حقائق حول أخلاق الحروب النبوية .. د/ راغب السرجاني

[CENTER][SIZE=“3”]

إنَّ هذا البحث ما هو إطلالة قصيرة على قيمةٍ واحدةٍ من قيم الإسلام العظيم، وقفنا أثناءها في إعجاب أمام جانب واحدٍ من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم العطرة، لم نستطع فيها أن نبلغ النهاية في أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم في الحروب؛ فكيف بمن أراد أن يستقصي مواطن الكمال والجمال في كل جوانب التشريع والسيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام!!

إن هذا لأمر تنوء بحمله الجبال!!

وهذا البحث يضعنا أمام عِدَّة حقائق، هي:

أولاً: أنَّ الدين الإسلامي دين عظيم يحتاج إلى رجالٍ شديدي الإيمان به وبعظمته، على استعداد للبذل من أجله، والعمل من أجل تطبيقه في كل نواحي الحياة، ودعوة العالمين إليه.
إنها مسئولية ضخمة سيضطرُّ المسلمون بسببها إلى مواجهة حملات التشكيك في الإسلام، وإلى العمل من أجل إظهار محاسن الإسلام التي طمسها الجهل والأعداء الذين ما فَتِئُوا يحاربون الإسلام ليل نهار، ولكن ما يعزي هؤلاء الرجال ويُصبِّرهم هو إيمانهم بأن الله تعالى ناصر دينه ولو كره الكافرون.

ثانيًا: أنَّ بنود التشريع الإسلامي والتطبيق الواقعي لها ليشهدان أن غير المسلمين ما وجدوا في العالم كله ما هو أرحم ولا أعدل ولا أبرُّ من التشريع الإسلامي… وأنَّ نصارى ويهود العالم لم ينعموا برحمة مثلما نعموا بها في ظل الحكم الإسلامي، ومن ثَمَّ فمن مصلحتهم أن تُطبَّق الشريعة الإسلامية كاملة في بلاد العالم الإسلامي.

إنَّ الإسلام الذي ينهى المسلم عن ظلم غير المسلمين المعاهدين والذميين إنما يضعه تحت خطر العقاب الإلهي إِنْ هو أخلَّ بتلك الأوامر، وهذا ما لن يستطيع غير المسلمين الحصول عليه في غير وجود الشريعة الإسلامية؛ أن يصيروا في ذمة الله ورسوله.

إنَّ الرقابة على المسلم في هذا الشأن ذاتية قبل أن تكون رقابة الشرطي والقاضي؛ فإنه كما يحرص على أداء الصلوات وكافة الطاعات ليدخل الجنة، وينأى بنفسه عن المحرَّمات والكبائر ليجتنب النار؛ فإنه يحرص على العدل والبِرّ مع غير المسلمين؛ ليكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا في مواجهته يحاجُّه نتيجة معصيته له في بِرِّ غير المسلمين. ولهذا فإنَّ من أعظم الضمانات لغير المسلمين في المجتمع المسلم أننا - نحن المسلمين - نتعبد الله تعالى برحمتهم والعدل معهم والإحسان إليهم… والتاريخ يشهد أنه ما من ظلم وقع على غير المسلمين من بعض الحكام في التاريخ إلا وكان نصيب المسلمين منه أضعافًا مضاعفة؛ فالظالم لا يهتم بديانة المظلوم، بل ربما كانت معاملة الظالم أحيانًا لغير المسلمين أفضل حتى لا يُتَّهم بالتمييز.

ثالثًا: أنَّ الإسلام قد ظُلِم وشُوِّهَ كثيرًا على أيدي خصومه؛ فقد عمل المستشرقون على ترويج القصص التاريخية الكاذبة، والأحاديث الموضوعة، وقاموا بنشر ذلك كله وفق خطة منظمة تحت مسمَّى التحقيق العلمي، والعلم مما فعلوا براء؛ لذا فإن من الواجب على من أراد معرفة الإسلام حقَّ المعرفة أن يتعرَّفه من مصادره الأصيلة، وليس ذلك من أجل مصلحة الإسلام والمسلمين، بل من أجل مصلحة العالم كله؛ فإنَّ الكذب الذي تم ترويجه طوال عشرات ومئات السنين قد وضع غلالةً أمام أعين غير المسلمين تحجبهم عن رؤية محاسن الإسلام كما هي.

إنَّ أهم حلقة في تاريخ البشرية ستظل مفقودة وتائهة من عقول العالم كله: شرقيه وغربيه نتيجة ما حدث من تزوير، ولن يعرف العالم الحقيقة، ويهتدي إلى الحق إلاّ بدراسة الإسلام من مصادره الأصيلة.
إن حلقة “الإسلام” ليست حلقة عابرة في سلسلة الإنسانية الطويلة، إننا حلقة مؤثرة أعمق الأثر، لقد حافظْنا على الخير الذي سَبَقَنَا، وطَوَّرْنَاهُ وجَمَّلْنَاهُ…

إن رسولنا صلى الله عليه وسلم قال في إيجاز معجز: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِمَ مَكَارَمَ الأَخْلَاقِ». فالإسلام أقرَّ الأخلاق الكريمة التي وُجِدَتْ قبله، وأضاف إليها وحسَّن وجمَّل وأتقن… حتى جاءت الشريعة الإسلامية في أعلى درجات السمو الأخلاقي، وحتى صار الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم مثلاً أعلى في كل الأخلاق الحميدة، والسمات النبيلة…

إنه ليس في مقدورنا - نحن المسلمين - ولا من وظيفتنا أن نجعل الآخرين مسلمين… إنما الذي نملكه وأُمِرْنَا به أن نصل برسالتنا إليهم بيضاء نقية، ثم نترك لهم الأمر في حرية تامة…  {قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا} [الإسراء: 107].

ونحن على يقين أن هناك يومًا سيحكم فيه ربنا بيننا بالحق، وسيعلم الجميع حينئِذٍ، من الذي اتبع الهدي، ومن كان في ضلال مبين… {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [يونس: 93].

وختامًا… لا أشك في أن الكثير والكثير مما يجب أن يُضَمَّ إلى هذا البحث لم أُفْلِح في ضمِّه، إما لضيق الوقت، أو خوفًا من التَّكرار، أو سهوًا عن حادثة، أو جهلاً بأخرى… وعذري أنني بشر، ومن طبيعة البشر النقصان… وما أجمل ما قاله الشافعي ~ - وأحب أن أختم به بحثي - وذلك عندما راجع كتابه الرسالة ثمانين مرة، ثم قال لتلميذه المزني في النهاية: “هيه… أبى الله أن يكون كتابًا صحيحًا غيرُ كتابه”.
وصلِّ اللهمَّ وسلِّمْ وبارك على المبعوث رحمة للعالمين…

المصدر: كتاب (أخلاق الحروب في السنة النبوية) للدكتور راغب السرجاني.

[/size][/center]