نرى عيوب غيرنا ونهمل عيوبنا

[FONT=“Comic Sans MS”][COLOR=“DarkOrchid”][CENTER][SIZE=“5”]كان الخباز يشكّ في الفلاح الذي يزوّده بالزبد الذي يستعمله في مخبوزاته؛ فأخذ يراقب الوزن يوماً بعد يوم، إلى أن تأكّد من شكوكه؛ فأبلغ عنه الشرطة التي اقتادتهما إلى القاضي.

وقف الخباز وحكى كيف ساوَرَه الشك، ثم أحضر الزبد إلى القاضي الذي أمر بإحضار ميزان يَزِن به قطعة الزبد، والتي تأكّد أنها أقل من الوزن الذي اشتراه الخباز.

وعندما وقف الفلاح أمام القاضي، قال له: “سيدي لست أنا اللص، وإنما هذا الخباز المخادع… إنني ببساطة ليس لدي ميزان أزِن به الزبد؛ لذلك كنت أستخدم خمسة أرغفة من التي يخبزها هذا الرجل، والتي يجب -حسب القوانين- أن تزن رطلاً كاملاً، أضعها في ناحية والزبد في الناحية الأخرى، ولأن الخباز لم يكن أميناً في وزن الخبز؛ فبالتالي وَصَلَه من الزبد أقل من الوزن المطلوب، ولو كان السجن مفتوح الباب؛ فيجب أن يكون من أجل هذا اللص المخادع وليس من أجلي”.

عن عدم الإنصاف يا أصدقائي نتحدث هذه المرة… عن النظر بعين واحدة، والرؤية باتجاه واحد، وإضاءة مصابيح النقد على الآخر، مع إبقاء الداخل مُظلماً، وكأن الخير كله يسكن داخلنا فقط.

كم كان عبقرياً كعادته نبينا صلى الله عليه وسلم، وهو يحذّرنا في حديثه الشريف “يُبْصِر أحدثكم القَذَى (التراب أو الشيء البسيط) في عين أخيه، ويَعْمَى عن الجِذْع (قطعة خشب كبيرة وواضحة) في عينه”…

ينهانا عليه الصلاة والسلام، من أن نرى عيوب الآخرين بعدسة مكبّرة، تُعظّم الخلل الصغير؛ لكنها في الوقت ذاته غير قادرة على رؤية عيوبها وإبصار خلل يسكنها.

يهيب بالمرء منا أن يتحول إلى قاذفة اتهامات، تُطلق نيرانها هنا وهناك؛ فتصيب وتدمي وتدمّر؛ على الرغم من كونها مليئة بكل عيب ومنقصة وسوء.

لدى كثير من البشر ميل عجيب لتوجيه أصابع الاتهام إلى الآخرين، وجَلْدهم، وإظهارهم كأسوأ ما يكون… وفي كل صور الحياة نبصر هذا:

في البيت، لا يرى الزوج تقصيره، ولا يتوقف أمام إهماله لبيته وأسرته، ولا بتهاونه أمام قضاياه الزوجية… هو فقط يرى البيت غير المرتب، والطعام الذي لم ينضج بعد، والجوارب التي ليست في موضعها.

الزوجة لا تنظر إلى إهمال زينتها، وتوديع أنوثتها، وانغماسها في دور الأم، ونسيان دور الزوجة العاشقة، وتكيل الاهتمام للزوج غير العابئ بها، المهمل لواجباته.

الصديق الذي يحاكم صديقه على تقصيره وهو الذي بدأ الجفاء.
المدير الذي يهاجم موظفيه، وهو الذي وضع الخطوط العريضة لأدائهم الهزيل.

وكلما اتسعت رؤيتك في الحياة وجدت هذا الخلل حاصلاً ظاهراً للعيان.
نحن يا أصدقائي لدينا “أزمة إنصاف”، جعلَت كل واحد منا ينظر لذاته نظرة مقدسة، ويعطي لآرائه صفة النزاهة، ولكلامه صكّ المصداقية، ولسلوكه العصمة… يُنَصّب نفسه قاضياً، يسجن من يريد في صفّه، ويُسقط من يشاء من خانة المُصيبين.
كل واحد منا يمسك حَجَره ويأتي سعيداً مُتَشَفّياً، ليرجم من أخطأ؛ على الرغم من أن أخطاءه هو، لا يعُدّها عادّ، ويعجز عن إحصائها محصٍ، ولا يكفي لتكفيرها أن يُرجم بألف حَجَر.

في هذا الزمن نحن أحوج ما نكون إلى مرآة تكشف لنا ما نحاول إخفاءه، وتفضح صورنا الحقيقية، وتخبرنا -كما في قصة الخباز وبائع الزبد- أن مَرَدّ خطايانا وعيوبنا سيعود إلينا، قد يعود في رغيف غير مكتمل الوزن، وقد يعود في كارثة نحن بدأناها، ونسجنا خيوطها الأولى.

أحترامي …
[/size][/center][/color][/font]