كفى بالموت واعظًا

[SIZE=5][COLOR=Blue][FONT=Microsoft Sans Serif]كفى بالموت واعظًا.

والله لو كان الأمرُ سينتهي بالموت لكان هَيِّنًا سَهْلاً، لكنَّه مع شدته وهوله أهون مما يليه، والقبر مع ظلمته أهون مما يليه، كل ذلك هيِّن إذا قُورِن بالوُقُوف بين يدي الله الكبير المتعال، تلفَّتَ المرءُ يمينًا فلمْ يرَ إلاَّ ما قدَّم، وشمالاً فلمْ يرَ إلا ما قدَّم، ونظر تلقاء وجْهِه، فلَم يَرَ إلا النار، فيا له من موقف! ويا لها من خطوب! تذهل المرضعة عما أرضعت، وتضَعُ كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد، يبلغ العرق أن يلجم الناس إلجامًا، والشمس تدنو منهم قدر ميل، فيا لها من أحداث مجرد تصوُّرها يخلع ويذيب القلوب! روي عن الحسن: أن رسول الله - صلَّ الله عليه وسلم - كان رأسه ذات يوم في حجر عائشة فنعس، فتذكرت الآخرة - عائشة رضي الله عنها - فسالتْ دموعُها على خدِّ رسول الله - صلَّ الله عليه وسلم - فاستيقظ بدموعها، ورفع رأسه، وقال: ((ما يبكيك؟)) قالتْ: يا رسول الله، ذكرت الآخرة، فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ قال - صلَّ الله عليه وسلم -: ((والذي نفسي بيده، في ثلاثة مواطن، فإن أحدًا لا يذكر إلا نفسه: إذا وضعت الموازين حتى ينظر ابن آدم أيخفُّ ميزانه أم يثقل، وعند الصحُف، حتى ينظر أَبِيَمِينِه يأخذه أم بشماله، وعند الصِّراط - نعم عند الصراط - أَيَمُرُّ أم يكردس على وجْهِه في جهنَّم)).

يؤتى بابن آدم حتى يوقف بين كفتي الميزان، فتصور نفسك يا عبدالله، وأنت واقف بين الخلائق، إذ نودي باسمك: هلمَّ إلى العرض على الله الكبير المتعال، قمت ولَم يقم غيرك، ترتعد فرائصك، تضطرب رجلاك، وجميع جوارحك، قلبك لدى حنجرتك، خوف وذُل وانهيار أعصاب.

شبابك فيمَ أبليته؟ عمرك فيمَ أفنيته؟ مالك من أين اكتسبته؟ وفيمَ أنفقته؟ علمك ماذا عملت به؟ هذه الأسئلة، فما الإجابة؟

كم من كبيرة قد نسيتها قد أثبتها عليك الملك! كم من سريرة كتمتها ظهرت وبدت أمام عينيك! أعظم به من موقف! وأعظم به من سائل لا تخفى عليه خافية! فإما أن يقول الله: يا عبدي، أنا سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم.

فيا لسرورك واطمئنان قلبك والمنادي يُنادي: سعد فلان بن فلان سعادةً لا يشقى بعدها أبدًا، فإمَّا أن يقولَ الله: (عافاك الله وسلمك الله)، إما أن يقول: خذوه فغلُّوه، ثم الجحيم صلوه، فيذهب بك إلى جهنم مسودَّ الوجه، كتابك في شمالك من وراء ظهرك، قد غلت ناصيتك إلى قدمك، أي خزي وأي عار؟! على رؤوس الخلائق ينادي: شقي فلان بن فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبدًا.

عبد الله:

الأمر خطيرٌ جد خطير، إبليس قد قطَع العهْد على نفسه ليغوينكم أجمعين، فقال: وعزتك وجلالك يا رب لا أزال أغويهم ما زالت أرواحهم في أجسادهم والله برحمته ومنّه يقول: وعزتي وجلالي، لا أزال أغفر لهم ما استغفروني.

فالبدارَ البدار، والتوبةَ التوبة، والاستغفارَ الاستغفار، لا يهلك إلا هالك، ولا يشقى إلا شقي، أكثروا من ذِكْر هادم اللذَّات، زُورُوا المقابر؛ فإنها تُذَكِّركم الآخرة، احضروا المحتضرين معتبرين.

اصدقوا الله يصدقكم، احفظوه يحفظكم.

واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله، ثم تُوَفَّى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون.

لا بدَّ أن نعلمَ أنَّ الموتَ الذي تخطَّانا إلى غيرنا سيَتَخَطَّى غيرنا إلينا، فلنأخذ حذرنا، ولن يؤخر الله نفسًا إذا جاء أجلها.
هُوَ المَوْتُ مَا مِنْهُ مَلاَذٌ وَمَهْرَبٌ مَتَى حَطَّ ذَا عَنْ نَعْشِهِ ذَاكَ يَرْكَبُ
نُؤَمِّلُ آمَالاً وَنَبْغِي نِتَاجَهَا وَعَلَّ الرَّدَى عَمَّا نُرَجِّيهِ أَقْرَبُ
إِلَى اللهِ نَشْكُو قَسْوَةً فِي قُلُوبِنَا وَفِي كُلِّ يَوْمٍ وَاعِظُ المَوْتِ يَنْدُبُ


نفعني الله وإياكم بالقرآن وبسنة سيد الأنام، أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

[/font][/color][/size]