فيليب جونسون المعماري الذي عشق التغيير

الفن والمعمار في معرض انتقائي:

واشنطن: فيليب كنيكوت *
سيتركك المعرض الجديد للموديلات والصور الفوتوغرافية والرسوم والنحت للفنان المعماري فيليب جونسون المقام بمتحف كريغر مع الاحساس بأن هذا المعماري الأميركي البارز لا بد أن يكون قد قضى سنواته الأخيرة امام الفيديو كاسيت لمشاهدة الأفلام القديمة لفريتز لانغ وأف دبليو مورناو. والإحساس الجمالي الفائق الأهمية الذي يأتي من هذا العرض الانتقائي، الذي يركز على الأعمال الأخيرة لجونسون الذي رحل عام 2005، يبدو وكأنه مستوحى من فيلم «المواطن كين»، الذي أخرجه اورسون ويلز، وقد عاد الفنان الى الأفكار والصور التي عرفها كشاب عندما قام بزيارة الى إلمانيا في عشرينات القرن الماضي. والتعبيرية الألمانية، التي كانت مؤثرا مهما مبكرا، نجدها في كل مكان من فصل جونسون الأخير.

ولكن كيف يفسر المرء الافتتان بالأشكال الغريبة والاهرامات الحادة الحافات؟ تقول هيلاري لويس، أمينة المعرض الموسوم «فيليب جونسون: عمارة وفن» ان الأمر يكمن في الاستيعاب الشبيه بالاسفنج ذاته لروح الزمن الذي مارسه جونسون طيلة حياته. فقد استعار الفضاءات الكثير من اسلوب فرانك غيري. وقد الهمته أفكار حول العمارة قدمها الرسام فرانك ستيلا في سنوات التسعينات. وقد كان بالفعل يرسم في إطار افتتانه بالتعبيرية الألمانية.

ولكن ماذا بشأن الأفلام ؟ تقول لويس انه لم يهتم بذلك النمط من الأشياء. كان جونسون النخبوي الثقافي المثالي. ولتفسير منعطفات اعجابه المثمر الطويل بالكثير من تلك الأساليب التي تبدو متناقضة، فانه استشهد بالفيلسوف الاغريقي هيراقليط.

وقال وهو يضع اسمين في جملة واحدة «ما أن تعترف مع هيراقليط بأنه ليس هناك مطلق سوى التغيير، فانك تستطيع أن تتجاوز الأشكال المجردة الأفلاطونية. ثم تعود اشياء مثل الاختيار والذوق والأشكال الى التصميم».

والأشكال الأفلاطونية المجردة التي يشير اليها هي الأشكال الأساسية الكلاسيكية التي تعتبر في جوهر الكثير من أعماله الأولى، بما في ذلك المكعبات المتشابكة لمتحف كريغر التي صممها عام 1963. والاشارات الى الاختيار والذوق والأشكال والتصميم هي سمات امتياز جونسون الثقافي. فقد ولد غنيا وعاش بغنى وتمتع بالمكانة الاجتماعية المرموقة الضرورية للاعتقاد بأن التراتب الثقافي هو تراتب فعلي وان الجمال أكثر اهمية من الوظيفة.

ويعطي هيراقليط، وهو نوع من اسم ثقافي للتغيير والمطواعية، تألقا فلسفيا جميلا لسيرة كانت دراسة في استثمار الفرص. ويركز المعرض الحالي على السنوات الخمس عشرة الأخيرة من سيرة حياة جونسون الفنية (ويجسد ثلاثة مشاريع ما تزال قائمة). وليس هناك ذكر لعمارته الأكاديمية المروعة، أو المختبرات المسببة للكآبة التي شيدها في مدينة ييل أواسط الستينات أو البنايات القاسية التي صممها لجامعة نيويورك أوائل السبعينات. كما أننا لا نعرف أي شيء حول السهولة التي سار بها في سفينته مقابل الرياح الريغانية للروح الثقافية المحافظة، منتجا أعماله الفنية الشهيرة بالأساليب الفكتورية أواسط الثمانينات. وكانت هذه البنايات خارج مدى هذا المعرض. ولكن الأبراج غير الجذابة التي شيدها لدونالد ترومب بنيويورك من عام 1999 حتى عام 2001 ربما تكون موجودة لسبب يتعلق بشيء من الاحساس بالأفق. وهكذا الحال مع العمارة غير المثير للاهتمام لفيرست يونيون بلازا في بوكا راتون بفلوريدا عام 2000.

لكن التركيز كان بدلا من ذلك على غزوات جونسون الإبداعية والفكرية في مجال الأساليب التي ازدهرت خلال السنوات الأخيرة من حياته. إنه لأمر مثير للإعجاب أن ترى رجلا مسنا منشغلا تماما وبشكل مستمر مع مساعديه الشباب. وفي فيديو خاص بجونسون قدم كجزء من المعرض وكان ثاقب الذهن وهو في التسعينات من عمره. وفي مقابلة مع تشارلي روز من بي أس بي بإمكانك أن تخمن أنه كان يفكر بنفس ما كان يفكر به ضحايا تشارلي روز: من هذا الشخص ولماذا يطرح أسئلة غبية كهذه؟

لكن على الرغم من الطاقة الفكرية التي كان يمتلكها بدأ يفقد خصائصه المشهورة. فمتحف الأطفال الذي بناه في غوادالارجا بالمكسيك يبدو مجموعة غير متجانسة من الأفكار المعمارية وتخلو من أي رابط بينها. والنموذج في كاتدرائية الأمل بدالاس يشير إلى بناية ضخمة تشبه المخبأ وهي ذات طابع دفاعي أكثر من أن تكون ذات علاقة بالأمل.

وكان مجمع الشقق في نيويورك سيتي أفضل مثال عن الدرجة التي وصل إليها في أواخر عمره من حيث قدرته على التقليد. وهذا المجمع المعروف باسم المنحوتة المسكونة يشير البرج إلى منطقة سوهو السكنية؛ وهو تقليد لغيري؛ وهي مجموعة دائرية متوازنة لأشكال شبيهة بالأبراج التي ترتفع فوق المنطقة المنخفضة والمشهورة تاريخيا. ومع استخدامها للقرميد الجلدي والشكل الكوميدي لنوافذها التي رتبت سطوحها بطريقة مجنونة وهي تشبه مركز ستاتا في معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا الذي صممه غيري. ويعود تصميم جونسون لعام 2000 لكن من غير الواضح من أخذ ممن. وتقليد جونسون مصقول، لكنه ثقيل مقارنة بتصميم غيري.

قالت أمينة المعرض لويس إن نقطة احتكاك المباشرة لجونسون مع التعبيريين الألمان جاءت من خلال مصمم مجهول تقريبا وهو هرمان فينسترلين الذي أنتج تخطيطات لأشكال معمارية تبدو وكأنها وهمية حتى جاء غيري. واعترف هذا المعماري بتأثير الفيلم التعبيري على رؤيته وربما اقتبس ذلك التأثير من خلال وسيط آخر هو غيري.

المصدر: جريدة الشرق الاوسط