِل منها العلمانيون فى مصر شِباكًا جديدة لاصطياد منافسيهم فى التيارات الإسلامية…

ثالثا: أعتقد أنه إذا كان هناك من سيكون عائقا أمام تطبيق الشريعة فى مصر فهم (بعض الإسلاميين المتشنّجين) الذين لا يحسنون صياغة أفكارهم حول هذا الموضوع… ولا يحسنون التعبير عنها… ويتسرعون فى أحكامهم على الناس… ويظنون أنهم بذلك يحسنون صُنْعا.
إنهم لم يفهموا بعدُ أن الحق وإن كان واحدًا إلا أن الطرق إليه والمُقتربات متعدّدة بتعدّد الشعوب والبيئات … ومُقترب أردغان هو أحد هذه الطرق الطويلة الصعبة… التى نجحت فى بيئتها التركية… وعلى كل شعب مسلم أن يبتدع طريقته الخاصة المناسبة لبيئته وظروفه…

رابعا: إننا من أجل هذا الوطن… وإخراجه من المأزق الذى يمرّ به الآن فى حاجة إلى تضافر كل القوى الوطنية بلا استثناء ولا إقصاء… ومالم نتعاون اليوم فى هذه الظروف الصعبة، التى يتكالب علينا فيها الأعداء، فالهزيمة ستلحق الجميع ولن ينجو منها أحد… لا إسلاميين ولا غيرهم… فليكن همنا جميعا الآن هو إتمام المسار الديمقراطى وضمان القدر الكافى من الأمن والتنظيم للانتخابات القادمة… بعيدا عن قانون الطوارئ ذى السمعة السيئة…! لا تأجيل ولا مراوحة فى المكان ولا اختراع أزمات لترحيل المواعيد المتفق عليها لإجراء عملية الانتخاب وما يتلوها من خطوات…

وثقوا أن هذا الشعب الذى تُضمِر نُخبه السياسية والإعلامية روح الاستخفاف به وبقدراته وأهليّته، سيختار بجدارة من يريد تمثيله فى البرلمان… ومن يحكمه… وسيختار الدستور الذى يراه صالحا لحياته… ولن يلتفت إلى معارك القوى المتصارعة حول الأفكار والمصطلحات… التى تتشدق بها النخب المثقفة على اختلاف صنوفها وألوانها…
هذا الشعب قد انحلّت عقدته بثورةٍ تاريخية ربّانية… وامتلك حرّيته… ولن يفرط فيها أبدا بعد اليوم: لا لحكم العسكر… ولا لدكتاتورية علمانية ينسجون لها فى أروقة السلطة … ولا لأى دكتاتورية أخرى متشحة برداء اللبرالية أو الدين أو أى شعار آخر … سيرفض هذا الشعب كل الدكتاتوريات تحت أى عنوان… وستبوء بالفشل كل المحاولات التى تسعى لصرفه عن تحقيق أهدافه التى أعلنها خلال ثورته المجيدة… وإن غدًا لناظره قريب