http://www.almohandes.org/upload2/image/show/pRBswKjlGi/d.jpg
قبل أن تقرأ 38 عاما عاشها الفريق سعد الدين الشاذلي وهو يري تزوير النصرالذي أسهم فيه بالنصيب الأوفر. لكنه ابتسم أخيرا وهو يري ثورة25 يناير طوفاناهادرا يقتلع أكاذيب ويمحو أساطير.
ويعيد الحقائق إلي أماكنها, وينسب النصر لصاحبه… ثورة25 يناير أيضا تتعرضللتزوير علي الرغم من حداثة العهد بها وطزاجة دماء شهدائها وتأوهات جرحاها… ولكنالكذبة لا يتمتعون أبدا بذاكرة تساعدهم علي ترسيخ الكذب… كذب مبارك حين وضعصورته مكان الشاذلي, بجوار السادات في غرفة العمليات في حين تقتصر الصورة الأصليةعلي المشير أحمد إسماعيل وزير الحربية والشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة يليهالمشير عبدالغني الجمسي رئيس هيئة العمليات, ولم يكن قادة الأسلحة في الصورة فمنأتي بمبارك في صورة تعبيرية وهو يشير للسادات كأنه يوجه أو يبدي رأيا, وهو الذيلم يكن يجرؤ علي الإدلاء برأي أمام السادات حتي بعد أن اختاره نائباعام1975.
38 عاما عاني فيها الشاذلي بعض المرارة, لكنه اختار الانحيازللحقيقة, واستعد لدفع الثمن, حين رأي في الصمت خيانة لدماء الشهداء, أصحابالفرح, صانعي النصر, الذي اعتبره السادات ملفا شخصيا, ومجدا خاصا ورثهمبارك, في حين يؤمن الشاذلي بأن كل ضابط وجندي شريك في النصر, وقد أهدي إليهممذكراته.38 عاما من التعتيم علي دور الشاذلي انتهت بريح شديدة اقتلعت مباركوأسرته وأساطيره, واحتمل سيل ثورة25 يناير زبدا كثيفا, ومن تحته ظهر لؤلؤالشاذلي وشرف العسكرية المصرية, وقد احتفظ هذا اللؤلؤ بتألقه ولمعانه الأصيل,ولهذا السبب, أهدت السيدة زينب السحيمي ـ حرم الفريق سعد الدين الشاذلي ـ هذهالطبعة الجديدة من المذكرات إلي شباب25 يناير… الذين صنعوا أعظم الثورات,والتي لولاها لما رأي هذا الكتاب النور.
الشاذلي يقدم مذكراته
[RIGHT]علي الرغم من صدوركتب كثيرة عن حرب أكتوبر1973 بين العرب وإسرائيل, فإنه مازال هناك الكثير منالحقائق الخافية, التي لم يتعرض لها أحد حتي الآن, كما أن ثمة حقائق أخري قامبعضهم بتشويهها, أحيانا عن جهل, و أحيانا أخري عن خطأ متعمد لإخفاء هذهالحقائق, ومن بين الموضوعات التي مازالت غامضة تبرز التساؤلات التالية:
*لماذا لم تقم القوات المصرية بتطوير هجومها نحو الشرق بعد نجاحها في عبور قناةالسويس, ولماذا لم تستول علي المضائق في سيناء؟
* كيفتطور اختراق العدو في منطقة الدفرسوار يوما بعد يوم, وكيف كانت الخطط التي يضعهاالعسكريون تنقض من قبل رئيس الجمهورية ووزير الحربية؟
* من هو المسئول عن حصارالجيش الثالث؟ هل هم القادة العسكريون أم القادة السياسيون؟
* كيف أثر حصارالجيش الثالث علي نتائج الحرب سياسيا وعسكريا, لا علي مصر وحدها بل علي العالمالعربي بأسره؟
عندما قررت أن أبدا في كتابة مذكراتي في أكتوبر76- أي بعد ثلاثسنوات من حرب أكتوبر73- لم يكن هدفي فقط هو كشف أكاذيب السادات التي عمد إليتأليفها جزافا بعد أن وضعت الحرب أوزارها, بل كان هدفي الأول هو إعطاء صورةحقيقية للأعمال المجيدة والمشرفة التي قام بها الجندي المصري في هذه الحرب. إن منالمؤسف حقا أن السادات ورجاله لم يستطيعوا تقديم هذه الحرب في الإطار الذي تستحقهكعمل من أروع الأعمال العسكرية في العالم. لقد عمدوا إلي الكلمات الإنشائيةوالبلاغية دون الاستعانة بلغة الأرقام والتحليل العلمي للعوامل المحيطة بها. لقدانحصر همهم في إخفاء وطمس دور الفريق سعد الدين الشـاذلي الذي كان يشغل منصب رئيسأركان حرب القوات المسلحة المصرية لمدة امتدت من مايو71(29 شهرا قبل بدايةالحرب) وحتي12 ديسمبر73( سبعة أسابيع بعد وقف إطلاق النار), ولم يعلمالسادات أنه بهذا الحقد علي الفريق سعد الدين الشاذلي قد أساء إسـاءة بالغة للقواتالمسلحـة المصرية, فلكي يتحاشي هو ورجـاله ذكر دور الفريق الشاذلي لم يستطيعوا أنيذكروا كيف تم إعداد القوات المسلحة وتجهيزها لهذه الحرب, ولم يستطيعوا أن يذكرواكيف قامت القوات المسلحة بعبور قناة السويس, ولم يستطيعوا أن يذكروا كيف وقع أولتصادم بين الفريق الشـاذلي والرئيس السادات يوم16 من أكـتوبر لخلاف في الرأي حولالقضاء علي العدو الذي اخترق في منطقة الدفرسوار, ولم يستطيعوا أن يذكروا كيفتطور القتال غرب القناة يوما بعد يوم, وكـيف كانت آراء العسكريين تنقض من قبلالسياسيين. لقد اعتقد السادات ورجـاله انهم يستطيعون أن يحكوا قصـة حرب أكتوبر,وألا يكون نصيب رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية سوي أربعة أسطر يلقون فيهاعليه باللوم بصفته المسئول عن الثغرة! ما اتفه هذا التفكير! أو يظن هؤلاء أنهميستطيعون أن يثبتوا ما يقولون؟ أو يظن هؤلاء انه ليست لدينا الوثائق التي تثبت أنهمكاذبون؟ ويل للكاذبين الذين يقولون الكذب وهم يعلمون.
لقد انتهيت من تسجيلمذكراتي في أكتوبر77, وأخذت أنتظر الوقت المناسب الذي أقوم فيـه بنشرها, لأنهعامل مهم في كسب أي معركـة سواء أكـانت هذه المعركة سـياسية أم عسكرية. إن مهاجمةرئيس نظام أوتوقراطي وفضح أكاذيبه وخداعه ليس بالأمر السهل, فهو يحتاج إليالوثائق التي لا يتطرق إليها الشك, ويحـتاج إلي شهود دوليين, وإلي مناخ إعلاميمناسب. وبحلول أكتوبر77 كان قد تم إعداد كل شئ, ولم يبق سوي انتظار المناخالإعلامي المناسب, وفيما بين أكتوبر77 ومايو1978 ارتكب السادات ثلاثة أخطاءكـبيرة تسببت بمجموعها في خفض شعبيته في مصر والعالم العربي إلي الحضيض, ففينوفمبر77 قام بزيارته المشئومة إلي القدس, حـيث أعطي الكثير لإسرائيل دون أنيحصل علي شئ لقاء ما أعطي, وفي أبريل78 نشر مذكراته, وبذلك كـان أول رئيسدولة في العالم يقوم بنشر مذكراته وهو لايزال في السلطة. لقد كان نشر هذا الكتـابغير أخلاقي استغل فيه السـادات منصبه كرئيس دولة وحاكم بـأمره يملك وسـائلالإعلام- يعطي ويمنح يرقي ويفصل, ينصر ويقهر- ليختلق الأكاذيب علي كل منيخالفه في الرأي, وفي مايو78 ارتكب الخطأ الثالث بإجراءاته التعسفية لإسكات كلرأي حر في البلاد. لقـد كنت أراقب السادات وهو يقوم بتصرفاته الشـاذة بألموحسرة, بصبر وتحـفز, في انتظار الوقت المناسب, وبحلول شهر يونيو78 وجدت أنالصمت بعد ذلك قد يكون خيانة لعزة مصر وشرفها وقواتها المسلحة, وفي يوم19 منيونيو1978, ومن مكتبي كسفير لمصر في البرتغال هاجمت السادات هجوما عنيفا, وقلتكل ما يريد كل مصري حر أن يقوله, كنت اعلم بأنني أضحي بمنصبي الممتاز من أجلمبادئي, وكنت سعيدا بذلك. لقد ظن السادات أن حياة الأبهة التي أعيش فيها كسفيرقد تنسيني حبي لمصر, وحبي للكفاح من أجل مصر, ولكنه أخطأ في تقديره هذا خطأجسيما. لعل السادات يري الناس من خلال نفسه, إنه يعتقد انه يستطيع بالمالوالمناصب أن يشتري أي شخص, ولكن هيهات هيهات فليس الرجال كلهم سواء.
وها هيذي مذكراتي عن حرب أكتوبر73 اهديها لكل ضابط وكل جندي في القوات المسلحةالمصرية, وأنني فخور جدا بكل يوم وكل ساعة قضيتها كرئيس لأركان حرب القواتالمسلحة المصرية. تلك الفترة التي تم خلالها تخطيط وتنفيذ أول عملية هجومية ناجحةضد إسرائيل في السنوات الثلاثين الماضية, وإني انتهز هذه الفرصة لكي أشيد بكلضابط وكل جندي أسهم في تلك الحرب التي استعادت للجندي المصري كرامته وتاريخهالمجيد, لقد كانوا هم الأصحاب الحقيقيين لهذه المذكرات, لقد صنعوها بدمائهموشجاعتهم, وكانوا شهود عيان لكل أحداثها. وإن بعض الحوادث التي ذكرتها في هذهالمذكرات يعلمها الألوف منهم وبعضها الآخر تعلمه المئات أو العشرات منهم إن مئاتالألوف منهم سوف يستقبلون هذه المذكرات بحماس شديد ولكن قليلين وممن باعواأنفسهم. للسادات وربطوا مصيرهم بمصيره- سوف يجدون أنفسهم في كرب شديد, فإماأن يقولوا الحق وهم يعلمون أن ذلك سوف يعني أن يفقدوا مناصبهم, وإما أن يقولواالكذب وهم يعلمون الحقائق, فيفقدون بذلك سمعتهم أمام الناس وأمام أبنائهم وأمامالتاريخ, ناهيك عن حساب الله الذي يمهل ولا يهمل. إني أرثي لهؤلاء وأدعـو اللهأن يوفقهم إلي الصراط المستقيم, ولكني أحذرهم بأنني قادر علي إثبات كل ما كتبت فيهذه المذكرات.الحمد لله رب العالمين الذي وفقني في أن أقول كلمة الحق وأن أدافععنها, اللهم اهدنا وأنر الطريق لنا وانزل السكينة في قلوب المؤمنين حتي يستطيعواأن يقفوا في وجه الطغيان وألا يكتموا كلمة الحق وهم يعلمون.
وسوف يكتشف القارئتناقضا حادا بين ماكان يقوله السادات اعوام71 و72و73 وبين مايقوله الآن فيالثمانينيات ولكن هذه هي الحقيقة المرة ان كل مانسب إلي السادات في هذا الكتاب مسجلفي محاضر رسمية, كما أن الكثير مما قاله في هذه المحاضر نشر في صحف الحكومة فيحينه, ما الذي حدث؟ وكيف تغيرت البوصلة التي توجه السادات بمقدار180 درجة؟ هلتغيرت سياسة امريكا اليوم عما كانت عليه قبل ذلك بعشر سنوات؟ وهل تغيرت سياسةاسرائيل اليوم عما كانت عليه قبل ذلك بعشر سنوات أم هل تغير السادات وحده؟ إني أتركللقراء أن يجيبوا بأنفسهم عن هذه الاسئلة. ان هدفي من هذا الكتاب هو أن أرويالتاريخ كشاهد عيان, اما مناقشة أسباب انحراف السادات عن الطريق الصحيح فهذاموضوع آخر لايدخل ضمن اطار هذا الكتاب.
وأخيرا فانني إذ أقدم للقارئ هذهالطبعة الجديدة المنقحة. يطيب لي أن اقدم شكري وتقديري الي الشركة الوطنية للنشروالتوزيع الجزائرية علي ماقامت به من مجهود كبير لكي يصل الكتاب اليك في هذه الصورةالممتازة.
[/right]
الخطة الهجومية
[RIGHT]المشاريع الاستراتيجية
لم نكف عن التفكير فيالهجوم علي العدو الذي يحتل أراضينا حتي في أحلك ساعات الهزيمة في يونيو1967, لقدكان الموضوع ينحصر فقط في متي يتم مثل هذا الهجوم وربط هذا التوقيت بإمكانات القواتالمسلحة لتنفيذه, وفي خريف1968 بدأت القيادة العامة للقوات المسلحة تستطلعإمكان القيام بمثل هذا الهجوم علي شكل مشاريع استراتيجية تنفذ بمعدل مرة واحدة فيكل عام, وقد كان الهدف من هذه المشاريع هو تدريب القيـادة العامة للقواتالمسلحة- بما في ذلك قيادات القوات الجوية والقوات البحرية وقوات الدفاع الجوي,وكذلك قيادات الجيوش الميدانية وبعض القيادات الأخري- علي دور كل منها في الخطةالهجومية. لقد اشتركت أنا شخصيا في ثلاثة من هذه المشاريـع قبل أن أعين رئيسالأركان حرب القوات المسلحة. لقد اشتركت في مشروعي عامي1968 و1969 بصفتي قائداللقوات الخاصة( قوات المظلات وقوات الصاعقة), واشتركت في المرة الثالثةعام1970 عندما كنت قائدا لمنطقة البحر الأحمر العسكرية. وقد جرت العادة علي أنيكون وزير الحربية هو المدير لهذه المشاريع, وأن يدعي رئيس الجمهورية لحضور جزءمنها, لكي يستمع إلي التقارير والمناقشـات التي تدور خلالها, وقد استمرت هذهالمشاريع خلال عامي1971 و72 أما المشروع الذي كان مقررا عقده عام1973 فلم يكنإلا خطة حرب أكتوبر الحقيقية التي قمنا بتنفيذها في6 أكتوبر1973.
وحيث إنإسرائيل كـانت تتفوق علينا تفوقا ساحقا في كل شئ خلال عام1968 والأعوامالتـالية, فقد كان مديرو هذه المشاريع الاستراتيجية يفترضون امتـلاكنا لقواتمصرية ليست موجودة واقعيا, وذلك حتي يكون من الممكن تنفيذ مشروع الهجوم بأسلوب لايتعارض مع العلم العسكري. وبمعني آخر فإن المديرين كانوا يضعون الخطة الهجوميةعلي أساس ما يجب أن يكون لدينا, إذا أردنا القيام بعملية هجوم ناجحة. ولا يمكنأن نعتبر هذا خطأ كبيرا حيث إن مثل هذه الخطط وإن كانت غير واقعية, فإنها تظهربوضوح حجم القوات المسلحة التي يجب توافرها لكي يمكن تنفيذ خطة هجوميـة ناجحة.وخـلال سنة69 وما بعدها أخذت قواتنا المصرية تزداد قوة, وأخذت خططنا في تلكالمشاريع الإستراتيجيةتبدو اقل طموحا- نتيجة ربط الأهداف بالإمكانات الواقعية-وبذلك أخذت الثغرة بين إمكاناتنا الهجومية وخططنا الهجومية في المشاريعالاستراتيجية تضيق شيئا فشيئا, حتي تم إغلاقها تماما في أكتوبر1973 وهكذا أصبحتخطتنا الهجومية عام73 مطابقة للإمكانات الفعلية لقواتنا المسلحة.
[/right]