منازلنا الحديثة طمست شخصيات المناطق وألغت الهوية العمرانية

جريدة الرياض اليومية

[CENTER] التقليدية راعت هذه الخصائص …
منازلنا الحديثة طمست شخصيات المناطق وألغت الهوية العمرانية
د. خالد الطياش
يطالب المستشار الدكتور خالد بن عبدالعزيز الطياش بضرورة تقييم نظام البناء ودراسة سلبياته وايجابياته ووضع حلول وبدائل تهدف إلى ترشيد بناء المساكن والاستفادة القصوى من مساحات الأراضي السكنية ويقدم هنا دراسة نقدية لمنازلنا المعاصرة مسترشداً بالبيوت التقليدية وفيما يلي نص حديث د. الطياش:
ظهر البيت السعودي في بداية الثمانينات الميلادية بشكل نقلة حضارية طويلة المدى هروباً من البيت التقليدي معلناً فك ارتباطه بذلك المنشأ فكراً وتكويناً، فلم تكن تلك النقلة جزءاً من عملية تطويرية للبيت التقليدي بل هي شيء جديد أقرب إلى العالمية منها إلى المحلية زفته إلى المجتمع في عرس بهيج وسائل مختلفة متسلحة بحوافز مغرية ساعدت في انتشاره بسرعة فاقت ما خطط له، وتم تبني فكرة البيت السعودي المعاصر كمنزل مثالي حديث وراق ومطلباً أثيراً لحلم كل أسرة وأعلن بذلك اسدال ستار النسيان وإلى الأبد على البيت التقليدي وبالتالي علي مرحلة هامة من مراحل تاريخ البناء والعمران في بلادنا كانت مليئة بالعديد من الدروس والتجارب والخبرات وقصص صراع الأجداد في مبانيهم مع البيئة والفقر وضعف الامكانيات والتي لم تكن عائقاً أمام انسان هذا البلد في سبيل تحقيق التكيف مع بيئة قاسية ضعيفة الموارد فتصاميم البيوت التقليدية في مختلف مناطق المملكة على اختلاف ظروفها المناخية تدل دلالة واضحة على أننا شعب قادر على خلق البيئة المناسبة للعيش في أسوأ الظروف وبحدود امكانياتنا الطبيعية المتوفرة.
اختفت البيوت التقليدية من مدننا بصورة تدريجية مجبرة على هذا الرحيل المر ضمن حالة درامية حزينة بعدما هجرها أهلها أولاً ثم تحولها إلى مخازن وسكن لغير أهلها فماتت مرتين لفراق ساكنيها أولاً ثم هدمها أخيرا، وزاد من ذلك الرحيل ظهور البيوت الحديثة والتي الغت تميز منطقة عن الأخرى بطراز معين من المباني حتى أصبحت منازل بلادنا وما حولها من بلدان متشابهة شكلاً ومكونات دون مراعاة لشخصية المنطقة وطابعها المعماري وهويتها العمرانية فالمنازل في الرياض وجدة والدمام وحائل وأبها كلها متشابهة رغم التفاوت الكبير في خصائصها المناخية وطرزها المعمارية والعمرانية.
كانت مكونات البيوت التقليدية تربطها ببعضها روابط وظيفية معينة فرضتها الحاجة وظروف المجتمع وخصائصه الدينية والاجتماعية حيث تنظم تلك الروابط الترتيب المكاني لكل عنصر من عناصر ومكونات البيت وتختلف تلك الروابط من منطقة إلى أخرى حسب ثقافة كل منطقة إلا أن المنازل المعاصرة الحديثة شبه الموحدة في الشكل والوظيفة أظهرت عدداً من العلاقات الرابطة بين مكوناتها وفراغاتها أجمع الغالبية على تطبيقها عند تصميم منازلهم فأصبحت بذلك فراغات البيت المعاصر ترتبط بعلاقات تقوى وتضعف حسب الارتباط الوظيفي بينها ومن مجموع الروابط القوية والمميزة للبيوت المعاصرة والتي تظهر بصورة مكررة لدى معظم البيوت الحديثة العلاقات التالية:

علاقة المداخل الخارجية ومجالس استقبال الضيوف
يرتبط كل مدخل سواء للرجال أو للنساء بما يقابله من مجلس الرجال ومجلس النساء ارتباطاً مباشراً حيث إن ترتيب قدوم الضيوف في المداخل إلى الأماكن الخاصة بهم مباشرة لذا يلاحظ في معظم المنازل قرب موقع مجلس الرجال من مدخل الرجال وقرب مجلس النساء من مدخل النساء والعائلة.

علاقة مجلس الرجال وصالة الطعام
بالرغم من أن صالة الطعام تخدم الجنسين في أوقات مختلفة إلا أن ارتباط صالة الطعام بمجلس الرجال أصبح سمة مميزة لمعظم البيوت حيث إن الوظيفة الأساسية لصالة الطعام مكملة لوظيفة مجلس الرجال فالضيوف يستقبلون في المجلس وعند تجهيز الطعام ينتقلون إلى صالة الطعام وعادة يكون هذا الانتقال مباشرة أو من خلال طرقة تحتوي على مغاسل وحمام وذلك لترتيب غسل الأيدي قبل الأكل وبعده وبالطبع فإن صالة الطعام وقت تجهيز الأكل يكون اتصالها بمجلس الرجال معدوماً تماماً حيث تقوم النساء عادة بتجهيز الطعام وعند الإشارة بالانتهاء يقفل اتصال صالة الطعام بالداخل ويفتح الاتصال بمجلس الرجال.

علاقة صالة الطعام بالمطبخ
نظراً للترابط الوظيفي بين صالة الطعام والمطبخ فقد كان تقارب فراغاتهم واضحاً سواء كان المطبخ داخل الفيلا أو في الملاحق ويظهر ذلك كمطلب للساكن عند بدء التصميم حيث يفضل وجود صالة الطعام من الجهة القريبة من ملحق النساء لتكون قريبة من المطبخ وقد يوضع باب في صالة الطعام يؤدي مباشرة إلى المطبخ الخارجي ماراً بفناء البيت ولزيادة الترابط في حال كون المطبخ داخل البيت ولكي يكون الاتصال مباشراً بصورة واضحة يمكن للمصمم وضع شباك تخديم يفتح عند الحاجة بين صالة الطعام والمطبخ للتخديم ولضمان نقل ما يعمل ويجهز بالمطبخ لصالة الطعام مباشرة متخلصاً بذلك من عملية السير بالطعام واختراق مرافق البيت الأخرى وعادة يقفل شباك التخديم بعد الانتهاء من تجهيز المائدة.
علاقة ارتباط موقع صالة المعيشة بوسط البيت
حيث إن وظيفة صالة المعيشة غير محددة بوظيفة واحدة فهي مكان التقاء سكان البيت وتحادثهم واجتماعهم وأحياناً أكلهم واستقبال بعض الضيوف فكانت الرغبة أن يكون موقعها في وسط البيت وليست فراغاً محدداً بحوائط وإنما فراغ مفتوح من الجوانب تحيط به ممرات كي لا تخترق حركة السير صالة المعيشة. وأحياناً كثيرة يستغني الساكن عن صالة المعيشة العلوية ويرغب بفتح فراغ مكانها مطل على الصالة السفلية وهذا يؤمن ارتباط الدور الأرضي بالدور العلوي فراغياً.

ارتباط غرف النوم بالدور العلوي
من الملاحظ رغبة الساكن أو الراغب في السكن بتوجيه المصمم لوضع غرف النوم لجميع أفراد العائلة بالدور العلوي للمنزل حتى أصبح كامل الدور العلوي لغرف النوم مع كامل خدماتها والتي تشمل الحمامات وغرف الملابس وأحياناً بوفيه لتجهيز الأطعمة الخفيفة لذلك فإن جميع البيوت المعاصرة يكون الدور العلوي فيها عادة مخصصاً لغرف النوم ويستثيي من ذلك بعض البيوت التي من ضمن ساكنيها بعض كبار السن ممن يشكل لديهم صعود الدرج عائقاً.

ارتباط الملاحق بالفيلا
من سمات البيت المعاصر وجود ملاحق للرجال والنساء داخل نطاق سور البيت والساكن يرغب في ذلك ويحرص على تنفيذه وعادة يكون ملحق الرجال مجاورا لبوابة الرجال وبقرب مجلس الرجال الرئيس في الفيلا ويتكون من مجلس صغير شرقي الأثاث وحمام أما ملحق النساء فإنه يقع بقرب بوابة النساء وفي الجهة الخلفية للمبنى ويحرص الساكن على وضعه في مكان غير مكشوف للداخلين وبعيداً عن المدخل الرئيس. ويتكون غالباً ملحق النساء من مجلس للنساء وحمام ومطبخ إضافي وأحياناً مستودع وغرفة للخادم. وتؤدي الملاحق الخارجية أعمالاً كبيرة للساكن وتستخدم فراغاتها أكثر من الفراغات داخل الفيلا. وتعتبر ظاهرة الملاحق مؤشراً على عدم قدرة الفراغ الرئيس داخل الفيلا على القيام بالوظيفة المصمم لاجلها وتحقيق رغبات الساكن الذي لجأ الى اكمال ما يحتاجه من وظائف عن طريق انتشار الملاحق رغم ازدواجية الفراغات داخل الفيلا وخارجها.
علامة الموقع العام والارتباط الخارجي
ان تحديد نسبة (60%) من مساحة الارض كحد اعلى للبناء عليها اوجد فراغاً يمكن استخدامه كبديل للفناء الداخلي ويمثل (40%) من مساحة الارض ولهذا فقد احتوت بعض البيوت المعاصرة على حديقة صغيرة وكراج للسيارة واحياناً حمام سباحة واصبح هذا الفراغ المفتوح هو حلقة الوصل بين المبنى والفراغ الخارجي (الشارع) ولعرض الشارع دور في تحديد مداخل البيت فقد تعود الساكن والمصمم على وضع مدخل الرجال في جهة الشارع ذي العرض الاكبر ووضع مدخل النساء في الشارع الاقل عرضاً في حالة وقوع الارض على شارعين ولا مانع من وضع المدخلين في اتجاه واحد اذا كانت الارض على شارع واحد كما ان السور يحتوي في معظم البيوت المعاصرة على بوابتين احداهما كبيرة لا تستخدم إلا نادراً ولا يزيد عرضها على ثلاثة امتار وبوابة اخرى صغيرة تستخدم بصورة دائمة ولعدم وجود الخصوصية للساكن اثناء استخدامه للفراغات المحيطة بالفيلا كالحديقة وحمام السباحة اضطر الساكن لوضع سواتر قد تكون من الالمنيوم او الخشب او القماش المتين بارتفاع قد يصل الى المترين فوق معظم الاسوار التي تحيط بالمبنى منعاً للرؤية من قبل الجيران مما يشوه المنظر العام للوحدة السكنية وهذا يعتبر مؤشراً لعدم تحقيق الخصوصية في الفراغات الخارجية للبيت المعاصر.
هذه بعض الروابط التي تعتبر من سمات البيوت المعاصرة الحديقة في المملكة والتساؤل الذي يدور في ذهني وذهن الكثير من المهتمين في مجال العمارة هو هل هذه الروابط قابلة للتغيير في المراحل المستقبلية القادمة او انها ثوابت جربها المجتمع واثبتت نجاحها وما هي العوامل التي ممكن ان تؤثر لتغيير تلك الروابط باعتقادي ان تلك الروابط المتفق عليها بالشكل شبه جماعي سوف تستمر لفترة طويلة كسمة من سمات البيت السعودي المعاصر الحديث فمن الملاحظ ان اسباب تبني تلك الروابط يرجع لمعايير اجتماعية وتنظيمية واقتصادية واي تطور او تغيير في تلك المعايير سوف ينعكس مباشرة على تكوين تلك الروابط. فعند استعراض الروابط الوظيفية لعناصر البيت السعودي المعاصر نجد ان ارتباط المداخل الرئيسية بمجالس استقبال الضيوف مطلب وظيفي يفرضه علينا وضعنا الاجتماعي بالفعل بين الجنسين وذلك يؤثر اقتصادياً بزيادة تكلفة المسكن ولن يتغير تبني هذا الرابط الا بتغيير اجتماعي اما ارتباط مجلس الرجال بصالة الطعام وهو ارتباط فرضته وظيفة كل فراغ ليس على مجتمعنا فحسب بل على اغلب مجتمعات العالم فارتباط الجلوس بالاكل بفراغين متجاورين امر عالمي الفكرة الا انه في المجتمعات الاخرى التي لا تراعي الفصل بين الجنسين يكون الفراغان عبارة عن فراغ واحد اما في مجتمعنا فالفصل اساسي لأن صالة الطعام تستخدم لكلا الجنسين وليس استعمالاً مقصوراً على فئة منهم الا انه من الملاحظ في معظم المنازل التي بنيت حديثاً ان الفصل بين فراغ مجلس الرجال وصالة الطعام اصبح فصلاً مؤقتاً من خلال حواجز ديكورية متحركة تزال بمجرد خلو مجلس الرجال من مستخدميه فتصبح عناصر مجلس الرجال وصالة الطعام واحياناً صالة الجلوس فراغا واحدا كبيرا يعطي المنزل فخامة ومرونة وظيفية فيما لو استخدم للحفلات والمناسبات العائلية المحدودة العدد اما ارتباط صالة الطعام بالمطبخ فمختلف باختلاف كون المطبخ داخل الفيلا فيكسر خصوصية المكان وتعليق راحة الساكن الا ان وجود المطبخ داخل الفيلا يؤمن استخدامه دون اللجوء الى الخروج خارج نطاق الفيلا اما في حالة وضع المطبخ في الملاحق فإن ذلك يقلل من وصول الروائح والازعاج لداخل الفيلا الا انه لايؤمن الاتصال المباشر من الساكنين لكن قد يكون هناك حل يجمع الحالتين وذلك بايجاد مطبخ ضمن نطاق الفيلا مفصول الى جزءين معزولين الجزء القريب من ا لفيلا عبارة عن اوفيس تخديم قد يستخدم لصنع وتجهيز الاشياء البسيطة ومتصل من خلال باب المطبخ الاساسي الذي يوجد في الجزء الباقي من فراغ المطبخ الاقرب بالخارج الفيلا فوجود الاوفيس قد يكون عازلا لكل ما يصدر من المطبخ من روائح وازعاج وبنفس الوقت يؤمن الاتصال المباشر من الساكنين (هذه الفكرة قدمت لي من شخص كريم ليس مهندساً معمارياً ولكنه متميز في كل شيء فشكراً له).
اما ارتباط صالة المعيشة بوسط البيت فهو ارتباط وظيفي وذلك لحاجة مجموعة الفراغات للتجمع حول فراغ وسطي الا ان صالة المعيشة مازالت فاقدة لشخصيتها وكل اسرة تستخدمها حسب الحاجة لكن بازالة الحواجز بينها وبين الفراغات المجاورة لها كصالة الطعام ومجلس النساء فقد نوجد فراغاً كبيراً مرناً يعطي الحيوية والمرونة للمنزل ويساعد على خلق شخصية متميزة لقلب البيت.
اما علاقة ارتباط الفراغات الخارجية (الملاحق) مع مبنى الفيلا علاقة وظيفية وتنظيمية بنفس الوقت، الجزء الوظيفي منها هو ايجاد فراغات عجز المصمم عن توفيرها في نطاق مبنى الفيلا او رغبة صاحب المنزل في خلق فراغات خارج نطاق الفيلا تستخدم كبديل لما هو موجود داخل الفيلا بهدف تقليل استخدام فراغات الفيلا والحفاظ عليها وهذا يؤدي الى ازدواجية لفراغات معينة تظهر بشكل واضح في وجود مجلسين للرجال او مطبخين او مجلس للنساء احدهما في الملاحق والآخر داخل الفيلا وهذا يؤثر اقتصادياً على زيادة تكلفة المنزل اما الجزء التنظيمي لهذا الارتباط فيكمن في عجز نظام البناء لدينا عن ايجاد تنظيم ناجح لموضوع الملاحق وعلاقتها بمبنى الفيلا الرئيسي بدلاً من الوضع الحالي والذي يُظهر المنزل السعودي بشكل مفكك وغير مترابط ككتل متفرقة داخل نطاق الارض. وترتبط هذه العلاقة بالوضع الاقتصادي والتنظيمي وهو المؤشر الرئيسي على ذلك الارتباط.
اما الارتباط الاخير فهو علاقة مبنى الفيلا بما حولها ضمن الموقع العام فلقد فرض نظام البناء وجود الارتداد حول مبنى الفيلا مما خلق فراغات الاستفادة منها محدودة ولا تخدم بشكل فعال وتزيد من مساحة قطع الأراضي السكنية مما يزيد الامتداد الافقي للمدينة ويضاعف تكلفة توفير الخدمات للمنازل وهذه العلاقة ذات ارتباط بنظام تنظيم البناء ويعتمد تغيير هذا المفهوم مستقبلاً على البلديات لايجاد البديل الناجح لهذا النظام.
هذه بعض الارتباطات التصميمية للبيت السعودي المعاصر والتي تبناها المجتمع برغبة تصميمة او اجتماعية او وظيفية او حسب ما يفرضه نظام البناء لدينا حيث يعتمد تغييرها في المستقبل على عوامل عديدة منها:
- تقييم نظام البناء لدينا ودراسة سلبياته وايجابياته ووضع الحلول والبدائل الهادفة الى ترشيد البناء في المساكن والاستفادة القصوى من مساحات الأراضي السكنية.
- وعي المجتمع من خلال بث الثقافة المعمارية والتركيز على الجانب الوظيفي لمكونات المنزل واحتياج الساكن الحقيقي لها والبعد عن المظاهر الاجتماعية المكلفة واعطاء الاهمية لمستخدم المنزل وليس لمن يراه.
- التطور الثقافي والاجتماعي للمجتمع مستقبلاً قد يغير من مفهوم تلك الروابط او يجعلها اكثر انفتاحاً ومرونة كما ان التطور والتحديث الذي تشهده بعض العادات والتقاليد قد يوجد روابط أخرى بين مكونات المنزل خلاف المتعارف عليه.
- الوضع الاقتصادي للبلد وللساكن يؤثر مستقبلاً سلباً او ايجاباً على مكونات المنزل وبالتالي على الروابط والعلاقات بين تلك المكونات.
[/center]

.,._

إعجاب واحد (1)