حروب معاصرة ضد المسلمين .. د/ راغب السرجاني

[CENTER][SIZE=“3”]

أولاً: مأساة الاحتلال الفرنسي للجزائر 1830 – 1962م:

احتلت فرنسا الجزائر سنة 1830م، وحاولت أن تغيّر من هوّية الشعب الجزائري، ولما لم يستجبِ الجزائريون للفَرْنَسَة، وإن كان قد قبلها اليهود الجزائريون، بطشت الحكومة الفرنسية بمسلمي الجزائر، وحاربت لغتهم العربية، كما حاربت الثقافة الإسلامية، حيث قامت بإغلاق المدارس الإسلامية والكتاتيب!!

وقد جاء في تقرير رسمي رفعته لجنة التحقيق الفرنسية إلى الملك شارل العاشر سنة 1249هـ / 1833م، ما نصه: "كيف يجوز لنا أن نشكو من مقاومة الجزائريين للاحتلال، في وقتٍ قامت فيه فرنسا بتهديم المساجد، وإلغاء القضاء الشرعي، والاستيلاء على أموال الأوقاف، وتعيين الإمام، والمفتي الموالين للإدارة الفرنسية؟!، لقد أهدرت السلطات الفرنسية حقوق الشعب وداست مقدساته، وسلبت حرياته، واعتدت على الملكية الفردية، ودنَّس جنودها المساجد، ونبشوا القبور، وأعدموا شيوخًا من الصالحين؛ لأنهم تجرءوا على الشفاعة لمواطنيهم !

كما عملت فرنسا على توطين الفرنسيين في الأراضي الجزائرية ليكونوا عيونًا لها في الأراضي المحتلة، فأعطتهم أفضل الأراضي وأكثرها خصوبة ليشعروا بأهمية ما قُدّم لهم فيكونوا مخلصين حكومتهم، كما عملوا على إفقار الجزائريين، ونشر المفاسد بينهم، وذلك بالإضافة إلى محاولاتهم المتكررة لإفساد المرأة المسلمة وخلعها من مجتمعها الإسلامي.

وابتكرت وسائل جديدة لقهرالمسلمين، فقامت بجمع المتمردين ووضعت حولهم الأسلاك الشائكة، ثم تركتهم في الصحراء حتى قضوا جميعًا، تركتهم يعانون الموت البطيء في العراء، كما شكلت فرنسا فرقة خاصة مهمتها اغتصاب النساء وقتل الأطفال كنوع مبتكر لأي قرية يشتبه في تمردها…

وأعلن قائد الغزو الفرنسي (روفيجور) عن رغبته في تحويل المساجد إلى كنائس، ثم قال: إنه يلزمه أجمل مسجد في المدينة ليجعل منه معبدًا للمسيح، واختار مسجد القشاوة وأمر على الفور بتحويله إلى كنيسة!! وفي الميعاد المحدد تقدمت إحدى فرق الجيش، وهاجمت المسجد بالفئوس والبلط، وإذا بداخل المسجد (4000 أربعة آلاف) مسلمٍ اعتصموا جميعًا خلف الأبواب دفاعًا عن المسجد، فاندفعت نحوهم القوة العسكرية فدحرتهم بالسناكي والحراب؛ فخرُّوا صرعى وجرحى تحت أرجل الجنود، وقد استمرت هذه المعركة طوال الليل!! ولما انتهى الجنود من هذا المسجد تحولوا إلى مسجد (القصبة) الغني بالذكريات عن الإسلام، ففعلوا به ما فعلوه بالمسجد السابق…!! ثم اصطف الضباط، والجنود بعد ذلك لإقامة قداس ابتهاجًا بهذا الفوز العظيم !!

ثم قامت الثورة الجزائرية في عام 1954م، أي بعد أكثر من مائة عام على الاحتلال!! وبمطلب وحيد وهو الحصول على الاستقلال، فماذا كان رد الفعل الفرنسي المتحضر؟!

لقد تمادت فرنسا في عنادها وشنت على الجزائر حرب إبادة كاملة وتدمير الشامل، وأخذت القوات الجوية الفرنسية في دك القرى الجزائرية، وأبيدت قرى بأكلمها، وكان الجيش الفرنسي ينتقم من الأهالي العزل ويثأر من الشيوخ والنساء والأطفال الذين صمموا على الحياة الأبية الحرة، فكم من قرية أحرقت ادعى الفرنسيون أنها كانت ملاذًا للمجاهدين، وكم من مسلم تعرض للتعذيب الوحشي بتهمة مساندة الثوار !!

ثانيًا: مأساة الشيشان:

لا توجد أية صلات تربط ما بين سكان منطقة القوقاز ومنهم الشيشان وبين الروس سواء من الناحية العرقية أو الدينية أو الثقافية، ولكنه الطمع وغرور القوة، حيث تعد منطقة القوقاز عمقًا استراتيجيًا واقتصاديًا لروسيا وطريقًا يوصلها إلى وسط أسيا ذات الموارد الاقتصادية الهائلة، ومن ثم اتخذت روسيا قرار غزو بلاد القوقاز !!

ومنذ بداية الاحتلال الروسي للشيشان والشعب الشيشاني المسلم يجاهد من أجل أن ينال حريته، ويكون الرد الروسي بمنتهى القسوة واستخدام أبشع الوسائل لقمع المسلمين، وتكرر هذا المشهد كثيرًا في عهد الإتحاد السوفيتي، وحتى بعد تفككه وسقوطه… ففي عهد الاتحاد الشيوعي السوفيتي تم نفي مئات الألوف من سكان الشيشان إلى كازاخستان وقيرغيزستان، بينما تعرض من بقي من الشيشان للكثير من البطش بإعدام الشيوخ والأئمة وإغلاق المساجد، واستمرت هذه السياسة التعسفية بتهجير أعداد كبيرة من مسلمي الشيشان إلى مناطق روسية، ونقل شعوب روسية إلى الشيشان بهدف إلغاء الهوية القوقازية عن طريق تذويب شعوب القوقاز المسلمة في الشعب الروسي، وأغلقت السلطات الروسية المساجد والمدارس الإسلامية، وصادرت الأوقاف الإسلامية ومنعت التعليم الديني في المدارس، ومُنع المسلمون من إقامة الشعائر الدينية…

وحتى بعد تفكك الاتحاد السوفيتي عانت الشيشان الكثير حتى حصلت على الاعتراف الروسي بحقها في تقرير مصيرها عام 1996م، لقد دفع الشعب الشيشاني 104.000 ضحية من أبنائه معظمهم من النساء والأطفال بعد تعرُّضِهِم لعمليات إبادة وحشية على يد الجيش الروسي المدجج بأحدث أنواع الأسلحة، ورغم هذا الاعتراف بالحق الشيشاني مازالت روسيا حتى الآن -2007م- تماطل وتفرض وصايتها على الحكومة الشيشانية!!

ثالثًا: مأساة المسلمين في تركستان الشرقية:

بدأ الاحتلال الصيني لتركستان الشرقية في عام 1949م، والسبب الرئيسي للاحتلال الصيني هو الطمع فيما تمتلكه تركستان الشرقية من ثروات طبيعية ضخمة، فهي تمتلك احتياطي نفطي ينافس احتياطي دول الشرق الأوسط، بالإضافة إلى رصيد ضخم من أجود أنواع اليورانيوم في العالم…

بدأت الصين احتلالها للبلاد بمذابح رهيبة، ثم عملت على استقدام مهاجرين صينيين بأعداد ضخمة في عملية احتلال استيطاني واسعة، وذلك للتقليل من عدد أهل البلاد المسلمين، ثم ألغى الصينيون الملكية الفردية، واسترقوا الشعب المسلم، وأعلنوا رسميًا أن الإسلام خارج على القانون ويعاقب كل من اعتنقه، وألغوا المؤسسات الدينية وهدموا أبنيتها، كما اتخذوا من المساجد أندية ومقاهي لجنود الاحتلال، وألغوا تدريس اللغة التركية والتاريخ الإسلامي من المدارس والمعاهد العليا واستبدلوها بتاريخ الصين واللغة الصينية وتعاليم ماوتسي تونج، وأصبح المسلمون مجبرين على التزاوج مع الصينيين والعامل المسلم مجبر على العمل 18 ساعة يوميًا في ظروف قاسية…

وقامت الصين بتقسيم تركستان الشرقية، وغيرت اسمه إلى إقليم سيكيانج، وعندما ثار الشعب التركستاني المسلم استخدمت الصين أبشع الوسائل لقمعه، ونكلت بالمعارضين وقتلتهم، حتى بلغ عدد القتلى من المعارضين المدنيين 100.000 مسلم، وذلك فقط فيما بين عامي 1949- 1953م، كما قامت الحكومة الصينية بقتل 75.000 آخرين في عام 1966م، ورغم كل هذا العناد والتجبر الصيني ما زال الشعب التركستاني المسلم يجاهد للحصول على حقه.

رابعًا: مأساة المسلمين في البلقان:

يُعد ما حدث للمسلمين في منطقة البلقان وما واجهوه من ظلم وقهر على يد الصرب النصارى علامة بارزة على الانحدار الخلقي الذي أصاب نصارى هذه المنطقة، بل وأوروبا بكاملها نظرًا لتغافلها وصمتها المريب إزاء ما تعرض له المسلمون في هذه المنطقة من حروب بهدف إبادتهم وطردهم من موطنهم الذي ولدوا ونشئوا فيه لا لشيء إلا لكونهم مسلمين.

إن صمت الدول الأوروبية حيال سلسلة الجرائم التي تعرض لها المسلمين في هذه المنطقة إنما هي وصمة وسقطة أخلاقية كشفت عن النظرة العنصرية البغيضة المتأصلة في نفوسهم، وفضحت زيف ما تتشدق به الحضارة الغربية عن العدالة والمساواة وحقوق الإنسان، إنما هي مجرد شعارات جوفاء لا وجود لها على أرض الواقع…

لقد بدأت معاناة المسلمين في منطقة البلقان منذ عام 1913م عندما بدأت سيطرة الصرب على هذه المنطقة، وهو الوقت الذي شهد نهايات الخلافة العثمانية وتراجع قوتها، وصار المسلمون غرباء في وطنهم وأصبح الصرب هم أصحاب الديار، وكان الصرب يحلمون بصربنة المنطقة كلها، وتحويل سكانها إلى الديانة النصرانية بالقوة، وفي سبيل تحقيق هذا الحلم لاقى المسلمون الأهوال على أيدي الصرب، ففي عام 1945م قام الصرب بذبح 47.000 مسلم من سكان إقليم كوسوفا، ثم قام الزعيم اليوجوسلافي الشهير تيتو في عام 1946م بإبادة 24.000 مسلم، كما ألغت الدولة الشيوعية المحاكم الشرعية، ومنعت الحجاب، مما دفع أربعة ملايين مسلم للهجرة والفرار بدينهم…

ثم قام الصرب عام 1992م بسلسلة من المذابح للمسلمين في مدينتي البوسنة والهرسك، مما أسفر عن عشرات الآلاف من القتلى، وإمعانًا في القهر شرع الجنود الصرب في اغتصاب نساء المسلمين، وقد قدَّرت الأمم المتحدة عدد ضحايا هذه الجريمة بأنهم مابين 20.000 إلى 50.000 امرأة، وقد اعترفت حكومة جمهورية صرب البوسنة أخيرًا في شهر يونيو 2004م بارتكاب أحد أبشع هذه المجازر، وهي مجزرة سربرينتشا – والتي حدثت في عام 1995 - وراح ضحيتها ثمانية آلاف مسلم تم إعدامهم دفعة واحدة !!

وليست سربرينتشا إلا مثال من أمثلة كثيرة، ويكفي أن نشير إلى أنه قد تم اكتشاف ثلاثمائة مقبرة جماعية مليئة بجثث المسلمين المشوهة !!

خامسًا: مأساة المسلمين في فلسطين:

لاقى الفلسطينيون على أيدي المحتلين اليهود العديد من المجازر البشعة بهدف التطهير العرقي، وإفراغ أرض فلسطين من سكانها الأصليين، واستبدالهم باليهود الذين يتم استقدامهم من شتى أنحاء العالم، وفي سبيل تحقيق هذا الهدف العنصري قام اليهود باستخدام أبشع الوسائل وأكثرها قسوة لإرهاب الشعب الفلسطيني ودفعه للهرب، ولعل القاسم المشترك الواضح في كل الاعتداءات الصهيونية هو التحلل من أي وازع ديني أو أخلاقي أو إنساني…

في عام 1948م أقدم اليهود على جريمة أخلاقية بشعة، لقد اقتحموا قرية دير ياسين الفلسطينية، وقاموا بقتل ما لا يقل عن 25 امرأة حامل، وأكثر من 52 طفلاً دون سن العاشرة، بالإضافة إلى تدمير مدرسة أطفال القرية بالكامل وقتل معلمتهم، وقد خلفت هذه المجزرة أكثر من 250 شهيدًا، كما قام اليهود بجمع من بقي من النساء على قيد الحياة، وجردوهن من ملابسهن ثم قاموا بالطواف بهن في شوارع الأحياء اليهودية بمدينة القدس !!

وفي عام 1982م قامت القوات الإسرائيلية بقيادة (آرييل شارون) الذي عُيَّن رئيس وزراء لإسرائيل لاحقًا، بحصار مخيمي (صبرا وشاتيلا) في جنوب لبنان للاجئين الفلسطينيين، ثم قاموا بعملية بشعة من عمليات التصفية الجسدية الجماعية للمدنيين الفلسطينيين راح ضحيتها ما بين 3000 - 3500 مدني من النساء والشيوخ والأطفال، كل هذه الضحايا تم إبادتها بالأسلحة البيضاء، وفي خلال 36 ساعة فقط !!

وفي عام 1994م قام عدد من المستوطنين اليهود باقتحام الحرم الإبراهيمي أثناء صلاة الفجر، وهم يحملون الأسلحة الرشاشة والقنابل اليدوية، وقاموا بإطلاق النار على المسلمين المصلين، وقد خلفت هذه المذبحة 350 ضحية، ما بين شهيد وجريح، وقد قاموا بهذا الفعل الأثيم تحت حماية القوات الإسرائيلية التي حاصرت المسجد لتمنع النجدة عن المصلين داخل المسجد !!

وتلك كانت مجرد أمثلة مما يتعرض له الشعب الفلسطيني منذ الاحتلال وحتى الآن!!

المصدر: كتاب (أخلاق الحروب في السنة النبوية) للدكتور راغب السرجاني.

[/size][/center]