المجالس التقليدية والارتباط الاجتماعي

جريدة الرياض اليومية

[CENTER] المجالس التقليدية والارتباط الاجتماعي
مزج القديم بالحديث في تصاميم المجالس… حافظ على الهوية
الرياض - هيفاء الهلالي:
تعتبر المجالس الخاصة باستقبال الضيوف هي صدر البيت كما يقال وفيها تبرز المواهب المختلفة لفنون الضيافة والتي تبدأ من طريقة تأثيث المجلس وتوفير سبل الراحة للضيف سواء بالمظهر الجميل للمجلس أو بطريقة الضيافة وفي كلتا الأحوال يظل المجلس بصورته المطورة عن المجلس التقليدي القديم هو وجه لحسن الضيافة للقاءات الاجتماعية بالأسرة والجيران.فما مدى الارتباط النفسي للمجالس التقليدية بالمناسبات الاجتماعية؟وما هي المعاني التي يتعداها ذلك المجلس الأصيل؟
المجلس المطوّر
أم عمرو سيدة كبيرة في السن ولكن ترغب دائما في مسايرة التطور الحديث في أثاث بيتها من مبدأ التجديد ونزولا عند رغبة الأبناء تعتبر المجلس أو الديوان كما تقول هو المكان اللائق لاستقبال الضيوف قديما وحديثا وترى بأن نوعية تلك المجالس والتي تصمم من الخشب المرتفع إما أن يكون متينا أو بخشب الخيزران والذي يدخل الآن في العديد من أنواع الأثاث الحديث الغربي والعربي، ويمتاز الخشب بالنقوش الدقيقة في مساحاته العريضة كما أن استخدام المراتب القطنية والتي توضع داخل بيوت مطرزة من أقمشة الحرير مع تلك الشرائط الدانتيل الملونة على الوسائد القطنية مما يجعل الجلوس عليها مريح وممتع وتضيف "كما أن تلك الأمور لم أتخل عنها نهائيا لأنها وان كانت قديمة إلا أنها جميلة، إنما حاولت أن أضيف نوعاً من التنجيد لبعض الأقمشة الجديدة وبديكور جمع ما بين التطريز القديم والنقشات الحديثة مع إضافة ألوان جديدة لتلك النقوش فالتغيير لم يكن على حساب فخامة القديم، بالإضافة إلى طبيعة ترتيب المجالس القديم والتي كانت ترتبط بالماء وبديكور الجرار الصغيرة حيث استبدلت ذلك بالجرار الكبيرة المصنوعة من الفخار الملون كجزء من المجلس القديم لسقاية الضيوف بذلك الماء البارد العذب، فقديما كان المجلس يحمل بين طياته معاني كثيرة لذكريات قديمة من سرد القصص والذكريات واسترجاع المآثر وقصص الرسول عليه الصلاة والسلام وإلقاء الدروس الدينية.
ومهما تطور أثاث المجلس القديم فان طبيعة احتفاظ البعض بالطابع الديواني القديم يشكل جزءاً من اصالتنا وتراثنا لأنه يذكرنا بالمناسبات العائلية والتضامن والمحبة عند الالتفاف حول بعض في الأجازات والأعياد وعند عقد مجالس الصلح وتقريب النفوس خصوصا عند كبار العائلة كل ذلك يتضمن الأطعمة والمشروبات الشعبية اللذيذة وحلويات العيد التراثية والتي تدرج الآن في الجنادرية والتي كانت تقدم عند زيارة الكبير والأقرباء وفيها إحياء لصلات الرحم وغيرها من القيم الاجتماعية والتاريخية.

الفلسفة القديمة
هند مختار ربة بيت وتهوى الدمج بين الأثاث القديم والحديث عبر الاحتفاظ بالاصالة والجمال والذي يبرز في فلسفتها للمجالس التقليدية حيث تؤكد على أن صياغة المجالس التقليدية زمان ترتكز على فن الأرابيسك والخشب الجيد المحفور والنقشات التي تصنع باليد، وليس بالأجهزة.
تواصل "ولو نظرنا للعديد من الأسر التي لازالت تحتفظ ببعض الأثاث الخشبي المحفور بالطريقة القديمة لوجدناهم يعتزون به خصوصا في المجالس لان فيه امتداد لماضي يحمل الاصالة والجودة في الأخلاق والتصنيع.
وان كان بعض الأسر قد قاموا بدهن وطلاء وتلميع تلك المجالس لتبرز في مصاف النظام الشامل لتأثيث البيت، فالمجلس قديما تعدى كونه غرفة من ضمن الغرف، بل تجاوز معناه إلى حل الخلافات بين الأسرة الواحدة أو الجيران ومكان للقاءات بين رب الأسرة الكبير وأصدقائه أو ابنالئه، فهو كقاعة اجتماع رسمية وليس فقط للضيافة.
فزمان كان جميع الغرف للضيافة وذلك لبساطة المجتمع وسهولة فلسفتهم للحياة فلم تكن الجارة تحتاج في استقبالها للمجلس وكانت تكتفي بالجلوس مع جارتها في أي غرفة لعمق الصلات الاجتماعية ولصغر المدينة ولتقارب البيوت، كما أن محافظة الأسرة الآن على هيئة النظام القديم بطرق الضيافة والأواني المتوارثة والتي طورت بطريقة أو بأخرى تربط لا شعوريا وبطرق غير مباشرة هذا الجيل بالجيل السابق وتوثق جذوره، والتي لابد أن يتعز بها وبأخلاقياتها.
فكان المجلس يحمل صفة الهيبة والاحترام لعقد المناقشات أو كما يقال عنه “الديوان أو الديوانية” وتكون سبل الضيافة بالقهوة والشاي والمشروبات التقليدية من الأعشاب والتي أثبتت المعلومات الطبية الحديثة مدى فائدتها للإنسان والتي من المفترض أن يتعود الجيل الجديد على شربها عوضا عن تلك الأخرى الضارة والمنتشرة بكثرة في الأسواق.
فهنا نجد تربية ذوق وأخلاق وعادات اجتماعية وصحية والذي كان يطرح في تلك الضيافة البركة بفضل نقاء السريرة، والآن تطورت تلك المجالس لحد الرفاهية المفرطة والقليل من حافظ على المعاني الجميلة التي تحتويها من صلة وترابط ومناقشات وقضايا أسرية وصلح بين الجيران فكان الوجع واحد والفرح واحد، نتمنى استمرار تلك المجالس على الأقل بمعانيها السابقة فهي الأهم من الشكل الخارجي.
وترى القارئة أم عبدالرحمن العيسى بأن صورة المجلس القديم يذكرها بالحنين إلى الماضي البسيط والجميل حيث القناعة لدى ربة البيت بالمجلس مهما كانت ألوانه وشكله ولكن تشابه جميع المجالس في ذلك الوقت يدل على أن لدى المرأة سابقا اهتمامات أكثر من التركيز على الكماليات حيث يتم استقبال جميع الضيوف مهما علا شانهم أو الجيران في مجلس واحد دون تفرقة أو تعدد في المجالس ويعتبر المجلس التقليدي بالنسبة إليها أفضل من المجالس الحديثة بسبب انه أكثر حميمية وتقارب ويكون فيه (لمه) أكثر وبالامكان تبادل الحديث بين جميع الموجودات في المجلس بعكس المجالس الحديثة التي تكثر فيها الفواصل والقواطع والديكورات وضخامة الأثاث نفسه وبعد المسافة بين بعض الأشخاص مما يؤدي إلى صعوبة في التواصل والحديث، وأصبح هناك منافسة في تأثيث المجالس وتغيير دائم بسبب وبدون سبب وملاحقة للموضة.
وكل ذلك من اجل الظهور أمام الآخرين بمظهر التمدن وإشباع غريزة حب المظاهر لدى بعض ربات البيوت وجعل المنزل وكأنه معرض للأثاث، ومع ذلك مازال المجلس التقليدي باقيا في معظم المنازل وتخصص له غرفة في المنزل أو ركن في زوايا المنزل وتجتمع فيه الأسرة أحيانا، كما تتمنى أن تكون الموضة في يوم من الأيام هي الرجوع إلى المجالس التقليدية والتفنن فيها من اجل أن يكون لنا شخصيتنا الخاصة والرجوع إلى البساطة وإحياء تراثنا القديم والذكريات الجميلة وتذكر أيام الصبا والطفولة البريئة.
[/center]