لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ

[SIZE=5][COLOR=Blue][FONT=Microsoft Sans Serif]
يقول تعالى حاكماً بتكفير فرق النصارى ممن قال منهم بأن المسيح هو اللّه، - تعالى اللّه عن قولهم وتنزه وتقدس علواً كبيراً - هذا وقد تقدم لهم أن المسيح عبد اللّه ورسوله، وكان أول كلمة نطق بها وهو صغير في المهد أن قال { إني عبد اللّه} ، ولم يقل إني أنا اللّه ولا ابن اللّه، بل قال: { إني عبد الّله آتاني الكتاب وجعلني نبياً} ، وكذلك قال لهم في حال كهولته ونبوته آمراً لهم بعبادة اللّه ربه وربهم وحده لا شريك له، ولهذا قال تعالى: { وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا اللّه ربي وربكم إنه من يشرك باللّه} أي فيعبد معه غيره { فقد حرم اللّه عليه الجنة ومأواه النار} أي فقد أوجب له النار وحرم عليه الجنة، كما قال تعالى: { إن اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} وفي الصحيح أن النبي صلى اللّه عليه وسلم بعث منادياً ينادي في الناس: (إن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة) وفي لفظ (مؤمنة) ولهذا قال تعالى: { وما للظالمين من أنصار} أي وماله عند اللّه ناصر ولا معين ولا منقذ مما هو فيه. وقوله: { لقد كفر الذين قالوا إن اللّه ثالث ثلاثة} الصحيح أنها أنزلت في النصارى خاصة قاله مجاهد وغير واحد، ثم اختلفوا في ذلك، فقيل: المراد بذلك كفارهم في قولهم بالأقانيم الثلاثة، وهو أقنوم الأب، وأقنوم الأبن، وأقنوم الكلمة المنبثقة من الأب إلى الإبن، تعالى اللّه عن قولهم علواً كبيراً.
إلهي، وخالقي، ما أوسعَ رحمتَك.

سياقٌ بديع ولا أروع ، في سورة المائدة؛ فتأمَّل.

الآيات الثانية والسبعون، والثالثة والسبعون، والرابعة والسبعون، وكأنك تقرأها للمرة الأولى في حياتك!

الآية [72]؛ يقول الله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ}.

ثم يُتبعها ربنا بالآية [73] فيقول: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ}.

ثم تأتي الآية [74] في سياقٍ بديع؛ تعجز الأقلام عن وصفه، والمِداد عن رسْمه: {أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

فانظر!

كيف آثروا الكفرَ على الإيمان؟! ونسبُوا له الصاحبةَ والولدان؟!

ثم هو يَدعوهم ويُقرِّبهم: {أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة:74].

فلا تيأسنَّ لعصيانك، ولا تقنطنَّ لخِذلانك.

فرحمتُه سبقَت غضبَه، وعفوُه سبقَ مؤاخذَته.

كتبَ على عرشه: «إنَّ رحمتي سبقَت غضبي» (صحيح البخاري؛ برقم:7554).
وقد حكى الشيخ أبو الحسن الأشعري رحمه اللّه الإجماع على ذلك، وقوله تعالى: { كانا يأكلان الطعام} أي يحتاجان إلى التغذية به وإلى خروجه منهما، فهما عبدان كسائر الناس، وليسا بإلهين كما زعمت فرق النصارى الجهلة عليهم لعائن اللّه المتتابعة إلى يوم القيامة، ثم قال تعالى: { انظر كيف نبين لهم الآيات} أي نوضحها ونظهرها، { ثم انظر أنّى يؤفكون} أي ثم انظر بعد هذا البيان والوضوح والجلاء أين يذهبون، وبأي قول يتمسكون، وإلى أي مذهب من الضلال يذهبون؟.
أجاز الكسائي الخفض على البدل. قوله تعالى { وإن لم ينتهوا} أي يكفوا عن القول بالتثليث ليمسنهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة. { أفلا يتوبون} تقرير وتوبيخ. أي فليتوبوا إليه وليسألوه ستر ذنوبهم؛ والمراد الكفرة منهم. وإنما خص الكفرة بالذكر لأنهم القائلون بذلك دون المؤمنين.

ولله دَرُّ القائل:

[COLOR=Green]لمَ لا يُرجَى العفوُ من ربِّنا .:. وكيف لا يُطمعُ في حِلمِهِ

وفي الصحيحينِ أتى إنَّه .:. بعبدِه أرحمُ من أمِّهِ[/color]

فأقبِلْ عليه يُقبل عليك، وادْنُ واقترب ولا تخَف، إنك من الآمنين.
[/font][/color][/size]

جزاك الله كل الخير