أسعار الحديد تجبر المصريين علي البناء دون أعمدة

أسعار الحديد تجبر المصريين علي البناء دون أعمدة

CR_Coil_Steel_Strips-300x300

تحقيق علي زلط وعادل ضرة ١٦/٢/٢٠٠٨ في ظل ارتفاع أسعار الحديد عادت إلي قري ومدن مصر - خاصة في الدلتا - ظاهرة البناء دون أعمدة خرسانية… وأصبحت ضواحي بعض المدن تتكون اليوم من كتل سكنية متلاصقة ترتفع لأربعة طوابق دون استخدام «سيخ حديد» واحد في أي من بيوتها التي تختنق بالبشر، قبل أن يخنقها الطوب المرصوص بين طوابقها بلا دعائم من حديد التسليح. هنا في حي الجمهورية بالمحلة الكبري… تتجاور البيوت المبنية من الطوب الأحمر دون تشطيب لجدرانها الخارجية… وتشق الحارات الضيقة طريقها بصعوبة وسط المنازل، في الحي الأكثر ازدحاما في المحلة الكبري. ويطلق عليه المحلاوية اسم «الصين الشعبية». جملة من المفارقات يمكن لعين الزائر أن ترصدها في الأحياء التي تبني بهذه الطريقة… أحد الشوارع في حي الجمهورية ترتفع فيه منازل اكتملت أدوارها الأولي بدون أي عمود، فيما تمتاز جدرانها بالضخامة. وتسمي هذه الجدران التي يصل عرضها إلي طوبتين بـ«الحوائط الحاملة»، فيما تقف أعمدة خرسانية مكشوفة في العراء كما يشير «علي أبوحلوة» أحد السكان إلي هذه الأعمدة، ويقول: «أصحاب هذه المساكن خسروا كل شيء… الأعمدة الخرسانية ابتلعت كل تحويشة عمرهم… وعجزوا عن استكمال مبانيهم، بانتظار أن تنفرج الأمور». «علي» يقع بيته وسط الكتلة السكنية، التي تبني دون أعمدة خرسانية، يدافع عن قراره الذي أصبح اليوم خيارا للعديد من السكان هنا، ويقول: «طول عمرنا ونحن نبني بنظام الحوائط الحاملة… وبعد ارتفاع أسعار الحديد ما من حيلة إلا أن نعود لهذه الطريقة في البناء، التي كان آباؤنا يبنون بها قبل أن تعرف مصر الخرسانة». «هاني أبوالنجا» أحد الجيران يؤكد أن هذه الطريقة لا توفر التكاليف في حديد التسليح فقط، بل تلغي تكاليف أخري مثل النجار المسلح ونصف الاستهلاك من الرمل والزلط والأسمنت، ويؤكد أنه وفر ١٦ عمودا في منزله، الذي يبني الدور الثالث فيه، كان سيدفع فيها ثمن طنين من الحديد، أي ما يقارب عشرة آلاف جنيه. أما «عبد الفتاح اللبودي» فيعتبر أحد القلائل في قرية شبرا بابل، الذي يرتفع بالطابق الرابع في منزله دون أي استخدام لحديد التسليح إلا في الأسقف التي تتوزع أثقالها علي الحوائط الحاملة. يعتقد «اللبودي»، الذي يعمل مدرسا للزخرفة في مدرسة فنية بالمحلة الكبري، أن التربة الطينية الصلبة التي تتكون منها أراضي الدلتا تساعد علي نجاح هذا النمط من البناء . أما الاحتياطات اللازمة التي اتخذها فهي مساحة الغرف التي لا تزيد علي ٤* ٤، أما الغرف التي تزيد مساحتها علي ذلك فيتم تدعيم سقفها بكمرات مدفونة، والحوائط تكون بعرض طوبة كاملة وليس نصف طوبة كما هو معتاد في المباني الخرسانية. يضيف: «صحيح أن هذا وضع قديم غير معترف به حاليا… لكن الناس تضطر للرجوع إليه بسبب التكلفة العالية لحديد التسليح». الخبراء من جانبهم شجعوا هذه الطريقة في البناء، يؤكد الدكتور ممدوح حمزة، الاستشاري الهندسي، أن هذه الطريقة تعرف بـ«الحوائط الحاملة»، وهي طريقة معترف بها عالميا، وتعتبر أكثر أمانا من البناء بالأعمدة الخرسانية، ويشدد علي أن نسبة المخاطرة فيها أقل من المنشآت الخرسانية السكنية، لأن أحمال الأسقف والأثاث تتركز علي الأعمدة الخرسانية فقط في المباني المسلحة، مما يضاعف من خطر تصدع أحد هذه الأعمدة أو تعرض الحديد فيها للصدأ. أما في الحوائط الحاملة فإن هذه الأحمال تتوزع علي جميع الحوائط كلها، مما يقلل الجهد عليها. وأكد حمزة أن البناء بحديد التسليح ظاهرة جديدة علي الشعب المصري، ولم تعرفها القري المصرية إلا بعد عودة المصريين من الخليج، وبنائهم بالمسلح لا يحقق إلا الوجاهة فقط. وتابع: «الشيء المنطقي أن يكون نمط المباني في القري والمدن التي يمكن التوسع فيها أفقيا هو الحوائط الحاملة، أما الخرسانة فهي غير مناسبة للإسكان، لأنها تتطلب تكنولوجيا عالية، ودقة في مواصفات الرمال والأسمنت، ونسب خلط الخرسانة بالماء، وهو ما لا يتوافر في الخرسانات الحالية للمنازل المصرية التي تبني بالجهود الذاتية، وغير مطلوب من المواطن البسيط الالتزام بهذه المواصفات التي تستخدم في المنشآت الصناعية والكباري والاستثمارات العقارية الكبري». وأكد حمزة أن الحوائط الحاملة أفضل من الخرسانة في كل أنواع التربة، لأن التربة التي تتحمل عمود الخرسانة - الذي يصل وزنه إلي عدة أطنان، تتركز في مساحة ضيقة - يمكنها أن تتحمل الحوائط الخفيفة في وزنها مقارنة بالأعمدة المسلحة. وطالب بدور أكبر للحكومة في دعم هذا التوجه من السكان للبناء بنظام الحوائط الحاملة، لأنها توفر ٥٠% من تكلفة التسليح، كما أنها توفر ميزات بيئية عديدة، أهمها تكييف درجة الحرارة في المنزل، لأن الحوائط السميكة أكثر عزلا للحرارة، صيفا وشتاء، خاصة إذا بنيت بالطوب الجيري الذي يملأ جبال مصر. وأضاف: «الحكومة ينبغي أن تلعب دور المايسترو في البناء بهذه الطريقة، لأن مشكلة الإسكان في مصر تحل بالحجر والطوبة». ويتفق معه في الرأي الدكتور عماد عثمان، أستاذ مساعد الخرسانة المسلحة ومدير المنشآت الثقيلة بكلية الهندسة جامعة طنطا، في أن الحوائط الحاملة يمكن استخدامها ٥ أدوار بأمان كامل بشرط إقامة المباني طبقاً للأصول الهندسية، وأن يكون الطوب المستخدم مطابقاً للمواصفات، من حيث الإجهاد وقوة الطوب وانتظام شكله، وأن يكون مكتمل الحرق بالنسبة للطوب الطفلي، وأما في حالة البناء بالطوب الأسمنتي فلابد أن يكون الأسمنت مطابقاً للمواصفات فالمباني تكون سليمة، حين يكون المتر المكعب من الرمل محتوياً علي ٣٥٠ كيلو أسمنت أي ٧ شيكارات. وأضاف أن سمك الحوائط له حسابات خاصة، بحيث تقام المباني بالدور الأرضي علي سمك طوبتين أو طوبة، ويقل سمك الجدران تدريجيا كلما زاد ارتفاع المباني المقامة علي نصف طوبة، ولا تصلح لإقامة الحوائط الحاملة. وأشار إلي أن المباني الحاملة التي تقام في الوقت الحالي لا تصلح دون أي إشراف هندسي، أو اتباع للأصول الهندسية في البناء، موضحا أن التأسيس له أصول، بحيث لابد أن تكون هناك «قاعدة خرسانية يتم تصميمها قبل المباني توضع تحت كل الحوائط حسب الأحمال بقطاع التسليح وطبقا لمتطلبات التصميم وجهد التربة أسفلها ولا توضع اعتباطا، لأن لها أصولاً وقواعد هندسية». وأعرب عن مخاوفه الشديدة علي المباني التي لا تتبع القواعد الأساسية في عمليات بناء الحوائط الحاملة، وطالب بضرورة البناء طبقا لقواعد وشروط التنظيم، لأن الارتفاعات لابد أن تكون مرة ونصف عرض الشارع، وأن تكون المباني مقامة بالشروط والقواعد الهندسية الصحيحة، وفي حالة اتباع ذلك لا خوف مطلقا علي مثل هذه المباني ذات الأسقف الحاملة، مشيراً إلي أن كلية الهندسة بجامعة طنطا تقوم بتدريس النظام الإنشائي للمباني في حالة الحوائط الحاملة.

إعجاب واحد (1)