المفهوم الحديث للهندسة العكسية

هى عملية تصميم وتطوير مبنية على الأسس الهندسية وتتم بالتسلسل المعروف لها ولكن يختصر منها بعض الخطوات التى يعتمد منها على منتج مشابه للمطلوب تصميمه من حيث الشكل والوظيفة وثبت نجاحه فى الاستخدام ، فى هذه الحالة يقتبس المصمم بعض صفات هذا المنتج القديم بأساليب خاصة ويستخدمها كما هى أو بتعديل يراه فى تصميمه الجديد .

وبذلك يقلل من عبء العمل الذى يقوم به ويكتسب قدرا من نجاح المنتج القديم مع التطوير بقدر إمكانه . وفى كثير من الاحيان يكون الهدف هو إحلال وتجديد المنتج القديم أو صناعة قطع غيار أو مكونات كاملة ( موديولات ) للمعدات .

وجدير بالذكر أن الاقتباس لا يعنى إعفاء المنتج الجديد على الأقل من خطوات المراجعة والتأهيل التى تتم فى أى عملية تصميم مثل الحسابات والاختبارات الاستاتيكية والديناميكية واختبارات الأداء والتحميل المستمر … الـخ .

ولا يجوز فى عصرنا هذا أن يكون المنتج الجديد مطابقا تماما وحرفيا للقديم لسببين هامين هما :

  1. تجنب اعتبار التصميم الجديد تقليدا واعتداء على حقوق الملكية الفكرية للمنتج الأصلى الذى يكتسب الحق فى مقاضاة المصمم الجديد بمقتضى القوانين السائدة واتفاقية الجات إذا كانت الدولة مرتبطة بها .

  2. التطور الطبيعى فى وسائل التصميم والخامات المستخدمة وطرق التشغيل تؤكد أن أى تصميم جديد مطابق تماما للقديم يعتبر تخلفا وإهدارا لمزايا النمو التكنولوجى .

ويستثنى من ذلك بطبيعة الحال ما تمليه عمليات الإحلال أو صناعة قطع الغيار من تشابه وتطابق فى نقط الالتقاء والأداء مما تمليه ضرورة التبادلية بين المنتجين القديم والجديد .

التعاقب الأمثل لخطوات الهندسة العكسية

يلجأ كل ممارس للهندسة العكسية إلى القيام بها بأسلوب يختاره لنفسه ، ويتوقف مستوى التصميم الذى يصدر نتيجة لهذا العمل على الأسلوب المتبع ومدى الجهد المبذول فيه .

فالعمل هو عبارة عن مزيج من النسخ والإبداع ولا يوجد " كود " يحدد النمط الذى يتم عليه أيهما ويضع قواعده والتزاماته ومحظوراته وفى محاولة لوضع الهيكل الرئيسى " لكود مصرى " نعدد هنا الخطوات التى يجب أن يتم عليها التصميم بالهندسة العكسية وتحول فى نفس الوقت دون مخالفة القوانين السائدة للملكية الفكرية :

الخطوة الاولى :

وتشمل التعرف على سجل حياة المنتج الأصلى وظروف أدائه لوظيفته وذلك سواء كان هذا المنتج معدة كاملة أو جزء من معدة ( مكون أو موديول ) أو مجرد قطعة غيار ويشمل هذا التعرف الأوجه التالية :

  1. الشكل العام والتكوين General Construction
  2. الأداء والكفاية Performance, Efficiency
  3. مقاومة الأحمال : استاتيكية وديناميكية
  4. Static & Dynamic Resistance Reliability. المتانة ( إمكان الاعتماد عليه )
  5. الخامات المستخدمة وخطوات التشغيل وهل تطابق الأساليب الحديثة
  6. العمر المفيد ومدى الاحتياج للصيانة Useful Life & Maintenance Requirements

وهذه تشكل ميزة كبيرة للتصميم بالهندسة العكسية عنه بالأسلوب التقليدى ، إذ أن المصمم يمكنه إجراء تقنيات " هندسة القيمة Value Engineering "على التصميم قبل أن يبدأ فيه إذا أتم المراجعات الست المنوه عنها بدقة كافية ، وبذلك يخرج تصميمه متميزا .

الخطوة الثانية :

وهى جمع المعلومات التصميمية عن المنتج المراد تصميم بديله بالهندسة العكسية ويتم ذلك بقياس كل ما يمكن قياسه على أكبر عدد ممكن من الوحدات الصالحة بقدر الإمكان ثم استقراء المعلومات التصميمية من هذه الأبعاد بتطبيق القواعد الهندسية والإحصائية كالآتى :

1- قياس الأبعاد بأقصى دقة ممكنة . وكان ذلك يتم الى وقت قريب بوسائل القياس العادية ولكن ظهرت وسائل أخرى ترفع مستوى الدقة مثل :

ماكينات القياس المجسم على ثلاثة أبعاد المبرمجة بالكمبيوتر وهى تعطى المعلومات فى صورة رقمية يمكن بها استنتاج التجاوزات والخلوصات بمساعدة برمجيات خاصة

ماكينات بأشعة الليزر والموجات فوق الصوتية والشعاع اليكترونى وهذه تتميز بإمكان قياس الأبعاد والاجزاء الداخلية دون الحاجة الى فك المجمعات ويمكن بذلك أن يتم القياس على أعداد كبيرة من العينات فى وقت قياسى .

وتستخدم هذه القياسات فى عمل مجموعة رسومات كاملة للمنتج القديم شاملة الابعاد وتجاوزاتها وخواص السطوح والمساحات المعالجة سطحيا وسمك طبقة الطلاء … الخ

2- التعرف على المواد التى صنع منها المنتج الأصلى وكافة خواصها مثل التركيب الكيميائى والخواص الميتالورجية ( المعاملات الحرارية ) والخواص الميكانيكية ، وتستخدم طرق عديدة أهمها

  • التحليل الكيميائى بالطرق التقليدية وهو اختبار اتلافى فيلزم لذلك توفر اجزاء غير صالحة .
  • التحليل الطيفى Spectrographic Analysis وهو اتلافى أيضا فى اغلب الأحوال ويتم به التعرف على الخواص الميتالورجية ( المعاملات الحرارية ) والمعالجات الحرارية .
  • الخواص الميكانيكية : مثل المقادير القصوى لقوة الشد والصلادة والقص والتحمل الزمنى endurance ومقاومة الصدمات impact resistanceوهذه جميعا اختبارات اتلافية وتتم إما بإجراء اختبار استاتيكى على الجزء الكامل والتعرف على إجهادات الكسر وإما قطع أجزاء وتشكيل عينات اختبار منه .
  • الخواص الطبيعية : مثل الوزن والكثافة وموقع مركز الثقل والخواص المغناطيسية ومعامل التمدد الحرارى ومعامل المرونة … الخ .
  • الخواص الديناميكية مثل مقاومة الاهتزازات والجسادة Toughens
  • المسح الميكروسكوبيMicroscopic Scanning. . باستخدام الميكروسكوب الماسح وهذا أحدث أسلوب تحليلي لان هذا الميكروسكوب ببرمجياته وتحكمه الرقمي يستطيع الحصول على قدر كبير من المعلومات.

وحصيلة هذه الاختبارات والبحوث جميعا هو التعرف على أقرب ما يقابله من المواصفات النمطية فإذا أضفنا إلى ذلك ما سبق أن حصلنا عليه من معلومات عن الأبعاد يصبح لدينا رصيدا من المعلومات يكفى لوضع مواصفات كاملة للمنتج القديم. ويكون لذلك أهمية إذا ما أريد إنتاج الجزء كما هو تماما وهو الأمر الذي يكاد يكون معدوما في عصرنا الحديث للأسباب السابق ذكرها في جزء سابق من هذا العمل.

وجدير بالذكر أنه لا يمكن القول بان هذه المعلومات التي سبق جمعها في هذه الخطوة الثانية ومهما بلغت درجةدقتها فإنها لن تصل إلى التصميم الأصلي بنسبة 100% ولكن تبقى بعض الاختلافات التي قد لا تكون هامة ولا تؤثر في الوظيفة أو التبادلية ولكنها ترجع إلى تباين أسلوب التفكير لأي مصمم عن الآخر.

الخطوة الثالثة:

هي التصميم الجديد الذي يعتمد على التصميم القديم ويطبق ما يلزم من التشابه والتبادلية Interchangeability ، ويأخذ في الاعتبار الأتي :

  1. كل ما سبق جمعه من معلومات عن تاريخ المنتج الأصلي والمشاكل التي حدثت له ويدخل في تصميمه ما يكفل تلافيها.
  2. مراجعة قائمة المواد التي استخدمت في المنتج الأصلي وكذلك الأجزاء النمطية ويتخذ القرار بشأن استبدالها بأخرى حديثة إذا ثبت أفضلية الأخيرة أو عدم توفر الأولى .
  3. تطبيق قواعد هندسة القيمة على التصميم القديم بعد التعرف الدقيق والشامل على وظيفته وذلك بهدف التحسين والتطوير .
  4. دراسة إنتاجية التصميم الجديد بالنسبة للوسائل المتاحة ومراعاة استبدال أي تصميمات يكون المنتج الأصلي قد اعتمد على إمكانات خاصة (ربما بسبب كبر حجم إنتاجه ) ومثال ذلك المكبوسات والمسبوكات والمطروقات التي تحتاج لعدد خاصة. ويمكن في هذه الحالة تغيير التصميم ليوافق الإمكانات المتوفرة .

الخطوة الرابعة:

تمثل مرحلة الحسابات التصميمية وهى تطابق تماما ما يتم فى أنظمة التصميم النمطية :
· يتم من خلال دراسة وظيفة المنتج التعرف على الأحمال الاستاتيكية التي تقع على المنتج وعمل "تحليل أحمال Load Analysis " ثم يتم حساب الاجهادات ومقارنتها بقوة تحمل الخامـــــات وخاصة إذا كان قد تم استبدال الخامات .
· يتم من نفس المصدر التعرف على الأحمال الديناميكية والصدمات التي تؤثر على المنتج وكذلك المستوى المقبول للاهتزاز المستمر ثم توضع الحلول لكبح الاهتزازات وتحقيق التوازن الديناميكي .
بهذه الحسابات وبالحلول التي وضعت يكون المنتج صالحا من الناحية النظرية.

الخطوة الخامسة :

وهى النهائية وتشمل الجانب التجريبي الذي يكفل إثبات صلاحية المنتــــج ومطابقته للمواصفـــات الهندسية والعالمية ويوضع برنامج إجراء العديد من الاختبــارات علـــى المنتجات في الحدود القصوى بقدر الإمكان وفى حالة اجتياز المنتج لجميع هذه الاختبارات يصبح مؤهلا لممارسة وظيفته ويمكن أن يعرض على جهاز الاعتماد إن وجد .

إعجاب واحد (1)

مشاركة ممتازة مع اني ليس تخصصي ولكن ا عجابني شرحك شكرا

إعجاب واحد (1)

أشكرك للمتابعة وتقييمك للموضوع

بارك الله فيك

وبارك الله فيك أخى

جزاك الله خيرا مهندس صلاح وللعلم فقد تم اضافة الموضوع لمجلة المهندس

بارك الله في حضرتك يا باشمهندس صلاح
الههدسة العكسية نفسي نحييها في مصر لأنها أول خطوة على سبيل إحياء الصناعات الصغيرة والمصانع التي تتكون فقط من 20-60 عامل لأن هذه المصانع وانتشارها هو السبيل الوحيد لإيجاد صناعة محلية تتنامى مع مرور الزمن في ظل تنافس محمود بعيد عن بلطجة الرأسمالية.

إعجاب واحد (1)

فكرة أحياء الهندسة العكسية فى مصر فكرة رائعة مهندس أبو انس وتريد من يتبناها …

عاوزين يا باشمهندس نحيي هذه الفكرة سوياً، أنا بالعضلات :slight_smile: وحضرتك بالخبرة والفن والعلم
المهندس محمد زوبع بدأ بالفعل يعطي دورة أثارت إعجاب كل الحاضرين حتى غير المتخصصين عن التحكم باستخدام plc عن طريق ملتقى الدارين
لو عند حضرتك وقت في إعطاء محاضرات عن الهندسة العكسية وتحدياتها، لأنني فوجئت أو صدمت عندما فكرت إني أبحث عن الموضوع بنفسي وكتبت في العم جوجل “هندسة عكسية” فكانت صدمتي إن كل نتائج البحث كانت تتكلم عن الهندسة العكسية في البرمجيات، يعني عن كيفية عمل الكراكات واختراق المواقع، قلت يا خبر أبيض هو احنا لسه ما نعرفش يعني آيه هندسة عكسية إلا في الفشل، وصدقاً لم أجد رابطاً واحداً قادني للتحدث عن الهندسة العكسية بالفمهوم الذي نتحدث نحن عنه الآن.

أنا عارف إن فيه شركات تعمل بطريقة الهندسة العكسية في مصر وهي تقوم بتطبيق كلام قريب جداً من اللي حضرتك قولته منهم شركة الحرمين والتي تعتمد فقط في الهندسة العكسية على محاكاة الفكرة ولا تتوقف عن حد النسخ الكربوني مما يوفر عليها شراء المنتج الأصلي من جهة وكذلك تتيح له فرصة تطوير منتجه أو إقصاء الخواص الزائدة عن الحاجة من أجل جعل منتجه أرخص من جهة أخرى.

وأنا بصراحة أثيرت هذه الفكرة في نفسي من حوالي 4 سنوات عندما كنت أشتري مروحة سقف، وكان البائع صديق لوالدي فرأيت عنده مروحة تشبه المروحة ناشيونال بالضبط وفوجئت أن سعرها على ما أذكر كان فقط 90 جنيه أي بفارق 20 جنيه عن المروحة تاتا الصينية، وكانت هذه المروحة المنسوخة صناعة مصرية فاشتريتها من أجل التحقق من مدى كفاءة الهندسة العكسية، وكانت النتيجة رائعة جداً فالمروحة المنسوخة لا تختلف في الأداء أبداً عن شقيقتها ناشيونال الياباني الأصلية عند والدي، فأدائهما سواء ولكن السعر الثلث فقط تقريباً، فأدركت ساعتها أن الهندسة العكسية فعلاً سبيل نجاح وباب رزق حسن.

وقصة الصناعات الصغيرة فهناك جار لي لديه ورشة صغيره جداً يعمل فيها حوالي 8 شباب وهم يقومون بصناعة سراير المولود عن طريق محاكاة صور يجمعونها، والمنتج رائع وأنا اشتريت واحداً منها بسعر 110 أو 100 على ما أتذكر وكان صافي ربحه الشخصي فيه 10-15 جنيهات بعد العمالة والإيجار والكهرباء وكل شئ، المهم إني لما رحت التوحيد والنور رأيت أن السرير المشابه يتراوح سعره بين 200-300 جنيه.

الورش والمصانع الصغيرة محتاجينها جداً وأحسن حاجة تفتح لها باب رزق ومجال عمل هي الهندسة العكسية والله المستعان

إعجاب واحد (1)

تحية للمهندس أبو أنس صاحب الافكار البناءة

الهندسة العكسية علم لا يقل أهمية عن الهندسة التقليدية التى تبى على الفكرة ثم التصميم ثم التنفيذ لهذه الفكرة وأخراجها للواقع العملى والتطبيقى … بل أن الهندسة العكسية هى فى الحقيقة وأن جد التعبير أصعب شوية من الهندسة التقليدية لآنها فى الواقع تحتاج الى خبرة لمحاكاة ومعرفة كيف فكر المصمم فى تنفيذها وما هى ادواته فى التنفيذ حتى تم الوصول لهذا الهدف وهذا المنتج وهذا يحتاج لبعض المجهود بداية من تحليل الخامات بالمعامل ورفع الأبعاد والمقاسات Dimensions وعلاقتها بالتجميع Fits ثم عمليات التشغيل وتخطيط عمليات التنفيذ والعدد الازمة لأنتاجها وأختيار الطريقة المثلى للتنفيذ بأقل الأمكانات المتاحة … ودون تكلفة كبير ة فى البدية ، حيث أن بعض المنتجات تحتاج لأعداد نماذج مثل عمليات السبك مثلا … المهم فموضوع شيق ويحتاج لمزيد من الفهم والتوسع للوصول للنتائج المرضية والمتطابقة للواقع …

و من ضمن أستخدامات وتطبيقات الهندسة العكسية ( تصنيع قطع الغيار للمعدات والماكينات والتى ليس لها قطع غيار متوفرة يالسوق ) وتمر بنفس المراحل ولنجاحها لابد من معرفة الخامة الأصلية للمنتج والأبعاد والمقاسات لتجديد الأجزاء الميكانيكية وتحليل اسباب الأنهيار لها … وتحليل سبب أنهيار كسر الجزء وتحليله ليس يعتمد بالضرورة فقط على تحديد الخامة الأصلية التى أنتجمنها الجزء ولكن الأهم من ذلك بعد التحليل لأسباب الكسر والأنهيار هو ان ( يتم أختيار خامة أحسن وافضل من التى صممت منها الجزء فى بدايته حتى لا يحدث كسرة وتلافى أنهيارة مرة أخرى ) وهذا هو الأهم من التصميم الأصلى ، وفى الواقع أن هذا الموضوع يحتاج فعلا لأعادة أحياء كما ذكر المهندس أبو أنس فتح الله عليه.

إعجاب واحد (1)

طيب يا هندسة ويا أستاذنا الكبير، آيه النظام :slight_smile: هل لديك فكرة أو نية لتجهيز محاضرتين أو ثلاثة أو يا حبذا لو كان أكثر حول الهندسة العكسية مبادئها وتقنياتها وتحدياتها ومتطلباتها ومدى أهميتها في الفترة القادمة في مصر.

إعجاب واحد (1)

جزاكم الله خيرا ونفع بكم
الموضوع رائع

وجزاك الله خيرا يا مهندسة رحمة

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
شكرا جزيلا على الموضوع. الحقيقة كان في الكثير من المعلومات و كان مرتب بشكل ممتاز يدل على فهم عميق للموضوع. ان مهتم بموضوع الهندسة العكسية في مجال تصنيع قطع الغيار و الالات كاملة. و لي تجارب منذ سنه 2001. و تكللت بالنجاح و الحمد لله. شكرا مرة اخرى على طرح الموضوع.

إعجابَين (2)