حال الدنيا

بسم الله الرّحمن الرّحيم
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إخواني وأخواتي روّاد مُنتدى المُهندس؛

:: في رحاب الكتابة الأدبية ::
مقال وعظي؛
أسأل الله تعالى أن ننتفع منه.

د. عبدالحكيم الأنيس.

حال الدنيا

/

/

حال الدنيا

(كنتُ أقيّد ما يمرُّ بي في أثناء النظر في الكتب ما يتعلق بحال الدنيا وتقلُّبها، ثم رأيتُ الحافظ ابن رجب -رحمه الله- قد أورد كلامًا رائعًا في ذلك في كتابه “لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف”، ولعله أفاد فيه من ابن الجوزي - رحمه الله -، فأحببتُ إفرادَه والتنبيهَ عليه، ولفتَ النظرِ إليه..

[color=navy] وهذا هو الفصل المراد، مضبوطًا، مُفقّرًا، مفصولًا بين نقولاته؛ لتُقرأ براحةٍ ويُتأمّلَ فيها، مُعلقًا عليه تعليقات يسيرة.

وأدعو مَنْ يقرأه أن يُضيفَ إليه، ويزيدَ عليه، مما قرأ، أو رأى، أو سمع.

نبّهنا اللهُ مِنْ رقدة الغافلين، وجعلنا من الـمُتّعظين.

وجزى اللهُ ابنَ رجب خيرَ الجزاء على هذا الجمع المفيد، والتوجيه السديد).[/color].

[color=green]قال رحمه الله:

"وفي القرآن نظيرُ هذا وهو التعريضُ بذمِّ الدنيا وفنائِها، مع مدح الآخرة وذكرِ كمالها وبقائِها، كما قال تعالى: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ * قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾[آل عمران: 14، 15][/color].

[color=brown]وقال اللهُ تعالى عن مؤمن آل فرعون أنه قال لقومه: ﴿ يَاقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ ﴾ [غافر: 39].

والمتاع: هو ما يتمتعُ به صاحبُهُ برهةً ثم ينقطع ويفنى.[/color].

فما عِيبتْ الدنيا بأكثر مِنْ ذكر فنائِها وتقلُّب أحوالها، وهو أدلُّ دليلٍ على انقضائها وزوالها، فتتبدلُ صحتُها بالسقم، ووجودُها بالعدم، وشبيبتُها بالهرم، ونعيمُها بالبؤس، وحياتُها بالموت، -فتفارق الأجسامُ النفوس-، وعمارتُها بالخراب، واجتماعُها بفرقة الأحباب، وكلُّ ما فوق التراب تراب..

قال بعضُ السلف في يوم عيدٍ -وقد نظرَ إلى كثرةِ الناسِ وزينة لباسهم-: هل ترون إلا خرقًا تبلى، أو لحمًا يأكله الدودُ غدًا؟
كان الإمامُ أحمد -رضي الله عنه- يقول: يا دارُ تخربين ويموتُ سكانُك.
.

وفي الحديث: عجبًا لمن رأى الدنيا وسرعةَ تقلُّبِها بأهلها كيف يطمئنُّ إليها!..

قال الحسنُ: إنَّ الموتَ قد فضحَ الدنيا فلم يدعْ لذي لبٍّ بها فرحًا.
وقال مطرِّف: إنَّ هذا الموتَ قد أفسدَ على أهل النعيم نعيمَهم، فالتمِسوا نعيمًا لا موتَ فيه…
.

وقال بعضُهم: ذهبَ ذكرُ الموت بلذةِ كلِّ عيشٍ، وسرورِ كلِّ نعيمٍ. ثم بكى وقال: واهًا لدارٍ لا موتَ فيها.
وقال يونسُ بن عبيد: ما ترك ذكرُ الموتِ لنا قرةَ عينٍ في أهلٍ ولا مالٍ…
.

وقال يزيدُ الرَّقاشي: أمنَ أهلُ الجنة الموتَ فطابَ لهم العيش، وأمنوا الأسقام، فهنيئًا لهم في جوار الله طولُ المقام….

عيوبُ الدنيا بادية، وهي بعِبرِها ومواعظِها مُنادية، لكنَّ حبَّها يعمي ويصم فلا يَسْمع محبُّها نداءَها، ولا يرى كشفَها للغير و إيذاءها.
قد نادت الدنيا على نفسِها لو كان في العالم مَنْ يَسْمعُ كم واثقٍ بالعُمْرِ أفنيتُهُ وجامعٍ بدَّدتُ ما يجمعُ
كم قد تبدَّل نعيمُها بالضر والبوس؟
كم أصبح مَنْ هو واثقٌ بملكها وأمسى وهو منها قنوط يؤوس؟.
.

قال بعضُ السلف: ما مِنْ حَبْرةٍ إلا يتبعها عَبرة، وما كان ضحكٌ في الدنيا إلا كان بعده بكاء….

:diamonds::diamonds::diamonds::diamonds::diamonds:

مَنْ عرَفَ الدنيا حقَّ معرفتها حقرَها وأبغضها كما قيل:
أما لو بِيعتْ الدُّنيا بفلسٍ *** أنفتُ لعاقلٍ أنْ يشتريها
ومَنْ عرَفَ الآخرة وعظمَتها رغبَ فيها…
.

المصدر/ شبكة الألوكة.

أقصوصة جميلة حتى لو كانت من نسج الخيال؛
إلاّ أنّ فيها توافُقًا كثيرًا مع حكايات الواقعِ!

اللهم نسألُك أمن الأوطان لجميع المُسلمين؛ آمينَ.