بطارية.. بالبكتيريا

بطارية… بالبكتيريا

[size=3][color=royalblue]عندما يرد ذكر كلمة بكتيريا فغالبا ما تنصرف الأذهان إلى الأمراض عافاكم الله منها ومن شرورها، وذلك للارتباط الوثيق بينهما، والقليل منا يعرف أن هناك أنواعا منها نافعة على قلتها. أما الأنواع المحايدة التي لا تضر ولا تنفع فلا أحد يلتفت لها، لكن عالمين -أحدهما هندي والآخر أمريكي- أخرجا نوعا من تلك البكتيريا عن الحياد، وحولاه إلى بكتيريا نافعة؛ نعطيها سكرا، أو أي مادة كربوهيدراتية لتعطينا كهرباء.

باختصار تمكن هذان العالمان تقريبا من اختراع أول “بطارية بكتيرية” فعالة في العالم قادرة على تشغيل جهاز هاتف جوال لمدة تصل إلى 25 يوما متصلة ودون الحاجة لإعادة شحنها، ورخيصة التكاليف.

أما أصل الحكاية فهو أن “سوديس تشوندري” وهو هندي الجنسية و"ديريك لافلي" الأمريكي يعملان لصالح مشروع بحثي تدعمه وزارة الدفاع الأمريكية، وموضع الاهتمام بهذا المشروع هو جعل نوع من أنواع البكتيريا التي تعيش تحت الأرض وتسمى "رودوفيراكس فيريدوسينز مصدرًا للطاقة.

البنتاجون تقول بأن سبب اهتمامها بهذه التكنولوجيا هو أنها تبحث عن مصدر لإمداد الميكروفونات تحت المائية وأجهزة رصد السفن والغواصات في قيعان المحيطات بالطاقة، وبالتأكيد ستتعدد استخداماتها، المهم أن هذه البكتيريا تتغذى على السكر، وتحرر تيارا من الكهرباء.[/color][/size]

حل جديد… لعلة قديمة

والحقيقة أن مسألة الحصول على وقود أو طاقة ميكروبيولوجية لا تعتبر شيئا جديدا، إلا أن توليده واجه مشاكل كبيرة، بالإضافة إلى أنه كان باهظ التكاليف؛ فهذا النوع من الوقود عادة ما يولد حوالي 10% فقط أو حتى أقل من الطاقة الموجودة في المادة التي تقدم للكائن الحي حتى يمكن الاستفادة منها كمصدر للطاقة؛ وهو ما يجعله بالغ الكلفة مقارنة بالطاقة التي يوفرها.

وعلاوة على ذلك؛ فبعد التطوير ومواصلة البحث حول ذلك الموضوع كان أفضل أداء لتلك الطاقة أمكن الحصول عليه من كائنات حية أخرى لم يتعد 50%، ولكن هذه المرة باستخدام مواد كيماوية وسيطة تدخل عبر غلاف الخلية، وتلتقط الإلكترونات الحرة، وتنقلها إلى القطب الموجب، إلا أن هذه المواد الكيماوية الوسيطة مكلفة، ويجب إعادة توفيرها باستمرار؛ وهو ما يجعلها غير ملائمة كمصدر بسيط ودائم للطاقة.

أما البكتيريا التي هي محور البحث أو الكشف الجديد؛ فهي تحول حوالي 83% من المادة المفترض استهلاكها للحصول على الطاقة إلى كهرباء؛ يعني أننا اقتربنا قليلا من الكمال.

أي سكر يمكن استخدامه كمادة أولية في البطارية التي تعمل بتلك البكتيريا -مثل الجلوكوز Glucose الموجود في سكر الفواكه، والفركتوز Fructose، والسكروز Sucrose المتوفرين في قصب السكر وشمندر السكر- كل هذا نافع ومجد وفعال، إضافة إلى مادة السليلوز cellulose التي تستخلص من الخشب والقش.

بكتيريا… حديدية

دعونا نغُص قليلا في التفاصيل العلمية… سبق أن أوضحنا أن تلك البكتيريا موجودة في الرواسب الخالية من الهواء تحت الأرض وغنية بالحديد، وتم العثور عليها في بادئ الأمر في منطقة أويتسر باي بولاية فرجينيا الأمريكية، ولوحظ أنها تحصل على ما تحتاجه من طاقة من السكر، وتحول ما يفيض عن حاجتها إلى إلكترونات وتنقلها إلى ذرات الحديد المتوفرة في طبقات الرواسب الحديدية التي تتخذها كبيئة تعيش فيها، وكذلك لذرات المعادن الأخرى الموجودة فيها.

هذا الكائن البكتيري المكتشف حديثا يعد نوعا لم يكن معروفا من أنواع كائنات دقيقة تعرف باسم متنفسات الحديد Iron Breathers؛ لأنها تعتمد على الحديد في التنفس بدلا من الأوكسجين، ويخالف بذلك غالبية الكائنات الحية، وبملاحظة اسم البكتيريا -وهو Rhodoferax ferrireducens- نكتشف سريعا العلاقة الوطيدة بينها وبين الحديد. حيث يبدأ الشق الثاني من اسمها بجزء “ferri” الذي يعني الحديد باللغة اللاتينية.

قام العالمان -اللذان يعملان أصلا في جامعة مساتشوستس- بإجراء تجربة، قاما بإحضار إناء صغير مقسم إلى جزأين يفصل بينهما غشاء ويحتويان على قطب كهربائي من الجرافيت، وفي أحد جزأي الإناء وضعت بكتيريا “رودوفيراكس فيريدوكينز” في محلول سكري من الجلوكوز.

من حسن الحظ أن قامت البكتيريا بالواجب، وكسرت الجلوكوز، وحولته إلى ثاني أكسيد الكربون وإلكترونات أو شحنات كهربائية سالبة. وهذه الإلكترونات مارست دورها المكوكي؛ حيث جذبها القطب الكهربائي المجاور وهو القطب الموجب، ثم انتقلت عبر دائرة خارجية إلى القطب السالب، وهكذا أصبح لدينا دائرة كهربية متصلة، وأمكننا توليد طاقة كهربائية من بكتيريا تحب الحديد وتعيش بجواره وتأنس به وتتنفسه، إضافة أنها تأكل السكر.

المستقبل

طبعا الدنيا لم تتحول بعد التجربة للون الوردي؛ فهذه بداية تجربة معملية، والبطارية التي لدينا حجمها ليس بالصغير، لكن لافلي وتشوندري ما زالا في أول الطريق تقريبا، ويبشران بإمكانية تصغير حجم البطارية ليصبح مثل حجم البطاريات المستخدمة في المنازل إذا تم التغلب على العوائق الهندسية، وتم وضع تقنيات للتصنيع وتقليل نسبة ثاني أكسيد الكربون الناتج عنها كملوث للبيئة.

فالجانب الإيجابي هنا أن الوقود يستهلك بأكلمه، أما السلبي أنه لا ينتج عن العملية سوى ثاني أكسيد الكربون، صحيح أنه عنصر ملوث واحد، لكن الغلاف الجوي للأرض يئن من زيادته عن الحد، وطبقات الجو العليا أيضا تشتكي منه لأنه يتسبب في ظاهرة الاحتباس الحراري وما ينشأ عنها من ظواهر سلبية، إلا أن لافلي يقول بأن تأثير مخلفات هذا الوقود على الاحتباس الحراري يقل كثيرا عن تأثير الوقود الحفري.

والملاحظ أن النموذج الأولي لبطارية لافلي وتشوندري لم يولد سوى كمية ضئيلة من التيار الكهربائي تكفي لتشغيل آلة حاسبة أو إضاءة شجرة عيد الميلاد مثلا، على حد زعمهم. لكن بالتطوير حصلا على البطارية التي تكفي لتشغيل هاتف جوال 25 يوما متصلة، كما سبق أن أشرنا في بداية المقال.

وهذا يعني أن التطوير مثمر، والأهم في هذا السياق أن الحدث في حد ذاته يعد كبيرا؛ لأنه دليل على إمكانية تطبيق المفهوم. لكن لافلي يؤكد أن فنجانا من السكر كاف لإنتاج طاقة كهربية تكفي لإضاءة مصباح كهربي قدرته 60 وات لمدة 17 ساعة متصلة.

لم تنته الجوانب السلبية… فهذه العملية تتم ببطء؛ حيث إن هضم البكتريا لفنجان السكر في أسبوع شيء يشبه السلحفاة في بطئها.

أما الإيجابي في تلك المسألة فهو أنها تعمل بجلَد ومثابرة السلحفاة؛ فهي لا تكَل، وتعمل 24 ساعة في اليوم و7 أيام في الأسبوع، هنا قد تكون مسألة الشحن أجدى من الاستخدام المباشر.

يعني ندع البكتيريا تأكل وتشحن البطارية، ثم نفرغها نحن بعد تمام شحنها، ونحصل على الطاقة الكهربية المختزنة فيها، وبالإضافة إلى ذلك فإن هذه البكتيريا قوية وقادرة على النمو في درجات حرارة تتراوح ما بين 4-30 درجة مئوية؛ يعني تناسب معظم الأجواء تقريبا.

ويمكن استخدام هذه التكنولوجيا كذلك في الأماكن التي يصعب فيها تشغيل البطاريات، أو حينما يعتبر ذلك مكلفا. أما بالنسبة لمن يعيشون في مجتمعات فقيرة أو نائية فيمكن تعديل الأقطاب الكهربائية بحيث تستخدم المخلفات الكربوهيدراتية من حيوانات المزارع أو المجاري لشحن البطاريات لتشغيل الثلاجات والأفران.

هكذا قد يكون لافلي نجح في كسب نقطة لصالحه؛ فالمهتمون بسلامة البيئة ونظافتها أصبح لديهم الآن حافز لقبول الفكرة؛ فهي مصدر شبه نظيف للحصول على الطاقة، بل ومنظف للبيئة أيضا… إذن فجواب أهل البيئة من حيث القبول والرفض قد لا يكون “لا بأس” فقط… بل ربما يتحول إلى “مرحبا”، ومن لا يصدق فعليه التأكد من ذلك في عدد أكتوبر المقبل من مجلة نيتشر بيوتكنولوجي.
Regards
Dr.Omani

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مشكــــــــــــــــــور أخوي ع الموضوع
بارك الله فيك…وجعله في ميزان حسناتك

أختكم…المناهل

Walikom Sallam
You welcome my sister
all the best for you