يعتبر المسجد من أهم الأبنية التي تميز المعالم المعمارية الدينية في الحضارة الإسلامية، فقد اتسمت المساجد علي اختلاف أماكنها بالتنوع في منشآتها ومكوناتها المعمارية والثراء في عناصرها الزخرفية .
وفي بداية الأمر كان المسلمون يصلون نحو بيت المقدس ، فأقاموا حينئذ ظلة يصلون أسفلها ويستظلون بها ، ثم حولوا قبلتهم بأمر من المولى عز وجل نحو بيت الله الحرام في مكة المكرمة ، وعندها أقاموا ظلة أخرى في الجهة المقابلة ،ونتج عن هذا التخطيط فناء أوسط مكشوف ،وبعد الإضافات الأولى للمسجد أصبح هذا التخطيط النموذج الأول الذي بنيت عليه المساجد في الإسلام .
وقد كانت المساجد الأولى في الإسلام بسيطة في تخطيطها الذي يتناسب مع شعائر الدين الجديد فكان الغرض من بنائها هو إقامة صلاة جماعية على قطعة من الأرض تحاط بجدران أربعة ، وكان السقف مُقاماً على أعمدة مصنوعة من جذوع النخل .
ثم لم تلبث المساجد الإسلامية أن أصبح لها نظام عام متشابه مع اختلاف في التصميم , فكان لمعظمها جزء أوسط يسمي الصحن، يكون مكشوفا أو مسقوفا، وتحيط به أربعة أجزاء أخرى تسمى أروقة أو ظلات، أوسعها هو رواق القبلة وفيه المحراب , وتُغطىَ الأروقة بسقوف مستوية محمولة على عقود أو أقواس، تقوم على أعمدة من الرخام أو الحجر أو أكتاف من البناء .
وقد حدث تطور في تصميم المساجد، عندما ظهر نظام المدارس في الإسلام دعت إليه مستلزمات المدرسة ومرفقاتها بما شكل نمطا خاصا للجوامع التعليمية .
ويمكن عرض أهم المساجد والجوامع الأثرية في الحضارة العربية الإسلامية، بشئ من الاختصار المنتقى من مصادر متخصصة بما يسمح به طبيعة البرنامج، وبما يعرف بتلك المساجد التي أدت دوراَ كبيرًا فى المجتمع الإسلامي في الحياتين الدينية والعلمية على الصفحات التالية :
المسجد الحرام بمكة المكرمة
[FONT=Traditional Arabic]
[/font][CENTER]
نظرا لمكانة المسجد الحرام والكعبة المشرفة في قلوب المسلمين قاطبة، فقد حظيا بعناية ورعاية خاصتين من خلفاء المسلمين على اختلاف العصور الإسلامية ,وقد شهد المسجد الحرام تطورات عمرانية وبنائية عبر العصور ، حيث قام الخلفاء الراشدون بإجراء توسيعات مهمة، وبالأخص في عهد الخليفة عمر بن الخطاب الذي قام بتوسعة المسجد الحرام بحوالي ( ألف وخمسمائة متر مربع )، أما في عهد الخليفة عثمان بن عفان فقد أصبحت المساحة الكلية للمسجد الحرام 4482 متراَ بزيادة تعادل 25٪ من مساحته السابقة.
ثم جاء التجديد في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان الذي أمر عندما حج بتجديد سقف المسجد الحرام من خشب الساج ، وأمر بإضاءة الصفا والمروة , ووضع مصابيح تنير هذا الطريق ، وعلق في سقف الكعبة قدحين زجاجيين وشمسيتين من القماش الديباج، ثم شهدت عمارة المسجد الحرام خلال فترة حكم ابنه الوليد تطورا ً كبيرا ً باستعمال الرخام، والذهب، وتزيين الجدران والسقوف بالفسيفساء.
ومر المسجد الحرام بالتجديدات والإضافات العديدة بعد ذلك ، فقد أضافوا إليه السقوف والأعمدة، ووسائل الإنارة وغيرها ، ومن أبرزتلك الإضافات ذلك الإعمار الذي أجراه السلطان العثماني سليم وابنه السلطان مراد عام 1572م وذلك عندما أعيد تعمير المسجد بأكمله، بأسلوب جديد، استُخدمت فيه أجود مواد البناء.
ثم ما تم إنجازه خلال عهد الأسرة السعودية التي اهتم قادتها اهتماما ً بالغا ً بتوسعة المسجد الحرام وعلى الأخص في عهد الملك عبد العزيز آل سعود 1375– 1396 هـ، والملك فهد بن عبدالعزيز سنة 1409هـ.
ولا يفوتنا في هذا المقام الحديث عن الكعبة المشرفة التي تعتبر أقدم مكان للعبادة في الأرض ، حيث اختارها الله جلت حكمته مكانا ً لبيته المحرم، أول بيت وضع للناس على هذه البسيطة , يقول الله تعالي : (( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا ً وهدى للعالمين )) (آل عمران 96). وبذلك اكتسبت مكة قدسيتها من هذا الاختيار، وحظيت بالتكريم والتعظيم ,وأضحت من المدن التي تهفو إليها النفوس والأفئدة. فقد بعث الله نبيه إبراهيم وولده إسماعيل ليرفعا قواعد البيت العتيق ، فقاما ببناء الكعبة من الحجر الرخام. ثم شرفه بكونه قبلة أهل الرسالة الخاتمة، وموطن رسولها عليه أفضل الصلاة والتسليم .
كان ارتفاع الكعبة 4,5 متراَ، ثم قامت قريش قبل البعثة النبوية باستقصار الارتفاع و بناء سقف مسطح بسطحين من الدعائم في كلً صف ثلاث دعائم. وكان ارتفاع كل دعامة من الخارج حوالي عشرة أمتار، كما تم بناء مدماكين من الخشب والحجارة , وقد ورد في سيرة ابن هشام، إن الرسول - صلى الله عليه وسلم – قام بنقل حجارة بناء الكعبة على رقبته، وبعباءته، وهو الذي فض التنازع بين البيوتات القرشية حول من يضع الحجر الأسود في موضعه في قصة معروفة في كتب السيرة النبوية الشريفة.
المسجد النبوي الشريفبالمدينة المنورة
[/center]
[FONT=Traditional Arabic]
[/font][CENTER]
ورغم أنه ليس المسجد الأول الذي أقامه الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) في المدينة المنورة، حيث كان مسجد قباء هو الأول، فإن اختفاء معالم هذا المسجد، جعل المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة أول المساجد التي بنيت في الإسلام من حيث التصميم المعماري والأهمية .
ولقد تم اختيار حرم المسجد جهة الشمال، وتم تحديد هذا الحرم من خلال جذوع النخل، وتم اختيار الجزء الجنوبي الشرقي كحجرات لمعيشة الرسول مع أسرته الكريمة.
وأصبح للمسجد قبلة من اللبن، كانت تتجه إلى بيت المقدس، فحولها الرسول بعد سبعة عشر شهرًا إلى الكعبة،وذلك بعد نزول الآية الكريمة : ( قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره ( سورة البقرة آية 145 .
وقد بنى الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) مسجده الشريف من اللبن، وجعل في سقفه الجريد المغطى باللبن كذلك ، وأما اسطواناته فكانت من خشب النخيل.
ولما انتقلت الخلافة إلى عمر بن الخطاب بعد وفاة أبي بكر الصديق، قام بتوسعته من جهة القبلة ، وجعل أساس المسجد بالحجارة في جوف الأرض، ثم أقام البناء عليه باللبن ، وجعل سقفه بالجريد، والأعمدة من خشب النخل.
وما إن آلت الخلافة إلى عثمان بن عفان حتى أحدث زيادة كبيرة في المسجد، واستبدل مادة البناء من اللبن إلى الحجارة، كما وضع اسطوانات حجرية بدلا ً من الخشبية، واتسعت مساحة المسجد من الناحية الشمالية 50 ذراعا ً ومن الشرق 60 ذراعا ومن الغرب 50 ذراعا ً، ومن الجنوب 100 ذراع، ولم يزد في عدد الأبواب، بل في عدد النوافذ.
وحين تولى الوليد بن عبد الملك الخلافة، أمر واليه على المدينة عمر بن عبد العزيز، بتوسيع مساحة المسجد من جهتي الشرق والغرب، وشراء الدور المجاورة، وعلى أثر ذلك اشتملت الزيادة على حجرات زوجات النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وعدد من الدور ، واحدة لعبد الرحمن بن عوف، والثانية لعبد الله بن مسعود، وأضيفت دارُ من جهة الغرب لطلحة بن عبيد الله، ودار لعمار بن ياسر، ودار للعباس بن عبد المطلب، وأمر الخليفة الوليد بإرسال أعمدة رخامية من الشام، وفسيفساء من مصر، وأقيم الأساس من الحجارة والرصاص والحديد، وبني الجدار بالحجارة المنقوشة المحشوة بالرصاص، فأصبح طول المسجد بعد هذه التوسعة 180 ذراعا ًمن ناحية الجنوب، و110 من ناحية الشمال، ونقشت جدران المسجد بالفسيفساء، وأدخل قبر النبي ( صلى الله عليه وسلم) ضمن المسجد، وأقيمت أربع مآذن في زوايا المسجد.
وعمر بن عبد العزيز هو أول من جعل للمسجد محراباً. وفي عهد الخليفة أبي جعفر المنصور تصدعت جدران المسجد، فأمر بصيانتها وتجديدها.
وفي عهد ابنه المهدي ضاق المسجد بزواره وبالمصلين، فأمر واليه على المدينة آنذاك جعفر بن سليمان بزيادته من جهة الشمال 100 ذراع، ومن الشرق والغرب 50 ذراعا ً، وزاد ذراعين في ارتفاع الجدران، وكان ذلك في عام 162هـ. واستمر خلفاء البيت العباسي في الاهتمام بالمسجد إصلاحا ً وترميمًا .
وكان في المسجد أربعة مآذن في أركانه، أزال منها سليمان بن عبد الملك المئذنة الجنوبية الغربية لإشرافها على بيته، ثم أزيلت المئذنتان الشماليتان ، ولم تبق إلا المئذنة الجنوبية الشرقية، وهي عبارة عن برج مربع طول ضلعه 5,4 مترًا وارتفاعه 29 مترًا.
وكان للمسجد عدد من الأبواب، منها باب جبريل ,وكان اسمه باب عثمان ,وهو الباب الذي يدخل منه الرسول (صلي الله عليه وسلم)، والباب الثاني هو باب النساء الذي فتحه عمر بن الخطاب، والباب الثالث هو باب الرحمة، وكان اسمه باب السوق في عهد الرسول، وهو الوحيد من جهة الغرب، والباب الرابع هو باب السلام وكان اسمه باب مروان لموقعه على بيت مروان الذي كان ممتداَ على طول الجدار من الزاوية الجنوبية الغربية وحتى غربي المحراب، ولقد أزال المهدي الواجهة الشمالية للمسجد عند تعديله.
وتتركز زخرفته في تزيين الجدارين الجنوبي والشمالي، فقد زُيًن الجدار الجنوبي بأشرطة رخامية ، وهي أشرطة عرضية، تعلوها كتابات من آيات قرآنية، وأشعار وقصائد قصيرة.
أما في الجدار الشمالي، فقد تم وضع فتحات لإدخال النور، وتم تزيينه بالفسيفساء، وتم تغطية السقف بالخشب الملون والمزين. ويقوم المنبر في الوسط بين الجدار الجنوبي والمحراب، وكان محراب الرسول (صلي الله عليه وسلم) مكونًا من درجتين، فجعلها معاوية ثماني درجات، بإضافة ست درجات في أسفله، وقد احترق هذا المحراب في القرن الثالث عشر.
وفي الجهة الجنوبية الشرقية أقيم قبر الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) في غرفته الخاصة، وقام عمر بن عبد العزيز ببناء حاجز مستطيل حول القبر . وبين القبر والمحراب فضاء يسمى (الروضة) وهو مكان استعمله الرسول للاستقبال، وقد تم تبليطها في العهد الأموي.
وكان مشروع التوسعة في العهد السعودي الحالي أكبر مشروع توسعة يشهدها المسجد على مر العصور، حيث بدأها الملك عبد العزيز بن سعود في النصف الأول من القرن العشرين، ثم جاءت التوسعة الكبرى في عهد ابنه الملك فهد بن عبد العزيز عاهل المملكة العربية السعودية .
[/center]