قلق ونذر خطر تلوح في أفق سيناء خلل بيّن في تعامل السلطات مع سكان أرض الفيروز والحكمة

[FONT=Arial][SIZE=2][FONT=Tahoma][CENTER] [RIGHT]قلق ونذر خطر تلوح في أفق سيناء خلل بيّن في تعامل السلطات مع سكان أرض الفيروز والحكمة
محمد عبد الحكم دياب
صحيفة القدس العربي

07/07/2007

ينتاب القلق أوساطا شعبية ووطنية مصرية، خوفا علي شبه جزيرة سيناء. من جراء اضطراب العلاقة بين مواطنيها والسلطات الرسمية والأجهزة الأمنية. وهذا شد اهتمام جماعات سياسية، وأخري أهلية، لها علاقة بحماية الحريات والدفاع عن حقوق الإنسان.
وفي هذا السياق بادر عدد من قادة وأعضاء الحركة المصرية من أجل التغيير كفاية إلي زيارة سيناء والاطلاع المباشر علي ما يجري فيها، وعلي إثر ذلك وجه يحيي القزاز الأستاذ بجامعة حلوان، ومن قادة حركة كفاية ، نداء طالب فيه بإنقاذ سيناء، من خطر الصهينة والأمركة والتدويل، وبعدم ترك أهلها يحاربون معركتهم منفردين، بعيدا عن المعركة الوطنية الجامعة. وكان قد سبق له أن ناشد الكتاب والمفكرين والباحثين ليولوا موضوع سيناء اهتمامهم، ليعلم الناس ماذا يجري هناك، وواضح من المتابعة اليومية أن وضع سيناء محتقن ومتفاقم، بسبب المعالجات الخاطئة لمشاكلها، وإن كانت هذه المعالجات ليست إلا تكرارا لنمط التعامل مع باقي المصريين، من سكان الوادي والدلتا. إلا أن مصدر الاختلاف هو في نظرة السلطات إلي سيناء، فهي لا تأخذ في حسبانها لا طبيعة موقعها ولا حساسيته، كبوابة شرقية لمصر، ولا لكونها حلقة اتصال بين مصر والمشرق العربي، وبين آسيا وإفريقيا، أو امتداد جغرافي لفلسطين، المغتصبة، من قبل حركة استيطانية عنصرية، تمثل آخر نماذج دول التمييز العنصري في العالم، مما يجعل سيناء محل طمع وتهديد، بكل ما يحمل هذا من مخاطر علي مصر ودول الجوار.
سيناء منطقة استراتيجية… كانت، ما زالت، طريق الغزاة إلي مصر… علي أرضها دارت معارك كبري… بين اليهود والمصريين، وبين الصليبيين والأيوبيين، وبين العثمانيين والفرنسيين، وتواري تحت ثراها رفات آلاف الشهداء والضحايا. وقبل الدخول في صلب الموضوع، علينا التعرف علي وضعها السياسي والإداري… وهو وضع تبلور بشكل واضح مع عصر محمد علي، ومن المعروف أن والي مصر كان أول من بني شكلا إداريا نظاميا لسيناء، وذلك أثناء وضع التشكيلات الإدارية الخاصة بكافة أنحاء الولاية… أنشأ محمد علي محافظة العريش، سنة 1810، ووضع تحت تصرف محافظها قوة عسكرية تحمي الحدود الشرقية لمصر، وأقيمت نقاط الشرطة والأمن ضمانا لاستقرارها وكفالة الأمان فيها، كأساس للتوطين، واستُحدثت فيها إدارة جمركية، ومحجر صحي، من أجل ألا تنتقل الأمراض والأوبئة عبر الحدود، ولم يضم محمد علي منطقة الطور إلي محافظة العريش، وأبقي تبعيتها لمحافظة السويس، ومع تكالب القوي الأوربية الكبري عليه، نتيجة وصول جيشه، بقيادة ابنه إبراهيم إلي شمال الشام وحدود آسيا الصغري… عملت بريطانيا وروسيا وبروسيا والنمسا علي تحجيمه، وعقدوا لذلك مؤتمرا في لندن (1/5 تموز (يوليو) 1840)، وكان هدفه المعلن مساعدة السلطان العثماني علي إخضاع والي مصر وحصره داخل حدودها الجغرافية، وتلي ذلك صدور فرمان الباب العالي في سنة 1841، وبمقتضاه رسمت حدود مصر، لتبدأ من رفح، وممتدة علي الساحل الشرقي لخليج العقبة، لتشمل العقبة وضبا، والنقاط والمراكز الواقعة عليه. وإن كان اهتمام محمد علي انصب علي سيناء استراتيجيا وعسكريا، لكونها طريق جيوشه إلي الشام والجزيرة العربية، إلا أن خليفته عباس الأول، أولي اهتمامه لها كمصيف ومنتجع سياحي، ومن بعده أقام محمد سعيد باشا، حجرا صحيا في الطور لرعاية الحجاج، وبدأ عصر اسماعيل يشهد وصول الرحالة الأوروبيين إلي سيناء، للتنقيب ورسم الخرائط. أما الحدث الأكبر الذي تم في عصره وأثر بشكل كبير عليها تمثل في افتتاح قناة السويس، سنة 1869، فقد ترتب علي شق القناة بناء عدة مدن علي ضفتيها، منها مدينة القنطرة، علي طريق العريش. وخضع تطوير وتحديث سيناء لأحد معيارين، إما استراتيجي وعسكري، أو سياحي وديني، وبين الإثنين لم تلق المعايير الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية اهتماما يذكر.
وإذا ما انتقلنا إلي نمط تعامل السلطات مع السيناويين، نجده محكوما بنظرة الإدارة المصرية إليهم، وأساسها انعزالي شوفيني منغلق. تعتبرهم غرباء، مثلهم مثل باقي الأشقاء العرب. لا تعترف بهم إلا اضطرارا، ولأنها إدارة تري أن مصر غير عربية، وما دام السيناويون عربا، فمشكوك في ولائهم للإدارة المصرية، وتطبق عليهم نظرتها القاصرة، التي تربط بين العرب والبداوة، وتتخذ من ذلك مبررا للادعاء بأن المصريين فراعنة، وهنا أجدني مضطرا، إلي تكرار ما ذكرته مرارا، عن التهافت والتدليس المحيط بمعني الفرعونية، فلم نجد من بين الباحثين أو علماء الاجتماع أو المؤرخين، أو رجال الآثار الثقاة، من ادعي بأن الفرعونية جنس أو عرق أو سلالة، وكل ما قالوه انها كانت نظاما سياسيا واجتماعيا ساد مصر القديمة، وإذا كان رأس الدولة فيها قد وُصف بالفرعون، فإنه في بلاد فارس عُرف بكسري، وفي بلاد الروم كُنِّي بالقيصر، فلم نسمع بأن الفرس قالوا بأنهم شعب كسروي، ولا وصف الروم أنفسهم بالأمة القيصرية، وعندما يسود مثل هذا التهافت والتدليس علي وجدان وعقل نخب محدودة المعرفة متدنية الذكاء، فمن الطبيعي ألا تعرف من السياسة والحكم إلا النهب والترف والبطش. فتنظر إلي عرب سيناء، كمارقين في حاجة للتأديب والإخضاع بالقوة. ولهذا سمحت لنفسها أن تتعامل معهم علي قاعدة الشك وأيديولوجية التمييز، فانبنت العلاقة علي التوجس وعدم الثقة، فتكثفت معدلات الملاحقة والاحتجاز والتفتيش، وإقامة ونشر الكمائن، المثيرة للفزع في كافة أرجاء سيناء، وقابل السيناويون ذلك بالرفض والاعتراض. ولازمهم سوء الحظ، منذ أن بدأ حسني مبارك يفقد شعوره بالأمان وتركه للقاهرة واختياره شرم الشيخ عاصمة،تكفل له الحماية، وتتخذ جسرا للتطبيع، ومكانا لاستقبال الضيوف الصهاينة أو المتصهينين، وأصبح وجوده شبه الدائم في شرم الشيخ عبئا، ومن يعيش حول هذه الدائرة الجهنمية، يصبح، من وجهة النظر البوليسية، خطرا علي أمن وحياة حسني مبارك وعائلته. وموقف الأمن، رغم الاختلاف معه، يحمل بعضا من الوجاهة، فبحكم كونه يعلم حجم كراهية الغالبية الكاسحة من المصريين للحكم. فمن الممكن أن يكون أي من مسؤوليه هدفا لعنصر أو جماعة سياسية، راديكالية أو يائسة، أو أعيتها الحيل في التغيير بالسبل الديمقراطية، وهذا تعزز بالعمليات الإرهابية، التي وقعت في طابا وشرم الشيخ في السنوات الأخيرة.
ولم تكتف السلطات بالملاحقة والبطش والتعذيب واحتجاز الرهائن والتهديد بهتك الأعراض، إنما لجأت إلي الفتنة بين العائلات والعشائر، علي قاعدة فرق تسد، ووجهت إهانات بالغة إلي شيوخها ووجهائها، بأن طُلب منهم العمل كمرشدين أمنيين. أما الإهانة الأخري فلها علاقة بفلسفة اللصوصية المتحكمة في القرار السيادي المصري، وجعلت ما يسمي بالاستثمار يأتي علي حساب سيناء… بشرا وموارد وخدمات. حيث منحت أراضيها وشواطئها مجانا، أو ما يشبه ذلك للمستثمرين، بينما حرم أهلها منها، بالإضافة إلي أن سياسة الارتياب والشك وجدت صدي لدي المستثمرين، فمنعوا، بدورهم، شباب سيناء من العمل في مشروعاتهم، فزادت البطالة، وأكثر من هذا فإن كثيرا من العاملين فصلوا من أعمالهم، إما لشبهات حامت حولهم، أو لرفض بعضهم العمل كمرشدين أمنيين، وعندما تنتشر البطالة تتوفر البيئة المناسبة، ويتسع المجال الحاضن للعنف الاجتماعي والسياسي والديني. ووصل الاضطهاد حدا دفع أهل سيناء إلي تسجيل سياراتهم خارج محافظتهم، تفاديا للمعاملة السيئة عند التوقيف علي نقاط التفتيش والكمائن، ووصلت المضايقات إلي درجة اضطرت البعض إلي طلب النجدة من الدولة الصهيونية، بعد أن وصل عدد المعتقلين إلي خمسة آلاف معتقل. أي أن هناك معتقلا من بين كل 80 إمرأة وطفل وكهل ومعوق ومهاجر سيناوي. وإذا قسنا هذه النسبة علي باقي مصر لاقترب عدد المعتقلين إلي المليون، وهو رقم مرعب بكل المعايير.
وما الحل مع حكم من السهل عليه أن يصور ما يحدث بأنه عمل قلة مارقة ومندسة. ونحن نري أن الرهان علي حل يأتي من حكم يعاني من مرض عضال أصاب وعيه السياسي والاجتماعي والتاريخي، وجرده من الإنسانية، هذا الرهان غير مُجْدٍ، والحل بيد القوي الحية بين المواطنين. والمبادرة التي قام بها وفد من حركة كفاية يجب أن تكون بداية لها ما بعدها، وليس هناك ما يمنع من دراسة إمكانية تشكيل كتائب أهلية، علي غرار كتائب خدمة الجبهة، التي وقفت خلف القوات المسلحة أثناء حرب الاستنزاف وما بعدها. ولعبت دورا في رأب الصدع الذي أصاب العلاقة بين الجيش والمواطن، بفعل هزيمة 1967، وكان أحد أهم عوامل الاستبسال في حرب 1973، وسوف تجد هذه الكتائب المقترحة مخزونا هائلا من المشاعر الإيجابية مترسبة في الوجدان الشعبي، تقديرا لتضحيات أهل سيناء… فكم تغني المصريون بسيناء وبثوا أشواقهم إليها، حين وقعت أسيرة للاحتلال، وما زالت أهازيج الشعب ترن في أذان المخضرمين، وهي تخرج من أفواه فرقة أولاد الأرض السويسية تردد: فاكرينك يا سينا… قصتنا الحزينة… شهدانا في حضن أرضك… خليكي حنونة ، واستثمار هذه المشاعر تجاه أرض الفيروز والحكمة، من الممكن أن يقطع الطريق علي الفتنة، ويساهم في درء مخاطر الصهينة والتدويل عنها، ونحن نتابع موافقة المصرف الدولي للإنشاء والتعمير علي تمويل حفر قناة جديدة، تربط البحر الأحمر بالبحر الميت، وتمتد مستقبلا إلي البحر الأبيض، وهدفه تدمير قناة السويس، وقتل سيناء، وعزل مصر.
ومعني ذلك أن المسرح يتهيأ لإمكانية استغلال أي اضطرابات للتدخل الأجنبي، ونري دارفور مصرية علي نمط دارفور السودانية. وقبل كل هذا وبعده علينا تلبية دعوة يحيي القزاز، للحج إلي سيناء وتقديم كافة سبل العون لأهلها، من أجل أن تزول الغمة ولتبقي سيناء في حضن الوطن
[/right]
[/center]
[/font][/size][/font]