الرحمة في الأيام العشر الأوائل

من رحمة الله تعالى بعباده، أنه يرشدهم في أوقات مفضلة معينة لأعمال صالحة، فيغفر الله تعالى بها الذنوب، ويزداد بها إيمان العبد، ويدلهم الله تعالى على طرق عديدة للخير، لكي يتقربوا إلى الله تعالى بما شرعه لهم من عبادات وطاعات تساهم في فعلهم للخيرات، وييسر الله تعالى سبل كثيرة في أبواب الخير تجعل المسلم وإن كان فقيرا يمكن أن يحسن للآخرين، ويجتهد في الطاعات ويحصل على مغفرة الذنوب ويشعر أنه من المحسنين.

[FONT=Book Antiqua][CENTER][SIZE=5]

[/size]
من حب الله تعالى لعباده ورحمته بهم، أنه فضل بعض الأيام على بعض، وفضل بعض الليالي على بعض، ثم أرشدنا ودلنا على هذا التفضيل لنغتنم الفرصة، ونستغل مواسم الطاعات في الإكثار من عمل الصالحات، ونتقرب إلى الله تعالى بفعل الخيرات، ونبعد أنفسنا عن المعاصي والمنكرات، فهي فرص عظيمة لحصول الأجر ومغفرة الذنوب ورفع الدرجات في هذه المواسم العظيمة.


فالله تعالى يحبنا، ويحب الخير لعباده ويرشدهم إليه ليعودوا إليه، و قد منحنا فرصة عظيمة لنتوب، ولنكثر من الطاعات التي تمحو الذنوب، وهو سبحانه يرحم العباد ويرشدهم للأعمال الصالحات في هذه العشر المباركات، وهي فرصة جديدة لمحو الذنوب وغسل الخطايا ورفع الدرجات.


فهذه الأيام العشر الأوائل من شهر ذي الحجة المبارك، ينبغي للمسلم أن يعلم أنها منحة إلهية وعطية ربانية، وفيها تتجلى رحمة الله تعالى لعباده وحبهم لهم، فيحاول المسلم أن يتعرض فيها لنفحات رحمة الله عز وجل وذلك بالإكثار من العمل الصالح في هذه الأيام من صيام وقيام وقراءة القرآن، ومن الإكثار من التسبيح والتهليل والدعاء والاستغفار، فهي من مواسم الطّاعة العظيمة التي فضّلها الله تعالى على سائر أيام العام فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله منه في هذه الأيام العشر. قالوا ولا الجهاد في سبيل الله! قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء” رواه البخاري، فهذا النص الشريف يدلّ على أنّ هذه العشر أفضل من سائر أيام السنة من غير استثناء شيء منها، حتى العشر الأواخر من رمضان. ولكنّ ليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل لاشتمالها على ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر.


فضيلة هذه العشر جاءت من أمور كثيرة منها:
1. أن الله تعالى أقسم بها: والله تعالى لا يقسم بشيء من مخلوقاته إلا للدلالة على أهميته وعظمته، قال تعالى: (والفجر وليال عشر) قال غير واحد من السلف والخلف: إنها عشر ذي الحجة. راجع تفسير ابن كثير.



2. أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد بأنها أفضل أيام الدنيا كما تقدّم في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري. كما أنه حث فيها على العمل الصالح والإكثار منه.


3. أنه أمر فيها بكثرة التسبيح والتحميد والتكبير كما جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد ". أخرجه أحمد، وصحّح إسناده الشيخ شاكر.


4. - أن فيها يوم عرفة وهو اليوم المشهود كما في سورة البروج، الذي أكمل الله فيه الدّين وصيامه يكفّر آثام سنتين، وورد أيضا في السنة أنه صلى الله عليه وسلم صام التسع الأول، والحاج الذي يقف بعرفة لا يصون اليوم التاسع من ذي الحجة ليتفرع للعبادة ويجتهد في الدعاء.
وفي هذه العشر الأوائل أيضا يوم النحر وهو أعظم أيام السنّة على الإطلاق، وهو يوم الحجّ الأكبر الذي يجتمع فيه أغلب أعمال الحج، وأيضا تتحقق فيه سنة الأضحية، والتي فيها إحياء لكثير من الطّاعات وأداء عدد من العبادات في هذا اليوم العظيم.



5. - اجتماع أمهات العبادة في هذه العشر من الصدقة مع إحياء سنة الأضحية، و أداء مناسك الحج، إضافة للصيام في أيام التسع الأوائل، قال ابن حجر في فتح الباري: والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يأتي ذلك في غيره.


إن إدراك هذا العشر نعمة عظيمة من نعم الله تعالى على العبد، يقدّرها حق قدرها الصالحون المشمّرون. و واجب المسلم استشعار هذه النعمة، واغتنام هذه الفرصة، وذلك بأن يخص هذا العشر بمزيد من العناية، وأن يجاهد نفسه بالطاعة. وإن من فضل الله تعالى على عباده ورحمته بهم أن يسر طرق الخيرات، وسهل سبل الطاعات ليتقرب العبد من مولاه ويزداد إيمانه.


فعلينا أن نجتهد في حسن الاستقبال لمواسم الخير ونسارع بالتوبة الصادقة النصوح، وبالإقلاع عن الذنوب والمعاصي، فإن الذنوب هي التي تحرم الإنسان فضل ربه، وتحجب قلبه عن مولاه. كما يستقبل المسلم مواسم الخير عامة بالعزم الصادق على اغتنامها بما يرضي الله تعالى ويحاول التسابق إلى الطاعات، والمسارعة للخيرات ليدرك رحمة الله تعالى الرحيم بعباده والمحب لهم، ويسارع المسلم باغتنام هذه المواسم العظيمة، قال تعالى: ((وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربكم وجنةٍ عرضها السماوات والأرض أُعدّت للمتقين)) آل عمران:133[/center]
[/font]