حين يفكر الكومبيوتر مع قبطان السفينة

غرق السفينة تايتانيك دفع الحكومات في عام 1913 إلى إنشاء اتفاقية لحماية الأرواح في عرض البحار، لكن الاتفاقية رغم تجديدها لم تمنع حصول حوادث غرق لسفن عديدة، أغلبها بسبب أخطاء بشرية، فهل يساعد الكومبيوتر في تجنب غرق السفن؟

اُعتبرت سفينة التايتانيك في حينها، أنها السفينة “التي لا تغرق أبدا”. لكن هذا التصور أثبت خطأه بعد مقتل 1500 شخص، بسبب غرقها. هذه الكارثة أيقظت آنذاك الحكومات ودفعتها إلى التوقيع على اتفاقية دولية لحماية الأرواح في عرض البحار أو ما يعرف باتفاقية (SOLAS)، وذلك في نوفمبر من عام 1913. وحتى اليوم تخضع عمليات بناء السفن إلى هذه الاتفاقية، التي تم تجديدها منذ ذلك الحين لمرات عدة، لتلاءم وتواكب التقنيات الجديدة. غير أن مشكلات بناء السفن مازالت لم تتغير إلى درجة كبيرة لغاية الآن.

بوابات الأمان

أسباب الغرق

يرجع وقوع حوادث غرق السفن في العادة إلى ثلاثة أسباب رئيسية: إما لاصطدام السفينة بشي ما يحدث ثقبا معينا في هيكل السفينة ليتدفق الماء داخل بدن السفينة ويغرقها، مثلما حدث مع السفينة تاتيتانيك أو لاندلاع حريق أو انفجار يؤدي إلى غرق السفينة. أما السبب الثالث فهو غرق السفن بسبب الأمواج العملاقة.

لتجنب غرق السفينة بسبب حدوث أحد الأسباب الثلاثة، يجب العمل على عدم تدفق المياه إلى داخل السفينة. ما يعني، أنه في حال حدوث ثقب ما في بدن السفينة الخارجي، يجب عزله تماما لمنع تدفق المياه إلى الداخل، وهذا الأمر يتطلب بناء بدن داخلي بالإضافة إلى الخارجي. مثلما يقول البروفسور برونسارت المتخصص في بناء السفن في جامعة روستوك الألمانية.

مابين البدنين تبنى أقسام عازلة، يتم تدعيمها بشكل متين، خاصة بالنسبة لسفن الشحن العملاقة، التي تحتاج إلى متانة كبيرة لتحمل البضائع. وبين هذه الغرف يتم توزيع عدد من الأبواب، التي يمكن إغلاقها بشكل سريع من غرفة القيادة، في حال وقوع الحوادث. سفينة التايتانيك كانت تمتلك خمسة عشر قسما وست عشرة بوابة. خمسة من هذه الأقسام امتلأت بالماء بعد اصطدام السفينة بالجبل الجليدي، ولم تتمكن من عزل البدن الداخلي، لأنها لم تصمم بشكل صحيح، أي فوق مستوى الماء، ما دفع المياه للتدفق إلى بدن السفينة الداخلي والأقسام الأخرى.

لكن، رغم التصاميم الجديدة لبناء السفن، فإن الكثير منها مازالت تعاني من عيوب كبيرة. خاصة تلك التي تؤدي إلى جنوح السفن العالية منها. وهو ما يشغل مهندسي بناء السفن. عن ذلك يقول المهندس اوله روتغيرسن من جامعة تشالمرز في السويد :”أغلب السفن السياحية الحديثة لم يتم بناؤها بطريقة آمنة مثلما تم بناء التايتانيك”. ويضيف قائلا: “في التايتانيك كان الخطأ الأساسي، الذي أدى إلى غرقها، هو أن الجدران العازلة للماء لم تبنى بعلو مناسب. لو تم بناؤها بهذا الشكل، لما غرقت التايتانيك ربما”. وحادثة السفينة الايطالية كوستا كونكورديا في مطلع هذا العام دليل على أن بناء السفن الحديثة ليس صحيحا كما يشاع. فقد جنحت السفينة الايطالية بسرعة أكبر مما كان مع التايتانيك. مثلما يقول المهندس اوله روتغيرسن.

السفينة الايطالية الجانحة كوستا كونكورديا

نظام تنبؤ مسبق

بسبب التقنيات الجديدة للاتصالات وتوقعات الأجواء الجوية، فإن السفن غالبا لا تتعرض للمخاطر. فهي تعتبر من أكثر وسائل النقل أمانا. وحسب البروفسور برونسارت، فأن أكثر من ثمانين بالمائة من حوادث السفن، سببها أخطاء بشرية، لا الأخطاء التكنولوجية. ولغرض تجنب حوادث السفن ودعم طاقم السفينة لاتخاذ القرارات المناسبة في حال حصول حوادث، طوّر المهندس ديرك درايسيغ من مؤسسة روستوك لتقنيات الأمان البحري، نظاما يربط كاميرات السفينة ومجساتها ببرنامج كومبيوتر موحد، يمكنه التنبؤ بالأحداث القادمة في حالات الطوارئ.

ويقوم هذا النظام مثلاً بتزويد الطاقم بالمعلومات الضرورية والخطوات القادمة في حالة حدوث حريق في غرفة المحركات. كما يمكنه حساب نسبة الخسائر والمخاطر في حال تضرر بدن السفينة. وفي حالة تدفق المياه إلى داخل أحد الأقسام، فإنه يبلغ القبطان ما الذي يمكن أن يحدث للسفينة. وكيف يجب أخلاء السفينة بشكل مناسب أيضا. ويعطي النظام معلومات كاملة للقبطان، لكن الأوامر والقرارات بإغلاق بوابات الأمان والإجراءات التي يجب اتخاذها، حسب قوانين البحار، تبقى بيد القبطان وحده. كما أنه يتحمل وحده المسؤولية عن كل قرار يتخذه.

فابيان شميدت/ عباس الخشالي
مراجعة:هبة الله إسماعيل

إعجاب واحد (1)