شبهات حول مشروع الدستور (1)

لسؤال: 1- كل الأحكام التفصيلية للشريعة في المعاملات بأنواعها والعقوبات وما شابه ذلك ليست من مبادئ الشريعة ولا تدخل في المادة المفسرة.
2- المادة المفسرة ليست من ابتكار اللجنة التأسيسية أو خاصة بهيئة كبار العلماء، بل هو التفسير الذي ذكره كثير من الدستوريين قبل المسودة، والشيء الوحيد الذي زاد هو الحصر على القواعد والأدلة الكلية في مصادر أهل السنة وهو تحصيل حاصل ما دام الأحكام الشرعية نفسها لن تطبق!
3- المادة المفسرة هي مادة مقيدة وليست مفسرة، وذلك ما يفسر قول البعض عن تلك المادة إنها طمأنت الخائفين على الشريعة وطمأنت الخائفين منها! ولا أدري كيف يطمئن الطرفان إلا إذا كان الطرف الأول قد انخدع؟!
4- أنه لا كبير فرق حين تتأمل في المحصلة بين تفسير المحكمة الدستورية “الخبيث” لمبادئ الشريعة وبين المادة المفسرة رغم أن الذين يدافعون عن المادة المفسرة هم أنفسهم الذين هاجموا تفسير الدستورية بشراسة قبل ذلك!
5- مواد الدستور تكاملية وليس لأي مادة سلطان على مادة أخرى، وعليه فكل المواد التي تخالف الشريعة غير مقيدة بالمادة الثانية كما يظن البعض.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
1- قول من يقول: إن الأحكام التفصيلية للشريعة ليست من مبادئ الشريعة ولا تدخل في المادة المفسرة غير صحيح؛ لأن المادة تضمنت كلمة مصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة، وهذه تتضمن أصولاً مجمعًا عليها لا يجوز الخروج عنها وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس الصحيح، وأصولاً مختلفًا فيها يجوز الأخذ بأي منها بناءً على اجتهاد أو بناءً على ما يحقق المصلحة ويلبي الحاجة في المذاهب المعتبرة عند أهل السنة “وهي المذاهب الأربعة والظاهرية” دون مذهب الرافضة والخوارج والزيدية.
ثم هل تتضمن المذاهب إلا الأحكام التفصيلية؟! ولكن المجلس التشريعي ليس ملزمًا بحكم معين منها، لكنه ملزم أن لا يخرج عن مجموعها، بل كان النص قبل التفسير، بل وقبل إضافة الألف واللام في المصدر الرئيسي يشمل الأحكام في أصل وضعه، لكنه لم يُفعَّل طيلة أكثر من 40 سنة، وكانوا قد أعدوا تقنينًا لمواد الشريعة بعد سنة 71، ولكنه ظل حبيس الأدراج!
فالمسؤولية القادمة بعد الموافقة على الدستور -إن شاء الله- على البرلمان الجديد ليعدِّل التشريعات المخالفة للشرع فقد فتح له الباب ووضعت للقطار قضبان يسير عليها ولا يخرج عنها فعلى سائق القطار أن يسير في الطريق المحدد إلى الغاية المقصودة.
2- المادة المفسرة إذا كانت هي قول كثير من الدستوريين فالحمد لله فقد خرجنا بذلك من اختلافات الفهم والتفسير خصوصًا أن تفسير المحكمة الدستورية بأن كلمة مبادئ تعني قطعي الثبوت والدلالة معًا كان هو سبب المشكلة، وليس أصل النص، بل الأعمال التحضيرية لدستور 71 وتعديله في 81 يدل دلالة أكيدة على أن المقصود بالمبادئ الأحكام، ولكن الرغبة في الإيهام والتمييع لدى الليبراليين هو سبب إصرارهم على بقاء اللفظ دون تفسير لتحويله إلى “ديكور!” و-الحمد لله- تم تجاوز ذلك.
وأما قول القائل: “إن الشيء الوحيد الذي زاد هو الحصر على القواعد والأدلة الكلية في مصادر أهل السنة وأنه تحصيل حاصل ما دام الأحكام الشرعية لن تطبق!” - فهو كلام عجيب ممن لم يقرأ نص المادة ولا يعرف معنى ما كتب ولا معنى ما يقول هو؛ إذ أن المادة قد تضمنت المصادر المعتبرة -وقد سبق شرحها-، وهي بلا شك تتضمن الأحكام المجمع عليها، وأما المختلف فيها فلا يخرج المشرع عن أحدها طالما كان معتبرًا.
ولا أدري: هل تعمد حذف التعريف المفسر أم جهله لأنه ينص على “المذاهب”؟ ثم مَن الذي قال: إنها لن تطبق؟ هذه مسؤولية البرلمان القادم شرعيًّا ودستوريًّا أن يسن ما يوافق الدستور، ويعدل ويلغي ما يخالفه تلقائيًّا دون أن يحتاج إلى النص على ذلك عند كافة الدستوريين والقانونيين، فعلى من يجهل أن يسأل مَن يعلم أو يسكت فيكون خيرًا له.
بل -كما ذكرنا- كان يمكن في ضوء النصوص السابقة في دستور 71 وتعديله سن التشريعات الموافقة للشريعة، لكن لم يكن هناك ما يمنع مخالفة النصوص من الكتاب والسنة وإجماع مذاهب أهل السنة، فهذا قد أصبح موجودًا الآن -بحمد الله-، فزالت صفة الكفر عن المجلس التشريعي المصري، بل وشبهته.
3- لا أدري ما معنى كلام هذا المدعي أنها “طمأنت الخائفين من الشريعة”؟!
ألا ترى ما يفعلون في الشوارع من أجلها؟!
ألم تسمع قول قائلهم -“د. وحيد عبد المجيد”-: “لولا تمسك حزب النور بحذف كلمة مبادئ أو تفسيرها لمر الدستور”؟!
ألم تسمع قولهم إنه دستور وهابي طالباني إخواني سلفي؟
أمن أجل أنهم قد اطمئنوا؟!
يا للعجب… !
وأعجب منه قوله: “إنها مقيدة وليست مفسرة”!
اعرضوا الجملة على أي عاقل يعلم اللغة العربية ليعلم أنها مفسرة وبقيود تمنع من مخالفة النصوص والإجماع، وتمنع من الخروج عن مذاهب أهل السنة والجماعة.
وأعجب من ذلك قوله: “إن الخائف على الشريعة قد خدع”!
هل هي مجرد إطلاق شتائم وشعارات جوفاء؟ أي خداع والكلام في غاية الوضوح -بحمد الله-؟
4- كيف لا يوجد فرق بين تفسير المحكمة الدستورية والمادة المفسرة؟ هل قالت المحكمة: إن المبادئ تتضمن القواعد الفقهية والأصولية؟ هل قالت: إنها تتضمنا المصادر التي هي عند كل عالم بل طالب علم، بل أدنى من ذلك المصادر الأربعة المجمع عليها: الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وغير المجمع عليها: كالمصالح المرسلة والاستحسان والاستصحاب وقول الصحابي وسد الذرائع وشرع من قبلنا، وغير ذلك…
والقول بأنه لا فرق معاندة عاجز عن الحجة؛ فهي عند النصارى: “كارثية” انسحبوا من أجلها، وعندك أنها مماثلة! ما أفرحهم بك وبأمثالك!
5- مواد الدستور تكاملية إلا إذا نص على مرجعية مواد على مواد، فالنص على أنه “تمارس الحقوق والحريات بما لا يخالف المقومات الأساسية للدولة والمجتمع المنصوص عليها في الدستور” تجعل مواد الباب الأول حاكمة على مواد الباب الثاني بكل وضوح لكل ذي عينين يبصر بهما وأذنين يسمع بهما إلا إذا عميت القلوب بسبب التعصب الممقوت.
ثم إن النص على أن مبادئ الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع مع التفسير قاضٍ بالحصر على الشريعة في كونها المصدر الرئيسي لا يشاركها غيرها فيستحيل إذن أن يخالف الفرعي الرئيسي، وهي عند الدستوريين مادة كاشفة وليست منشئة لحق كسائر المواد؛ لما أصبح لها من قبول في المجتمع يهتز له المجتمع كله عند محاولة تغييرها -كما هو مشاهد- وبالتالي أصبحت بذلك “فوق دستورية”، وليس هذا بالنص على تسميتها كذلك فإن النص على تسمية مادة بذلك دون أن يكون لها مما ذكرنا من قوة القبول في المجتمع لا يجعلها كذلك، بل هي قابلة للتعديل، فالذي يجعلها غير قابلة للتعديل قوة قبولها في المجتمع.
والمجتمع -والحمد لله- هو مجتمع مسلم عبَّر عن هويته برفض أي مساس بها إلا بالزيادة والتوضيح والتفعيل؛ ولذا فليس هناك خطر من الاستفتاء عليها كما يظن البعض أنه نوع من تخيير الناس بين الإسلام والكفر، بل هي من جنس قوله -تعالى-: (وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ) (آل عمران:20)