أسوار وبوابات القاهرة

[CENTER]أسوار وبوابات القاهرة

دكتور محمود أحمد درويش[/center]

وقد كانت الأسوار التي بناها جوهر مبنية بكتل ضخمة من اللبن، أما عرضها فيزيد عن مترين حتى يسمح لفارسين أن يمرا عليها من أعلى، وكان طول هذه الأسوار من الشمال والجنوب ألف ومائتي متر وعرضها من الشرق والغرب حوالي ألف ومائة متر.
لقد توافرت في مدينة القاهرة قواعد التخطيط العمراني التي تمثلت في قربها من نهر النيل المصدر الدائم للمياه، كذلك تقسيم المدينة إلى قسمين طوليا بواسطة طريق رئيسي أطلق عليه “ما بين القصرين” كان يمتد ما بين بوابتي الفتوح في الشمال وزويلة في الجنوب، كما كان يقسم المدينة عرضيا طريق آخر يمتد ما بين بوابتي البرقية في الشرق وأمام باب سعادة في الغرب، وقسمت مدينة القاهرة إلى أحياء.
وأقام الخليفة المعز في وسط المدينة على الطريق الممتد بين بوابتي النصر وزويلة قصران هما القصر الشرقي الكبير الذي كان مقرا للخليفة والقصر الغربي الصغير الذي كان مقرا لولي عهده الخليفة العزيز بالله.
والحقيقة أن أسوار حصن جوهر لم تدم طويلا، فقد عاشت مائة سنة فقط ثم بدأ الخراب يدب إليها، وقد رأى الخليفة المستنصر (427ـ487هـ/1035ـ1094م) أن يستعين بأحد قواده وهو بدر الجمالي والي مدينة عكا الذي حضر إلى القاهرة لإعادة بنائها مرة ثانية، فقام سنة 480هـ (1087م) بتجديد الأسوار وتوسيعها من ناحيتي الشمال والجنوب لمسافة مائة وخمسين مترا تقريبا لكل منها، كما فتح بالأضلاع الجديدة ثماني بوابات بنفس الأسماء القديمة، وأقام ثلاث بوابات عظيمة هي باب النصر وباب الفتوح في الشمال وباب زويلة في الجنوب، وقد بنيت الأسوار بالآجر والحجر، أما البوابات فقد بنيت بالحجر، وكان الانتهاء من هذه الأعمال في سنة 485هـ (1092م).
وكانت الأسوار مصمتة بالطابق الأول وذات ممر فسيح يسمح بمرور الجنود مزود بالمزاغل الخاصة برمي السهام نحو الخارج، أما الطابق الثالث فكان مكشوفا وأقيمت على جانبيه شرافات معقودة يقف بينها الجنود. وقد دعمت بالسقاطات التي تتكون كل منها من شرفة بارزة مغلقة الواجهة بها مزاغل وبأرضيتها فتحات لإلقاء الزيت المغلي والمواد الكاوية على من يقترب من السور، ونجد مثالا هاما لهذه السقاطات في المسافة المحصورة بين باب النصر وباب الفتوح. كما زودت الأسوار بأبراج مستطيلة لإقامة الجنود، يتكون كل منها من ثلاثة طوابق مزودة بالمزاغل، وهناك مثال لهذه الأبراج في المنطقة المحصورة بين باب النصر وباب الفتوح.
وتمثل بوابات بدر الجمالي أبنية ضخمة سواء من حيث المساحة التي تشغلها كل بوابة وهي حوالي خمسة وعشرين مترا، أو من حيث ارتفاعها الذي يزيد عن عشرين مترا، أو من حيث الكتل الحجرية التي استخدمت في بنائها، وقد استخدمت كتل حجرية مصقولة منتظمة يبلغ عددها من أسفل الجدار إلى قمته حوالي أربعين صفا، واستخدمت أعمدة حجرية وضعت أفقيا في الصف السادس أو السابع لتدعيم الجدران وتقويتها.
باب النصر
بدأ البناء في هذه البوابة في عام 480هـ (1087م) وتقع بالجهة الشمالية الشرقية من سور الحصن، ويبلغ طولها (24.20 م) وعرضها (21.63 م) وارتفاعها (21 م).
تتكون البوابة من برجين مربعين بارزين عن سمت الجدار مصمتين إلى ثلثيهما، وبكل منهما حجرة مربعة تعلوها قبة ضحلة من الحجر تقوم على مثلثات كروية، وقد زودت جدرانها بالمزاغل، ويتم الوصول إلى الطابق العلوي من سلم خلفي داخل الحصن يدور بشكل حلزوني حول عمود حجري، ويعلو السلم سقف مقبي.
يقع بين البرجين بوابة ضخمة ذات فتحة مستطيلة يبلغ ارتفاعها (6.50 م) واتساعها (4.70 م) وترتد عن بروز البرجين بمقدار (4.54 م)، وكان يغلقها باب خشبي ذو مصراعين، ويعلو فتحة الباب ثلاثة عقود الأول عقد مستقيم من صنجات معشقة يعلوها عقد عاتق ثم عقد مقوس من صنجات معشقة أيضا، يعلو ذلك لوحة عليها نص تأسيس بالخط الكوفي من ثلاثة أسطر نصها: "لا اله إلا الله وحده لا شريك له محمد رسول الله علي ولي الله.
وقد زينت واجهة البوابة بزخارف بارزة تشتمل على رسم درع وسيف على عقد البوابة ، كما تعد الصنج المعشقة المنفذ بها العقدان الأول والثالث أقدم أمثلة معروفة لتجميع الصنج المعشقة في عمارة القاهرة.
باب الفتوح
أقيمت هذه البوابة في عام 480هـ (1087م)، وتقع بالجهة الشمالية الغربية من السور الشمالي، وقد عمد بدر الجمالي إلى إدخال جامع الحاكم بأمر الله عند تجديد أسوار جوهر الصقلي وكان هذا الجامع قد بني خارجها.
يبلغ طول واجهة البوابة (22.85 م) وعرضها (25.22 م) وارتفاعها (22.33 م)، وتتكون من برجين كبيرين بارزين مصمتين إلى ثلثيهما ويتخذان الشكل المستطيل ولهما واجهة مستديرة، ويضم كل من البرجين غرفة مستطيلة يعلوها قبو، وزودت جدرانها بالمزاغل.
يقع بين البرجين بوابة ضخمة كما هي الحال في باب النصر ويعلوها عقد نصف دائري يقع خلفه عقد آخر وبينهما سقاطة لإلقاء الزيوت المغلية والمواد الكاوية.
وقد زينت جوانب البرجين بعقدين مغلقين تشبه أحجارهما الوسائد المتلاصقة، وهناك عتب مكون من صنج معشقة يعلوها عقد منبطح، ويعلو ممر البوابة قبة أقيمت من الحجر تقوم على مقرنصات مثلثة، وبالأبراج سقف من أقبية متعارضة ذات مركز مستدير.
باب زويلة
وقد أقيمت هذه البوابة في عام 485هـ (1092م)، وتقع في الجنوب، وتشبه بوابة الفتوح حيث تتكون من برجين مستطيلين يتخذان الشكل المستدير، كما أنهما مصمتين إلى ثلثيهما، ويضم كل برج غرفة ذودت جدرانها بالمزاغل، ويؤدي الباب إلى دركاة مربعة تعلوها قبة ضحلة تقوم على مثلثات كروية، وتتميز هذه البوابة بالمقعد الذي وضع فوق عقد فتحة الباب وكان خاصا للمراقبة.
وقد قام السلطان المؤيد شيخ المحمودي عام 819هـ (1417م) عند بناء مسجده الجامع ببناء مئذنتين أعلى برجي البوابة.

بارك الله فيك

.شكرا الك.