أول من تُسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة، عالمٌ وقارئٌ للقرآن، أُتي به )

[CENTER][FONT=Comic Sans MS]

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :

عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن أول الناس يقضى عليه يوم القيامة رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال قاتلت فيك حتى استشهدت قال كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جرئ فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتى به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن قال كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأتى به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك قال كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار " وفي الترمذي في هذا الحديث : ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي فقال : " يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة " قال ابن عبدالبر : وهذا الحديث فيمن لم يرد بعمله وعلمه وجه الله تعالى وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من طلب العلم لغير الله أو أردا به غير الله فليتبوأ مقعده من النار " وخرج ابن المبارك في رقائقه عن العباس بن عبدالمطلب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يظهر هذا الدين حتى يجاوز البحار وحتى تخاض البحار بالخيل في سبيل الله تبارك وتعالى ثم يأتي بأقوام يقرءون القرآن فإذا قرءوه قالوا من أقرأ منا من أعلم منا " ثم التفت إلى أصحابه فقال : " هل ترون في أولئكم من خير " قالوا : لا قال : " أولئك منكم وأولئك من هذه الأمة وأولئك هم وقود النار " وروى أبو داود والترمذي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة " يعني ريحها ، قال الترمذي : حديث حسن .

فيجب على حامل القرآن وطالب العلم أن يتقي الله في نفسه ويخلص العلم لله فإن كان تقدم له شئ مما يكره فليبادر التوبة والإنابة وليبتدئ الإخلاص في الطلب وعمله فالذي يلزم حامل القرآن من التحفظ أكثر مما يلزم غيره كما أن له من الأجر ما ليس لغيره ، روى الترمذي عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنزل الله في بعض الكتب أو أوحى إلى بعض الأنبياء قل للذين يتفقهون لغير الدين ويتعلمون لغير العمل ويطلبون الدينا بعمل الآخرة يلبسون للناس مسوك الكباش وقلوبهم كقلوب الذئاب ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر إياي يخادعون وبي يستهزئون لأتيحن لهم فتنة تذر الحليم فيهم حيران " .

ومما جاء في الأثر : " لا تخادع الله فإنه من يخادع الله يخدعه الله ونفسه يخدع لو يشعر " قالوا : يا رسول الله وكيف يخادع الله قال : " تعمل بما أمر الله به وتطلب به غيره واتقوا الرياء فإنه الشرك وإن المرائي يدعى يوم القيامة على رؤوس الأشهاد بأربعة أسماء ينسب إليها يا كافر يا خاسر يا غادر يا فاجر ضل عملك وبطل أجرك " فلا خلاق لك اليوم فالتمس أجرك ممن كنت تعمل له يا مخادع .

وروى علقمة عن عبدالله بن مسعود قال : كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يرو فيها الصغير ويهرم الكبير وتتخذ سنة مبتدعة يجرى عليها الناس إذا غير منها شئ ، قيل : قد غيرت السنة قيل : متى ذلك يا أبا عبدالرحمن ، قال : إذا كثر قراؤكم وقل فقهاؤكم وكثر أمراؤكم وقل أمناؤكم والتمست الدنيا بعمل الآخرة وتفقه لغير الدين . وقال سفيان بن عيينة : بلغنا عن ابن عباس أنه قال : لو أن حملة القرآن أخذوه بحقه وما ينبغي لأحبهم الله ولكن طلبوا به الدنيا فأبغضهم الله وهانوا على الناس . وروى عن أبي جعفر محمد بن علي في قول الله تعالى { فكبكبوا فيها هم والغاوون } قال : قوم وصفوا الحق والعدل بألستنتهم وخالفوه إلى غيره .

وأما ما ينبغي لصاحب القرآن أن يأخذ نفسه به ولا يغفل عنه فأول ذلك أن يخلص في طلبه لله كما ذكرنا وأن يأخذ نفسه بقراءة القرآن في ليله ونهاره في الصلاة أو في غير الصلاة لئلا ينساه روى مسلم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة إن عاهد عليها أمسكها وإن أطلقها ذهبت " وإذا قام صاب القرآن فقرأه بالليل والنهار ذكره وإذا لم يقم به نسيه وينبغي له أن يكون لله حامداً ولنعمه شاكراً وله ذاكراً وعليه متوكلاً وبه مستعينا وإليه راغباً وبه معتصماً وللموت ذاكراً وله مستعداً وينبغي له أن يكون خائفاً من ذنبه راجياً عفو ربه ويكون الخوف في صحته أغلب عليه إذ لا يعلم بم يختم له ويكون الرجاء عند حضور أجله أقوى في نفسه لحسن الظن بالله وينبغي له أن يكون عالماً بأهل زمانه متحفظاً من سلطانه ساعياً في خلاص نفسه ونجاة مهجته مقدماً يبن يديه ما يقدر عليه من عرض دنياه مجاهداً لنفسه في ذلك ما استطاع وينبغي له أن يكون أهم أموره عنده الورع في دينه واستعمال تقوى الله ومراقبته فيما أمره به ونهاه عنه .

قال ابن مسعود : ينبغي لقارئ القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون وبنهاره إذا الناس مستيقضون وببكائه إذا الناس يضحكون وبصمته إذا الناس يخوضون وبخضوعه إذا الناس يختالون وبحزنه إذا الناس يفرحون . وقال عبدالله بن عمرو : لا ينبغي لحامل القرآن أن يخوض مع من يخوض ولا يجهل مع من يجهل ولكن يعفو ويصفح لحق القرآن لأن في جوفه كلام الله تعالى ويبنغي له أن يأخذ نفسه بالتصاون عن طريق الشبهات ويقل الضحك والكلام في مجالس القرآن وغيرها بما لا فائدة فيه ويأخذ نفسه بالحلم والوقار وينبغي له أن يتواضع للفقراء ويتجنب التكبر والإعجاب ويتجافى عن الدنيا وأبنائها إن خاف على نفسه الفتنة ويترك الجدال والمراء ويأخذ نفسه بالرفق والأدب وينبغي له أن يتعلم أحكام القرآن فيفهم عن الله مراده وما فرض عليه فينتفع بما يقرأ ويعمل بما يتلو فما أقبح لحامل القرآن أن يتلو فرائضه وأحكامه عن ظهر قلب وهو لا يفهم ما يتلو فكيف يعمل بما لا يفهم معناه وما أقبح أن يسأل عن فقه ما يتلو ولا يدريه فما مثل من هذه حالته إلا كمثل الحمار يحمل أسفاراً .

[/font][/center]

تسلم