جزاء المُحسنين ( قصّة )

بسم الله الرّحمن الرّحيم
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إخواني وأخواتي روّاد مُنتدى المُهندس؛

:: مقال رائع ::
ومادة قيّمة، أسأل الله تعالى أن ننتفع منها.

أ. عبدالرحمن محمد أحمد الحطامي.

جزاء المُحسنين ( قصّة )

/

/

جزاء المُحسنين ( قصّة )

ثلاثة جمعَتْهم حارةٌ منذ نعومة أظفارهم، يلعبون ويمرحون، لا يدخل أحدهم بيته حتى يسمع صوت أمه أو أبيه، وجمعَتْهم مدرسة حارتهم، حتى شَبُّوا وهم على ذلك، وفرَّقَتهم طموحاتهم في الحياة؛ فمنهم مَن اختار دراسة الطب، ويُمنِّي نفسه بالشُّهرة والمركز الاجتماعي المرموق، والثاني: اختار دراسة الإعلام، ومنَّى نفسه أن يكون مدير برامج تَكتب عنها الصحف والمجلات ويُشار إليه بالبنان، وأما الثالث: فكان يُمنِّي نفسه أن يكون عالمًا فقيهًا في مقارَنة الأديان؛ يردُّ ويُفنِّد شبهات الخرَّاصين الطاعنين، ويُبرهن بالدعوة العملية والحُجة والأدلة على عظمة هذا الدين وقِيَمه ومُثُله الراقية في حِفظ النسل والعقل والمال والعِرض…

كان رفيقَا دربه ينكرون عليه تفكيره هذا، ويعتبرونه مَسًّا مِن الجنون والغباء ويسخرون منه: “لننظر كيف تعيش وتبني مستقبلك بدل انشغالك بمعاركك الفكرية والدينية”.
لكنَّ صاحبنا الذي آثَر دينه على دنياه، ابتلاه الله برعاية والده المريض، فأصبح طريح الفراش لا يستطيع الحركة، مما اضطره للعمل ببيع الخضراوات، وترك دراسته الجامعية، وهو يحتسب أجر بِرِّه وإحسانه ورعايته لوالديه وإخوانه الصغار.
ومرت الأعوام، ولا يزال هاجسُ تعلُّم أصول الفقه ومقارنة الأديان لا يفارقه، حتى حقق الله له مُبتغاه؛ إذ جاءه يومًا رجل ثريٌّ يبتاع منه بعض الخضراوات، وكان على عجلة من أمره؛ فسقطت محفظته بعد أن دفع قيمة ما اشتراه وانصرف، لم يتنبه صاحبنا للمحفظة حينها، ولكنه رآها بعد انصراف الرجل، فاطَّلع عليها فوجد فيها وثيقة شَراكة مع كُبرى شركات الطائرات العملاقة في العالم وبعض الدولارات وعملات أجنبية.

الثراء الفاحش بين يديه، يستطيع بهذه الأموال معالجة والده في أكبر مستشفيات العالم، كما يستطيع شراء أضخم بيت له ولمن يعولهم وتنتهي مشكلة الإيجار المزعجة؛ هكذا حدثته نفسه، فهل استجاب لها؟
استشعَر “مُحسن” أنه يتعرض لفتنة: إمَّا أن ينجو منها ويُثبتَ لله صِدق ولائه لدينه ويقينه بما عنده، ومن ترك شيئًا لله أبدله الله خيرًا منه، وإما أن يبيع دِينه بالعَرَض الذي بين يديه ويعيش عِيشة الأغنياء بعد أن تكبَّد وَيْلات الفقر والحرمان.
عقد “محسن” العزم على إثبات صدق إيمانه ويقينه بما عند الله، وأخذ يبحث في المحفظة لعله يجد عنوانًا أو رقمًا يدله على صاحب المحفظة، لكنه لم يجد شيئًا، حار في أمره كيف يفعل؟ لم يجد بُدًّا من الانتظار حتى يجد طريقةً توصله لصاحب المال فيؤدي إليه ماله محتسِبًا ذلك عند الله تعالى…

وضع “محسن” رأسه على فراشه لينام كعادته، غير أن النوم جفاه! أخذ يتقلَّب علَّ النوم يرِق لحاله ويداعب عينيه ويأخذ قِسطه منه؛ لينهض نشيطًا ليوم جديد من العمل والكفاح، لكنَّ النوم ليلته هذه له فيها شأن آخر!
همسة روحانية أخبرَتْه بتوسُّل الصالحين إلى الله حين يغشى أحدهم الكرب بركعتين خاشعتين، تدفع عنه مضرَّة متحقِّقة، أو تجلب له منفعة مرجُوَّة؛ نهضَ وتوضَّأ واستقبَل القِبلة، وهتف بصوت الخاشع الخاضع الذليل: “الله أكبر”، ودعا الله مستشفِعًا بدمعتين حارَّتين أن يدفع عنه كل فتنة تصرفه عن مرضاته، وأن يأخذ بناصيته لما يحبه ويرضاه، وأن يقدِّر له الوصول لصاحب المحفظة والمال، وأن يريح له البال حتى يستريح وينام…

أنهى “محسن” صلاته، وعاد إلى فراشه، فاحتضنه النوم على الفور كحبيب اشتاق لحبيبه والْتقاه بعد طول فراق.
وفي نوم هانئ مريح، يرى “محسن” في نومه صاحب المحفظة وهو يبتاع منه وتسقط محفظته بينما كان على عجل من أمره، ويرى ما يشبه البطاقة أو الكارت يسقط كذلك من الرجل ويختلط بين الخضراوات.
ويقوم “محسن” لصلاة الفجر، وقد عزم البحث الحثيث في الخضراوات؛ لعله يجد ما رآه في منامه ويتوصل للرجل فيسلمه محفظته وماله من غير انتظار شُكر منه أو مكافأة…

ووجد “محسن” فعلًا كارتًا فيه اسم الرجل وأرقامه وعنوان بريده الإلكتروني كمدير تنفيذي لأكبر الشركات التجارية في البلاد، استبشَر “محسن” كثيرًا وحَمِد الله على ذلك، وانطلَق مباشرةً إلى تلك الشركة وطلب لقاء مديرها التنفيذي؛ لم يُصرِّح “محسن” بحقيقة مجيئه للقاء مدير الشركة؛ ولذلك رَفضت السكرتارية أن تأخذ له الإذن ليلتقي بالمدير، ولعلها ظنَّتْه متسولًا، ولكنَّ “محسنًا” أصرَّ على لقائه مع احتفاظه بسِرِّية موضوع اللقاء.
ارتَفع صوت “محسن” وصوت سكرتير المدير، وتدخَّل رجال أمن الشركة محاولين تهدئة الطرفين مع محاولة جَرِّ “محسن” وإخراجه خارج غرفة الإدارة، وبينما يحاول “محسن” تلطيف الجو الساخن، وكسْب رجال الأمن لصفِّه، ومحاوَلة السماع منه وتفهُّم قضيته، تذكَّر الكارت؛ فأخرجه من جيبه، ورأوا معه ما يدُل على تعرُّفه المُسبق بالمدير، ودخل السكرتير ليخبر المدير بالأمر ويأخذ منه الإذن بالدخول.

[color=Brown]دخل “محسن” غرفة المدير التنفيذي لأكبر شركة، وصافَحه مُرحِّبًا به، وفي عينيه نظرات ونظرات.
:diamonds: محسن: “لعلك تذكرني سيدي”.
:diamonds: المدير: “قد الْتقيتُ بك، غير أني لا أذكرُ أين؟ ومتى؟”
:diamonds: محسن: أتَذكرُ مرةً ساقتك الأقدار لحارة المحسنين، وابتَعتَ مِن صاحب خضار، ودفعتَ له الحساب، وكنتَ على عجل من أمرِك؟
لم يفرغ “محسن” مما قاله حتى استشاط المدير غضبًا وأخذ يصيح: “مِن أين حصلتَ على الكارت؟ إلَّا أن تكون قد انتشلتني أو أرسلوك كي تساومَني أو تبتزَّني”.

وطلب من رجال الأمن تسليمه للشرطة والتحقيق معه بتهمة إزعاج مدير الشركة وابتزازه لصالح جهة مجهولة.[/color]

أمام هذا السَّيْل العدواني الذي لم يتوقعْه بهذا الشَّكل المفاجئ، لم يجد إلَّا أن يُخرج محفظتَه ويرميَها له على مكتبه؛ علَّه يُراجع نفسه وينتهي عن عُنفُوانه ناحيته وكَيْل التُّهَم إليه دونما وجه حق.
وتوجَّه “محسن” للشرطة، وأخذوا إفادته كما وقع، وبينما يُوقِّع “محسن” على صِحَّة إفادته، يدخل مدير الشركة مطالبًا تسريحه، ويؤكِّد صِدقه، ويعتذر عن سوء الفهم الذي حدث، ويترجَّى من “محسن” قبول استضافته في مكتبه.
انفَرد المدير بمحسن في مكتبه، واستمع إليه جيدًا، وعبَّر له عن امتنانه وإعجابه بنزاهته وأمانته.
وأقسم حالفًا أن يتكفَّل بعلاج والده خارج البلاد على حسابه الخاص، ووَجَّه مباشرةً بذلك.

ثم ترجَّى من “محسن” أن يقبل منه ثلاث هدايا يريد بها وجه الله تعالى صدقة جارية:
1- أن يدرس ما كان يطمح إليه حتى يأخذ الدرجة العليا في ذلك على حسابه.
2- أن يقبل منه بيتًا اشتراه له ولعائلته هديةً منه.
3- أن يعمل في شركته، ويختار ما يناسبه من الأعمال.
اضطُر “محسن” أن يقبل بعد إلحاح شديد منه، وتذكَّرَ قول الحبيب المصطفى: ((مَن ترك شيئًا لله، عَوَّضه الله خيرًا منه)).

المصدر/ شبكة الألوكة.

اللّهمّ أعنّا على ذكرك وشُكرك وحُسن عبادتك.

إعجاب واحد (1)