التأمل في خلق الأرض

[B][SIZE=4]

التأمل في خلق الأرض [/size].[/b]

            [CENTER][CENTER][CENTER] [FONT=Book Antiqua][COLOR=Red][B][SIZE=5]التأمل في خلق الأرض[/size][/b][/color][/font][FONT=Book Antiqua]

[/font]


الشيخ د. عبد الرزاق بن عبدالمحسن البدر



إنَّ من آيات الله العظيمة هذه الأرض التي نمشي في مناكبها ونسير في فجاجها ونعيش على ظهرها ، فإنَّ فيها من الآيات العظيمة والدلالات الكريمة على كمال قدرة خالقها وتمام حكمة مبدعها ، ولذا فقد أكثر الله من ذكرها في القرآن ودعا عباده إلى النظر إليها والتفكر في خلقها والتأمل في آياتها وعجائبها ليزداد بذلك إيمانهم ويقوى يقينهم .


يقول الله تعالى : {وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ} [الذاريات:48] ، ويقول تعالى : {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا} [النبأ:6] ، ويقول سبحانه : {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا} [البقرة:22] ويقول : {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ } [الغاشية:17-20] ، ويقول سبحانه : {إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الجاثية:3] ، وقال تعالى : {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ} [الذاريات:20] والآيات في هذا المعنى كثيرة .


ومن يتأمل الأرض وكيف خُلقت يجدها من أعظم آيات فاطرها وبديعها ، خلقها سبحانه فراشاً ومهاداً ، وذللها لعباده وجعل فيها أرزاقهم وأقواتهم ومعايشهم ، وجعل فيها السبل لينتقلوا فيها في حوائجهم وتصرفاتهم : {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك:15] .


ثم إنه سبحانه أرساها بالجبال فجعلها أوتاداً لها تحفظها لئلا تميد بهم ، فأحكم جوانبها بالجبال الراسيات الشوامخ الصُّم الصلاب ، قال تعالى : {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} [النبأ6-7] ، وقال تعالى : {وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} [النازعات:32] ، وقال تعالى : {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل:15]


ثم إنه سبحانه وسَّع أكناف الأرض ودحاها فمدَّها وبسطها وطحاها فوسَّعها من جوانبها ، ولولا ذلك لضاقت عن مساكن الإنس والحيوان وعن مزارعهم ومراعيهم ومنابت ثمارهم ، قال تعالى : {أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [سبأ:9] ، وقال تعالى : {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} [ق:7-8] .


ثم إنه سبحانه جعلها كفاتاً للأحياء والأموات ، قال تعالى : {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا} [المرسلات:25-26] ، فهي تضمُّهم على ظهرها ما داموا أحياء ، ثم تضمهم في بطنها إذا ماتوا ، فظهرها وطن للأحياء، وبطنها وطن للأموات .


ثم إنه سبحانه ميَّز بين قطعها وفضَّل بعضها على بعض بالزروع المختلفة والنباتات المتنوعة : {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الرعد:4] .


ومن آيات الله العظيمة أنك ترى القطعة من الأرض هامدة خاشعة لا زرع فيها ولا نبات فإذا أنزل عليها الكريم الرحمن الماء اهتزت وتحركت ، وربت فارتفعت ، واخضرَّت وأنبتت من كل زوج بهيج في المنظر والمخبر : {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [الحج:5-7] .


ومن آيات الله العجيبة البحار المكتنفة لأقطار الأرض التي هي خلجان من البحر الأعظم المحيط بجميع الأرض ، حتى إنَّ المكشوف من الأرض والجبال والمدن بالنسبة إلى الماء كجزيرة صغيرة في بحر عظيم ، وبقية الأرض مغمورة بالماء . ولولا إمساك الرب تبارك وتعالى له بقدرته ومشيئته وحبسُه الماء لطفح على الأرض وعلاها كلها ، ولنا في التاريخ في هذا الباب عبرة ، يقول تعالى : {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ * لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} [الحاقة:11-12] .


ثم إنه من لطف الله سبحانه بعباده في خلق الأرض أن جعلها واقفة ساكنة لتكون مهاداً ومستقراً للحيوان والنبات والأمتعة ، ويتمكن الناس والحيوان من السعي عليها في مآربهم والجلوس لراحتهم والنوم لهدوئهم من أعمالهم ، ولو كانت رجراجة منكفئة لم يستطيعوا على ظهرها قرارا ولا هدوءً ، ولم يثبت عليها بناء ، ولا أمكنهم عليها صناعة ولا تجارة ولا حراثة ولا مصلحة ، وكيف يهنئون بالعيش والأرض ترتج من تحتهم وتهتزُّ أسفل منهم ؟؟!!


وخذ العبرة من ذلك بما يصيب الناس في بعض الأحيان من الزلازل على قلة مكثها ، كيف تصيِّرهم إلى ترك منازلهم والهرب من أوطانهم ، بل إنها إذا اشتدت دمَّرت المساكن وأهلكت الناس ، وقد نبَّه الله تعالى على ذلك بقوله : { وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} ، وقوله : {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا} [غافر:64] أي واقفة ساكنة غير متحركة أو رجراجة .


ولهذا فإنَّ الله سبحانه قد يخوِّف عباده بأن يحدِث فيها الزلازل العظام ، فيحدُث من ذلك للعباد الخوف والخشية والإنابة والإقبال على الله ، يقول الله تعالى : {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء:59] . قال بعض السلف -وقد زلزلت الأرض- : “إنَّ الله يستعتبكم” .


واعلموا أن الله خلق الإنسان ذلكم المخلوق العجيب وأخرجه من الأرض وأنبته منها : {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا} [نوح:17-18] .


ثم إنه استخلف هذا الإنسان في الأرض وسخرها له لينظر كيف يعمل ؟ قال سبحانه : {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} [الإسراء:15] ، وقال عز وجل : {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا} [فاطر:39] .


وميَّز سبحانه بين الذين آمنوا وعملوا الصالحات والمفسدين في الأرض ، فأعدَّ للمؤمنين الأجور العظيمة والعطايا الكريمة ، وأعدَّ للمفسدين العذاب الأليم : {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص:28] .


والواجب على كل إنسان أن ينظر إلى حاله ونفسه فوق أرض الله ماذا يعمل ؟ وماذا أعدَّ للقاء رب الأرض ورب السماوات ورب الخلق أجمعين ؟ والكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني .


نسأل الله الكريم أن يحفظنا وإياكم من القلاقل والفتن والزلازل والمحن ما ظهر منها وما بطن ، وأن يمنَّ علينا جميعاً برضاه ، وأن يوفقنا لهداه ، وأن يغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ، إنه هو الغفور الرحيم .
[/center]
[/center]
[/center]