سؤال برئ

سؤال برئ

محمد حماد
  كبرت سيدى الرئيس، اليوم يبدأ عامك الثمانون، وكبرنا معك،  وشاخت منا المفاصل، عن نفسى قضيت 26 سنة من عمرى الذى جاوز الخمسين بقليل تحت  رئاستك، كنت ساعة توليت الحكم فى السابعة والعشرين، وبقيت نصف عمرى معك أُمنّى نفسى  بالإصلاحين، الإصلاح الاقتصادى والإصلاح السياسي، فلا هذا جاء ولا ذاك شرّف، وكلما  كثُر الحديث عن الإصلاح الاقتصادى كانت أحوالنا المعيشية تزداد سوءاً، وكان كل  كلامٍ عن الإصلاح السياسى بمثابة المقدمة الأولى للعدوان على الحريات والحقوق التى  كانت موجودة!!

ولا أخفى عليك سيدى الرئيس أن أحوالنا ازدادت سوءاً على سوءِ ما كانت عليه منذ توليتم حكمنا، ولا أشك فى أنك تعلم أن أرقام البطالة فى تصاعد مستمر، والشباب الذى هو عماد المستقبل يعيش سيدى الرئيس أزهى عصور البطالة، وعدد الحاصلين على شهادات عليا ولا يجدون عملا أكبر من عدد الذين استطاعوا بالواسطة أن يحصلوا على أعمال لا علاقة لها بنوع الدراسة التى درسوها، والاكتئاب هو الصديق الوحيد للأعمار بين الرابعة والعشرين وبين الأربعين، ومن بين هؤلاء عشرون مليون مصاب بحالات الاكتئاب المتقدمة، والأرقام شبه رسمية من أكبر المتخصصين فى هذا العلم، وهى نسبة إن جئت للحق مقبولة، بالنظر إلى البلاوى التى يعشيها المصريون طوال ربع القرن الأخير وما قبلها، وهى إنما تدل فيما تدل على أننا شعب قادر على الاكتئاب، وهو ما يجعلك سيدى الرئيس تفخر بأنك تحكم شعباً عنده دم لا يزال يجرى فى عروقه رغم انسدادها من ضغط الدم وحبسة الروح التى يعانون منها على طول الزمن من الولاية الأولى حتى الخامسة فى وش العدو!
وكما تعلم سيدى الرئيس فإن الفساد الذى كان للركب من عشر سنوات أصبح الآن يغطى الرأس، ويأكل فى باقى الجسد، دين خارجى فى تصاعد مستمر، ودين داخلى لا يتوقف عند حد، والوزراء حسب تقرير رسمى يعملون فى وزارتك كأنهم فى جزر منعزلة، يتنابذون بالأرقام، ويتكاذبون علينا بالنسب المئوية، كل وزير هو مملوك تملَّك النهيبة التى تحت يده، ويتصرف فيها تصرف الواضع يده على أملاك عمومية، يسهرون على مصالحهم الشخصية، والمصلحة العامة فى خبر كان وأخواتها من الحرامية وناهبى البنوك، والمتاجرين فى المواد المسرطنة، وقاتلى الشعب فى البر والبحر!
أما حالتنا الصحية سيدى الرئيس فحدث ولا حرج، فى الحضيض وما تحته، تفشت فينا الأمراض على كل لون ومن كل صنف، مسرطنات تجد، فيروسات على قفا من يشيل، كبد وبائى أكثر من الهم على القلب، فيروس سى منتشر انتشار النار فى هشيم المحتظر، كنا نقول إبان صراعنا مع العدو الإسرائيلى إن كل بيت مصرى لا يخلو من شهيد أو جريح، والآن ونحن فى مرحلة السلام لن تجد بيتاً مصرياً يخلو من مريض إما بالسرطان أو بفيروس وبائى توطن وحصل على الإقامة الدائمة بدون استئذان الجهات المختصة!!
والسجون والمعتقلات سيدى الرئيس مليئة بالمعتقلين الذين لا نعرف أعدادهم، وتصور فخامتك أن وزارة الداخلية وهى الجهة الرسمية المسئولة عن هذه المعتقلات لا تعرف أرقام المحبوسين فى سجونها، وإذا كان من حق دولتكم المصونة أن تعتقل من تشاء تحت أى قانون تريد، أفلا يكون من حقنا كشعب معرفة أرقام المحبوسين ولو من باب العلم بالشيء، هل سمعت سيدى الرئيس عن دولة تحبس وتعتقل كل هذه الآلاف من الناس ولا تعرف عددهم، ولو على وجه التقريب؟!!
لن أطيل عليك سيدى الرئيس ولا أريد أن أعكنن مزاجك فى عيد ميلادك، ولذلك، ورغم كل ذلك، أطمئنك سيدى الرئيس وأقول لك: نحن بألف خير، وكل سنة وأنت طيب، ومن خلالك أتقدم بالتهنئة الحارة إلى نجلكم الكريم، وأقول له بالرفاء والبنين، وأشهد أن اللعبة كانت متقنة، بدأت مع فكرة ترك موقع النائب شاغراً، فبقى مكان ولى العهد شاغر، خمسا وعشرين سنة ولا يوجد وريث للنظام محتمل، خمس وعشرون سنة وكل وجه من داخل النظام يبرز كبديل محتمل فى المستقبل إلا ويجرى التعامل معه بالإبعاد، الإبعاد عن الإمكانية أو الإبعاد عن الصورة، نعم كانت اللعبة متقنة، وربما هى اللعبة الوحيدة التى أتقنت سيدى الرئيس لعبها بحرفية أكبر من حرفنة لاعبى برشلونة، والنتيجة المعلنة حتى الآن: أربعة للرئيس، صفر لمصر مع الرأفة!!