[CENTER][SIZE=“3”]
شهادة هرقل لرسول الله
روى عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- أن أبا سفيان بن حرب قد أخبره "أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش، وكانوا تجارا بالشام في المدة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ماد فيها أبا سفيان وكفار قريش، فأتوه وهم بإيلياء، فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم ودعا بترجمانه، فقال: "أيكم أقرب نسبًا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقال أبو سفيان: فقلت: أنا أقربهم نسبًا. فقال: أدنوه مني، وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره.
ثم قال لترجمانه: قل لهم: إني سائل عن هذا الرجل، فإن كذبني فكذبوه. فوالله! لولا الحياء من أن يأثروا علي كذبًا لكذبت عنه، ثم كان أول ما سألني عنه أن قال: كيف نسبه فيكم؟ قلت: هو فينا ذو نسب. قال: فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ قلت: لا. قال: فهل كان من آبائه من ملك؟ قلت: لا.
قال: فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم. قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون. قال: فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت: لا.
قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا. قال: فهل يغدر؟ قلت: لا، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها. قال: ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه الكلمة.
قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم. قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت: الحرب بيننا وبينه سجال؛ ينال منا وننال منه. قال: ماذا يأمركم؟ قلت: يقول: اعبدوا الله وحده، ولا تشركوا به شيئًا، واتركوا ما يقول آباؤكم. ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة.
فقال للترجمان: قل له: سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب، فكذلك الرسل تبعث في نسب من قومها، وسألتك: هل قال أحد منكم هذا القول؟ فذكرت أن لا، فقلت: لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت: رجل يتأسى بقول قيل قبله، وسألتك: هل كان من آبائه من ملك؟ فذكرت أن لا، قلت: فلو كان من آبائه من ملك قلت: رجل يطلب ملك أبيه.
وسألتك: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فذكرت أن لا؛ فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله. وسألتك: أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه، وهم أتباع الرسل، وسألتك: أيزيدون أم ينقصون؟ فذكرت أنهم يزيدون، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم. وسألتك: أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب.
وسألتك: هل يغدر؟ فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر، وسألتك: بما يأمركم؟ فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف، فإن كان ما تقول حقًّا فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج لم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه …" .
شهادة ورقة بن نوفل لرسول الله
عندما جاء الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم انطلقت به خديجة -رضي الله عنها- حتى أتت ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة، وكان امرأ قد تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عمي.
فقالت له خديجة: يابن عم، اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة: يابن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبر ما رأى.
فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعًا(1)، ليتني أكون حيًّا إذ يخرجك قومك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أو مخرجيّ هم؟» قال: نعم؛ لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا
شهادة بحيرا الراهب لرسول الله
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب للتجارة في الشام، فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام، وبها راهب يقال له: بحيرا في صومعة له، وكان إليه علم أهل النصرانية، ولم يزل في تلك الصومعة قط راهب إليه يصير علمهم عن كتاب فيها، فيما يزعمون، يتوارثونه كابرًا عن كابر، فلما نزلوا ذلك العام ببحيرا، وكانوا كثيرًا ما يمرون به قبل ذلك، فلا يكلمهم، ولا يعرض لهم، حتى كان ذلك العام، فلما نزلوا به قريبًا من صومعته صنع لهم طعامًا كثيرًا، وذلك فيما يزعمون عن شيء رآه في صومعته، يزعمون أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في صومعته في الركب حين أقبلوا، وغمامة تظله من بين القوم، ثم أقبلوا فنزلوا في ظل شجرة قريبا منه، فنظر إلى الغمامة حين أظلت الشجرة، وتهصرت أغصان الشجرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استظل تحتها.
فلما رأى ذلك بحيرا نزل من صومعته، وقد أمر بذلك الطعام فصنع، ثم أرسل إليهم، فقال: إنّي قد صنعت لكم طعامًا يا معشر قريش، فأنا أحب أن تحضروا كلكم؛ صغيركم وكبيركم، وعبدكم وحركم. فقال له رجل منهم: والله يا بحيرا، إن لك لشأنًا اليوم ما كنت تصنع هذا بنا، وقد كنّا نمر بك كثيرًا، فما شأنك اليوم؟ قال له بحيرا: صدقت، قد كان ما تقول، ولكنكم ضيف، وقد أحببت أن أكرمكم، وأصنع لكم طعامًا، فتأكلوا منه كلكم.
فاجتمعوا إليه وتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين القوم لحداثة سنة في رحال القوم تحت الشجرة، فلما نظر بحيرا في القوم لم ير الصفة التي يعرف ويجد عنده، فقال: يا معشر قريش، لا يتخلفن أحد منكم عن طعامي. قالوا له: يا بحيرا، ما تخلف عنك أحد، ينبغي له أن يأتيك إلا غلام، وهو أحدث القوم سنّا، فتخلف في رحالهم، فقال: لا تفعلوا، ادعوه فليحضر هذا الطعام معكم.
قال: فقال رجل من قريش مع القوم: واللات والعزى، إن كان للؤم بنا أن يتخلف ابن عبد الله بن عبد المطلب عن طعام من بيننا. ثم قام إليه فاحتضنه وأجلسه مع القوم.
فلما رآه بحيرا جعل يلحظه لحظًا شديدًا، وينظر إلى أشياء من جسده قد كان يجدها عنده من صفته، حتى إذا فرغ القوم من طعامهم وتفرقوا، قام إليه بحيرا فقال: يا غلام، أسألك بحق اللات والعزى إلا أخبرتني عما أسألك عنه. وإنّما قال له بحيرا ذلك لأنه سمع قومه يحلفون بهما، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا تسلني باللات والعزى شيًئا، فوالله ما أبغضت شيئا قط بغضهما”. فقال له بحيرا: فبالله إلا أخبرتني عما أسألك عنه. فقال له: “سلني عما بدا لك”. فجعل يسأله عن أشياء من حاله من نومه وهيئته وأموره، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره، فيوافق ذلك ما عند بحيرا من صفته، ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده.
فلما فرغ أقبل على عمه أبي طالب فقال له: هل هذا الغلام منك؟ قال: ابني. قال له بحيرا: ما هو بابنك، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حًّيا. قال: فإنه ابن أخي. قال: فما فعل أبوه؟ قال: مات، وأمه حبلى به. قال: صدقت، فارجع بابن أخيك إلى بلده، واحذر عليه يهود، فوالله! لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغنّه شرًّا، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم، فأسرع به إلى بلاده
شهادة حيي بن أخطب لرسول الله
تروي أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب زعيم يهود بني قريظة فتقول: "كنت أحب ولد أبي إليه، وإلى عمي أبي ياسر، لم ألقهما قط مع ولد لهما إلا أخذاني دونه، قالت: فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، ونزل قباء في بني عمرو بن عوف، غدا عليه أبي حيي بن أخطب، وعمي أبو ياسر بن أخطب، مغلسين.
قالت: فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس. قالت: فأتيا كالّين كسلانين ساقطين يمشيان الهوينى. قالت: فهششت إليهما كما كنت أصنع، فوالله ما التفت إليّ واحد منهما، مع ما بهما من الغم. قالت: وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي حيي بن أخطب: أهو هو؟ قال: نعم والله!
قال: أتعرفه وتثبته؟ قال: نعم. قال: فما في نفسك منه؟ قال: عداوته والله ما بقيت"
شهادة جماعة من المشركين في رسول الله
عن سلمان الفارسي –رضي الله عنه- قال: قال له المشركون: إنا نرى صاحبكم يعلمكم حتى يعلمكم الخراءة. قال: أجل، إنه ينهانا أن يستنجي أحدنا بيمينه أو يستقبل القبلة، وينهانا عن الروث والعظام، وقال: “لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار” .
كان هذا طرفا من أقوال المشركين، الذين لم يتبعوا محمدا - صلى الله عليه وسلم - … فهي حجة عليهم، ودليل لمن بعدهم؛ يثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لم يكن موضع تهمة، ولا له سابقة كذب، وبهذا شهدوا، وإن لم يتبعوه.
شهادة عبد الله بن سلام لرسول الله
بلغ عبد الله بن سلام مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فأتاه فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبيّ، قال: ما أوّل أشراط الساعة؟ وما أوّل طعام يأكله أهل الجنة؟ ومن أي شيء ينزع الولد إلى أبيه؟ ومن أي شيء ينزع إلى أخواله؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خبرني بهن آنفًا جبريل». قال: فقال عبد الله: ذاك عدو اليهود من الملائكة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما أوّل أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وأما أوّل طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت، وأما الشبه في الولد فإن الرجل إذا غشي المرأة فسبقها ماؤه كان الشبه له، وإذا سبق ماؤها كان الشبه لها».
قال: أشهد أنّك رسول الله. ثم قال: يا رسول الله، إنّ اليهود قوم بُهْت إن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم بهتوني عندك، فجاءت اليهود ودخل عبد الله البيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أي رجل فيكم عبد الله بن سلام؟» قالوا: أعلمنا وابن أعلمنا، وأخبرنا وابن أخيرنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفرأيتم إن أسلم عبد الله؟» قالوا: أعاذه الله من ذلك.
فخرج عبد الله إليهم، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنّ محمدًا رسول الله. فقالوا: شرنا وابن شرنا. ووقعوا فيه
المصدر: كتاب (وشهد شاهد من أهلها) للدكتور راغب السرجاني.
[/size][/center]