الرئيس القادم والحقيبة النووية

ثورة 25 يناير جعلت الشعب المصرى رقماً مهماً وصعباً فى زوال النظام السابق الفاسد… والآن، وبعد الانتخابات الرئاسية، أصبح رقماً صعباً فى اختيار رئيس الجمهورية عبر انتخابات نزيهة وشفافة.
كنا نعجب قديماً حينما نقرأ عن أمريكا وأوروبا، التى يصل فيهما الرئيس إلى سدة الرئاسة بفارق 1- 2%… وجاء اليوم لنعيش هذه اللحظة الفارقة فى مصر ليحكم مصر رئيس بفارق 1- 2% بدلاً من حصوله على 99%… وقريباً سنرى عدة رؤساء لمصر يعيشون سوياً بين الناس… وقبل الثورة كنا نجد الرئيس فى السلطة والآخرين فى القبر أو السجن.
الرئيس القادم أيا كان توجهه سيكون منزوع الدسم وقليل الصلاحيات ومطلوباً منه فى الوقت نفسه التصدى لأعقد المشاكل فى الداخل والخارج… وإرضاء الشعب المصرى الذى أصبح يتابع حقوقه لحظة بلحظة… وعليه الفكاك من الفخاخ السياسية والقانونية والإعلامية التى ستنصب له ولحكومته ولمساعديه بين الحين والآخر.
أمريكا وبريطانيا وفرنسا تأتمن الرئيس القادم على الحقيبة النووية وتسلمها له فى أول يوم يصل فيه إلى سدة الرئاسة، لأنها تثق بحكمته وجدارته… أما البعض، فلا يثق بالرئيس المنتخب فى أن يفتح أمامه أبواباً كثيرة لمؤسسات سيادية مصرية مهمة… خوفاً من ابتلاع التنظيم الذى يقف خلف الرئيس لهذه المؤسسات ويؤممها لصالحه… إنها مأساة الصراع الدائم بين النظام والتنظيم حتى بعد الوصول للحكم… إنها ثورة الشك التى ابتلعت ثورة 25 يناير وأممتها لصالحها… فغابت الثقة المتبادلة بين جميع الأطراف… والجميع الآن يتساءلون:
«إلى متى تقع مصر بين مطرقة الدولة العميقة وسندان التنظيم حتى بعد وصول رئيس مصرى منتخب انتخاباً نزيهاً… أليست لهذه الأزمة من نهاية من أجل مصلحة المواطن المصرى البسيط؟!».
تحية لكل القضاة الذين أشرفوا على الانتخابات فى كل لجان مصر، امتداداً من الإسكندرية شمالاً إلى النوبة جنوباً… ومن العريش شرقاً إلى مطروح غرباً… وواصلوا الليل بالنهار فى أجواء صعبة للغاية… وفى درجات حرارة وصلت إلى 42 درجة فى الصعيد… وأعلنوا النتائج فى لجانهم الفرعية… ولم يستطع أحد من المرشحين حتى الآن أن ينطق بكلمة تدل على خلل فى هذه اللجان… أما الخروقات كلها، فكانت من أنصار كلا المرشحين الذين كانوا يتعاملون مع جولة الإعادة وكأنها قضية حياة أو موت… أو كأنها نهاية الكون لو فاز منافسهم.
كما أن الجيش المصرى وفّى بعهده فى حماية الانتخابات وتأمينها والحيلولة دون أى محاولة لتسويد البطاقات من أى طرف أو خرق تأمين اللجان.
بعد قيام ثورة 25 يناير بشهرين قابلت أ. طلعت رميح فى الـ«BBC» ودار بيننا حوار… قال من خلاله: «انتهى عهد الرؤساء المصريين الأقوياء مثل عبد الناصر والسادات… وأى رئيس قادم سيكون ضعيفاً جدا ولا يستطيع اتخاذ أى قرار مصيرى»… والآن صدقت نبوءته بعد إصدار الإعلان الدستورى المكمل.
«البضاعة المبيعة والمستعملة لا ترد ولا تستبدل» شعار نسيه الذين يريدون إعادة الفترة الانتقالية من البداية، بعد أن استعملوا كل شىء فيها ورضوا بكل قوانينها وقواعدها… فلما بليت عندهم طالبوا بإعادتها مرة أخرى.
تشهد مصر الآن صراعاً حاداً بين المجلس العسكرى والإخوان… وهذا الصراع على الحكم والسلطة لا على الدين… والإخوان يستعينون بالميادين الثائرة الصاخبة وقوة التنظيم الضاربة فى كل شارع… والمجلس يستعين بالصمت والصبر وعوامل الزمن وثغرات القانون وأجهزة الدولة… والقوى السياسية المصرية الأخرى تلعب على كل الحبال وترمق الطرفين بعين الوصال والوداد، منتظرين الجولة الختامية ليكونوا مع الفائز كعادتهم… ناسين أن الخاسر الأكبر فى كل الحالات «مصر» الوطن و«المواطن» الغلبان.