مكاتب خالية من الجدران والعوازل لجيل العصر المعلوماتي الجديد

في شركة «زابوس» العملاقة المتخصصة في الإنترنت بولاية نيفادا الأميركية، لا يملك المديرون أية ألقاب، ولا مكاتب، باستثناء اثنين من المحامين. ويبلغ عدد موظفي الشركة الذين يبدأ متوسط أعمارهم من 36 سنة فما فوق، 1300 موظفا، وهم يصولون ويجولون في أنحائها، لأنهم لا يملكون مكاتب مخصصة لهم، فالشركة لا جدران لها، وبذلك هم يعملون من أي مكان، من أرائك الجلوس، إلى الطاولات المشتركة، إلى كافيتريا القهوة. أما العوازل الصوتية فهي سدادات الأذن الصغيرة، بدلا من الجدران والفواصل، فالذي يهمهم هو أن يكونوا قرب الآخرين الذين يقومون بأعمال كبيرة، بدلا من الاهتمام بمكاتبهم وحجمها. «لقد أضحى جهاز اللاب توب… مكان العمل»!، كما يقول زاك واير أحد المديرين.

  • تقنيات خضراء
  • التقنيات باتت تتطلب أن نفكر بنظرة خضراء للحفاظ على البيئة. وقد شرع عالم الاتصالات، وجيل العمال الذي ترعرع مع الهواتف الذكية والكومبيوترات، يغير المستقبل، ويزيل الحواجز والجدران، للانفتاح على عالم من التعاون المثمر. فهم لا يرغبون في مكاتب محددة لهم، بل يفضلون عليها هواتفهم وأجهزة اللاب توب المزدانة بالصور العائلية، والمتواصلة دوما مع «فيس بوك».
    في هذه الأثناء، شرعت المعدات المكتبية من الطابعات والآلات الناسخة تتقلص… وكذلك الورق، الذي أزال الحاجة إلى الخزائن الكبيرة التي تحتفظ بالملفات. وبذلك، أصبحت المساحات الكبيرة الخاوية، تستوعب المزيد من العمال والموظفين، فضلا عن تقليص التكاليف والنفقات في هذا الزمن الاقتصادي الصعب.
    وكان إحصاء أجري أخيرا من قبل «كور نت غلوبال» أشار إلى أن العديد من الشركات ستقلص المساحة المكتبية للشخص الواحد إلى 100 قدم مربعة خلال السنوات الخمس المقبلة، أي بمساحة مرأب يستوعب سيارة واحدة.
    والحافز لكل ذلك تأكيد الشركات على التعاون، وعلى روح الفريق ضمن فسحة ضيقة، «فالمكان الأضيق هو الأفضل»، كما يقول ريتشارد كاديزس نائب رئيس «كور نت» للاتصالات الاستراتيجية. ويبدو أن الكثير من الشركات شرعت سلفا في اعتماد هذه الخطة الجديدة.
    والمكاتب تقليديا تخصص 200 إلى 300 قدم مربعة للموظف الواحد. وعن طريق تشجيع البعض على العمل من المنزل تخلصا من المكاتب، يبدو أن اللجوء إلى الفنادق بات أمرا مطروحا لكي يقصدها الموظف أثناء وجوده في المكتب، ليحصل على مكتب ليوم واحد عند الضرورة. «طبعا قد تحتاج إلى مساحة أقل عندما يكون المكتب مفتوح الجدران»، يقول آدم ليتمان بيلي محامي الشؤون العقارية في مدينة نيويورك، نقلا عن صحيفة «يو إس إيه توداي» الأميركية.
    والعودة إلى وسط المدن والمناطق المأهولة، حيث المحلات وخطوط المواصلات والمطاعم، من شأنه تحفيز هذا الاتجاه. والمساحة في مثل هذه الأماكن أكثر تكلفة، ومن الصعب العثور عليها، لكن الموظفين من الشباب يرغبون في مثل هذه الأماكن. «فقد شرعت المدن تتنافس لتصبح مراكز للحياة العصرية والرقمية، والموظفون الشباب تهمهم الحياة الثقافية التي تحفل بها هذه الأماكن، فضلا عن الحدائق، وبالتالي العمل قرب مساكنهم، والكافيتريات، ومراكز الرياضة واللياقة البدنية»، وفقا لباتريشيا لانكستر رئيسة «لانكستر غروب» للاستشارات العقارية. كما أن الاقتراب من الخدمات المدنية جعلت الشركات توفر في المساحات، فالكثير من الموظفين لا يقودون سياراتهم إلى مراكز عملهم هناك، وبذلك لا يحتاج الأمر إلى كثير من مواقف السيارات.
  • محطات عمل جوالة
  • وكانت شركة «أكسينتشر» التي تعمل في استشارات الإدارة الدولية قد انتقلت إلى منطقة مدنية قرب العاصمة الأميركية واشنطن. وكان مكتبها الجديد مجهزا بمقهى يعمل أيضا على أنه منطقة عمل. فالتقنيات هذه الأيام تسمح بالعمل من أي مكان. فضلا عن وجود محطات للتجوال والعمل مزودة بأدوات لرياضة السير (تريدميل) بطيئة السرعة، فضلا عن مكاتب يمكن تعديل ارتفاعها كهربائيا. أما الأرضية، فمغطاة بالفلين والطاولات الصغيرة المغطاة بالزجاج المعاد تدويره. كما أن أكثر من نصف العمال من جيل العشرين والثلاثين سنة.
    أما المكاتب الحكومية التي تشغل ملايين الأقدام المربعة في العاصمة الأميركية، فباتت تتحرك في الاتجاه ذاته، كما يقول مارك ماك كولي مدير التطوير العقاري في شركة «أرلينغتون إيكونوميك ديفليمونت».
    وأضحت شركات أخرى تزيد من عدد موظفيها ضمن مساحات أصغر، نظرا لعملية التشارك في أماكن العمل والاتصالات.
    كما أن العمل من المنزل أضحى في ارتفاع على الصعيد القومي، ففي عام 2005 كان 3.6 في المائة من 133.1 مليون موظف من السادسة عشرة من العمر فما فوق، يعملون من منازلهم، استنادا إلى بيانات «سينسس» الإحصائية. لكن بعد خمس سنوات، ارتفعت النسبة إلى 4.3 في المائة من أصل 137 مليون موظف.
    لكن ليس الجميع متقبلا لمبدأ تحويل المكتب إلى غرفة جلوس واستراحة؛ «فنحن المحامين بحاجة إلى مكاتب، وهذا لن يتغير لأننا بحاجة إلى التركيز على القضايا التي ننظر فيها»، كما يقول بيلي. وعلى الرغم من ذلك، فإن الطلب على المساحات بدأ يقل، لأن التقنيات باتت تتيح للأشخاص تسلم المزيد من الواجبات.
    «وفي الواقع يوجد حاليا صراع بين القديم والجديد، ولا ندري ما الذي سينجح في النهاية، والذي سيلاءم المواهب التي سنوظفها» وفقا لما يقول بيلي.
    أما في هيوستن، مدينة الصناعات النفطية والغازية، فإن المكاتب ومساحاتها التقليدية ستبقى، استنادا إلى كوي دافيدسون نائب مدير «كوليرس إنترناشيونال» الشركة الكبرى للخدمات العقارية. فما زالت هذه الصناعات تستخدم المكاتب الخاصة، لكن دافيدسون ذاته غالبا ما يعمل من منزله. «فأنا أعيش على مسافة 30 ميلا من مكتبي في مدينة كبيرة مزدحمة بحركة السير، بيد أنني أفضل مكتبي الكبير الذي تبلغ مساحته 150 قدما مربعا»، على حد قوله.
    وتقول ستيفني مايكل التي تخرجت بدرجة مزدوجة في العلوم والاقتصاد من جامعة ماريلاند: «أنا لا أرى في المكاتب الكبيرة شيئا مهما، والوضع لا يقاس بحجمها»، لكن الذي تقدره جدا هي ساعات العمل المرنة، والقدرة على العمل من المنزل لفترة أيام كل أسبوع، كما يفعل بعض زملائها.