النّهي عن سبِّ المسلم

مِن النّاس مَن هو منفلت اللِّسان في حقّ غيره حتّى كأنّ لسانه ليس منه أو ليس وراءه عقل يعقله وتحكمه. حيث تتساقط من فمّه الكلمة الوقحة والألفاظ النّابية تساقط الدود مِن لحم نتن، فهو يُؤْذِي أخاه إنْ تحدّث معه، تسمَع مِن سبابه ولعنه ما لا حَدَّ له فتكون سبباً في إشعال أو ضياع أمّة أو فقدان صديق، أو فِراق حبيب.

لقد حَذّر الله تعالى ونبيّه صلّى الله عليه وسلّم من عثرات اللِّسان وأخطاره وأخطار كلماته، قال الله تعالى: ‘‘لا يُحبُّ الله الجهر بالسُّوء من القول إلاّ من ظُلِم’’، وقال تعالى: ‘‘فاجْتنِبُوا الرِّجْس من الأوثان واجْتنِبوا قول الزُّور’’ وقال سبحانه: ‘‘والّذين يُؤْذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكْتسبوا فقد احتملوا بُهتاناً وإثماً مُبيناً’’. وروى البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ‘‘سِباب المسلم فُسوق وقِتاله كُفر’’، وروى مسلم قوله صلّى الله عليه وسلّم: ‘‘لا يكون اللّعانون شُفعاء ولا شهداء يوم القيامة’’، قال سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: كنّا إذا رأينا الرجل يلعن أخاه رأيناه قد أتى باباً من الكبائر.

ومن الأدب أنّه لا يجوز سبُّ مَن يُعاقب لأنّ الحدود في الإسلام تأديب وتعذيب لما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال أُتي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم برجل قد شرب، قال: اضربوه، قال أبو هريرة: فمنّا الضارب بيده والضارب بنعله والضارب بثوبه، فلمّا انصرف قال بعض القوم: أخزاك الله، قال: لا تقولوا هذا، لا تعينوا عليه الشّيطان. أي: إنّ في سبِّ العاصي المعاقَب تنفيذاً لمآرب الشيطان الّذي زيَّن له المعصية، فإذا دعا النّاس عليه بالخزي فكأنّهم يحقّقون مقصود الشّيطان.

إنّ شتم المسلم وتعييبه فِسْقٌ، أي خروج عن طاعة الله تعالى، لخروج هذا السلوك عن دائرة أخوة الإيمان، ثبت في صحيح البخاري عن أبي ذرّ رضي الله عنه أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: لا يرمي رجلٌ رجلاً بالفسق أو الكفر إلاّ ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك’’. أي: رجعت على القائل تهمة الكفر أو الفسق، وهذا دليل على تحريم تفسيق غير الفاسق. وإيذاء الآخرين سواء كانوا أحياءً أو أمواتاً ظاهرة تخلّف وانتكاس وبدائية وهمجية لأنّ الإيذاء يؤدّي إلى ردود فعل كثيرة سيّئة، منها حبّ الثأر والانتقام وزرع الأحقاد وإثارة المنازعات.