السياسة منزلق الإسلاميين إلى العنف

كتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )(النحل: من الآية125). توجيه قرآني وجه الله به الدعاة إلى الله إلى أهمية الحكمة في الدعوة ، وأرشدهم إلى أن الدعوة تحتاج إلى حسن مناظرة، وقوة بيان، وتحتاج كذلك إلى مواعظ تلين بها القلوب.

وهذا ما تحتاج إليه الدعوة لكي تصل إلى المدعوين، فيحى من حي منهم عن بينه، ويهلك من هلك منهم عن بينة.

وأما تغيير المنكر باليد فهي أداة يمارسها أي مجتمع كبيراً كان أو صغيراً ضد الخارجين على نظامه العام، فإذا كان النظام العام لأي مجتمع معوجاً لم تزده محاولات تقويمه بالقوة إلا اعوجاجاً، كما أن جهاد الدفع هو وسيلة تدفع بها الأمة عن نفسها، كما أن جهاد الطلب هي وسيلة تمكن الأمة الإسلامية عن طريقها من نشر دعوتها.

ومن هنا نخلص إلى أن الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة لا غنى عنها البتة، بينما يبقى تغيير المنكر باليد، وجهاد الكفار بالسيف شرائع لابد لها من وجود شروط، وانتفاء موانع، وقد التبس هذا الأمر على بعض فصائل الصحوة، فظنوا أنه لا دعوة بغير جهاد بالسيف، أو على الأقل بغير تغيير للمنكر باليد، فوقعت منهم بعض التصرفات الغير منضبطة، والتي كان ضررها أكبر بكثير من نفعها.

وعلى الرغم من تعرض تيارات العنف لكثير من النقد، إلا أنه لم يكن كل المنتقدين على قلب رجل واحد، فقد خرجت من داخل الصحوة كثير من النصائح لأصحاب هذه الاتجاهات نحسبها صادقة -بإذن الله-، كما خرجت نصائح أخرى من خارج الصحوة كانت صادقة هي الأخرى في رغبة أصحابها في إيقاف تيار العنف، وإن اختلفت الدوافع.

بيد أنه كانت هناك أصوات أخرى تستنكر العنف، وتدينه من باب الصد عن سبيل الله، وهؤلاء كانت ترقص قلوبهم فرحاً كلما حدث حادث، أو وقعت واقعة، ولسان حالهم يقول: هل من مزيد؟؟ إلى الحد الذي صرح فيه بعض قادة الجماعة الإسلامية في مصر بعد مبادرة وقف العنف أن المحامين الشيوعيين الذين تبرعوا بالدفاع عنهم في أول صدامهم مع النظام تعمدوا خسارة القضايا؛ لتعميق قضايا الثأر بين الفريقين!!!

ولا يجب أن ننسى أن كثيراً من حوادث العنف ما زالت مقيدة ضد مجهول من الناحية القانونية، رغم أنها من الناحية الإعلامية مقيدة ضد الإسلاميين جزماً، ومعلوم من هو الفاعل الذي لديه القدرة على أن يظل مجهولاً.

وإذا كان هذا بشأن من اتجه إلى العنف، فما هو شأن الدعوات السلمية؟

إن بعضها قد اتخذ خطاً دعوياً تربوياً على خلاف أيضاً بينهم، بين من يجعل معنى التربية شاملاً لجميع مناحي الدين، وبين من يقصر التربية على بعض معانيها.

بينما اتجهت بعض الاتجاهات السلمية الأخرى إلى الحل السياسي باعتباره الحل الذي يحقق كل المزايا، فهو حل سلمي، ولكنه يحقق لأصحابه قدراً من التأثير المباشر على مجتمعاتهم عن طريق الحصول على الأغلبية التي تمكنهم من تشكيل الحكومات في بلادهم، أو على الأقل الحصول على أقلية فعالة تؤثر في صنع القرار.

وقد مضى أصحاب هذا الاتجاه في طريقهم غير مبالين بالنقد الموجه لهم من سائر فصائل الصحوة، والذي تفاوت بين التحفظ إلى الرفض التام الذي كانت حدته تزداد كلما ازدادت التنازلات التي قدمها أصحاب اتجاه الحل البرلماني.

وكان من ضمن الأمور التي زادت الحسابات تعقيداً تدخل أمريكا والغرب إعلامياً لصالح إعطاء مساحة أكبر للإسلاميين في المشاركة السياسية، وغني عن الذكر أن الأصل في تصرفات هؤلاء القوم هو سوء الظن، وأنه لابد لهم من مأرب وراء ذلك، إلا أن أصحاب الحل البرلماني قالوا: أياً ما تكن مآربهم فهي فرصة لابد من استثمارها. وبلغت الحيرة مبلغها بفوز حماس بالأغلبية في الانتخابات الفلسطينية، رغم سهولة التأثير المباشر أو غير المباشر من إسرائيل وأمريكا على نتائج الانتخابات.

مما جعل السؤال يطرح بقوة: ماذا يستفيد الغرب عموماً وأمريكا خصوصاً من الزج بالإسلاميين في التجربة السياسية؟!

قد تكون الإجابة البديهية هي أنهم يستفيدون استنزاف طاقات الإسلاميين في مجال الدعاية الانتخابية التي يفرض عليها قضايا معينة بعيداً عن الدعوة إلى الدين بشموله.

وقد تكون الاستفادة هي كم التنازلات التي يقدمها أصحاب هذا الاتجاه من إخضاع الإسلام للحضارة الغربية تحت مسمى تجديد الدين.

كل هذا صحيح، ولكن يبدو أن الغرب أراد أن يمضي في اللعبة أكثر، فجاءت انتخابات الجزائر وتركيا وفلسطين التي حصل فيهم الإسلاميون على الأغلبية، ومع ذلك جرب في كل منها نمط مختلف عن الآخر.

فأما تركيا فأجبر الإسلاميون فيها على تطبيق العلمانية بأيديهم، وأما الجزائر فألغيت الانتخابات، وظن الإسلاميون السياسيون السلميون أن بوسعهم أن يحموا إرادة الناخبين بالقوة مع أنهم كانوا لا يغيرون المنكرات الشرعية بالقوة، ولكنها سكرة الإيقاع السياسي المتسارع، وكان ما كان مما يعلمه الجميع، ودخلت أطراف كثيرة في اللعبة، فزادتها تعقيداً من جماعات تكفير، ومن لصوص، وقطاع طريق، وغيرهم، مما صعب مهمة الخروج من مستنقع العنف والعنف المتبادل.

وأما في فلسطين فقد سمح لحماس بتشكيل الحكومة مع شل حركتها بواسطة قوى خارجية وداخلية مما ورط حماس في الاقتتال الداخلي، رغم أنها حافظت عبر تاريخها على أن سلاحها موجه فقط إلى اليهود، رغم كل ما يموج به الصف الفلسطيني من تناقضات ومخالفات شرعية.

وقد استثمرت إسرائيل الموقف، وقامت بما قامت به من اعتداءات على المسجد الأقصى، ولعل قرار تعليق هذه العمليات قد جاء كنتيجة لاتفاق مكة بين فتح وحماس، والذي يمثل تنازلاً جديداً تقدمه حماس؛ لبقاء ظلها في الحكم، الذي جاء على حساب دعوتها في الداخل، بل وعلى حساب جهادها في الخارج، وحتى التجارب التي لم يحصل فيها الإسلاميون على الأغلبية استدرجوا فيها إلى عنف، وإن كان محدوداً لحماية صناديق الانتخاب، أو لتأمين وصول مؤيديهم إلى هذه الصناديق.

ومما سبق يتضح أن الانتخابات أصبحت مصيدة يستدرج بها الإسلاميون السلميون إلى منزلق العنف، فتتشتت جهودهم الدعوية أو تضيع، بينما يستمر الغرب وأعوانه في عزف أنشودة التطرف والإرهاب…الخ.

بارك الله فى الكاتب والناقل

جزاك الله كل خير

المقال طيب جزاك الله خيرا
لكن العنوان غير موفق
فالسياسة جزء أساسي من حياة المسلم وقد يفهم من العنوان ترك الانشغال بها كلية لانها تقود للعنف
والمأساة ستظهر لو مكّن الله للمسلمين ولم يجدوا من يفهم في تعقيدات السياسة.
نعم ممارسة بعض الجماعات فيها أخطاء كثيرة بسبب جعلهم السياسة هي الأصل من باب مصلحة الدعوة فيؤدي هذا إلى تقديم تنازلات عدة فيها أخطاء شرعية فادحة
وتجربة البرلمان مثلا فاشلة بكل المقاييس رغم اصرار القوم عليها
فالمقصود:
ينبغي الاهتمام بالسياسة من باب فهم الواقع لئلا تأتي الطعنة من الخلف
ثانياً: مسالة البرلمان أو مجلس الشعب فاشلة تماما لعدة اسباب منها أن الدستور يكفل للحاكم حل مجلس الشعب في اي وقت وبهذا سيضيع عليهم كل شيء

جازاكم الله خيرا. المشاركة في المؤسسات الدستورية-ومن أهمها البرلمان- متربطة بطبيعة الدستور والصلاحيات الموكلة للبرلمان. إذا كانت هناك قدرة حقيقية على التغيير فتطلب المشاركة، أما إذا افتقد الدستور إلى أسس القدرة على الإصلاح والتغيير. فلى جدوى من المشاركة ، و الأولى العمل من خارج المؤسسات، كي لا يبدد الجهد أو تدجن الحركة .
المشاركة السياسية لا تكون دائما من داخل المؤسسات الرسمية .