مراحل تطور مهنة الهندسة

من الممكن أن نقول بأن علم الهندسة قد بدأ بشكله الأولي منذ 600 عام قبل الميلاد وذلك في آسيا الوسطى، ومنذ تلك الفترة بدأ الإنسان في حرث الأرض وشق الطرق وإقامة الجسور وتشييد القناطر وبناء بيوت له مصنوعة من الطين والحجر.

وفيما بعد ارتبط ظهور علم الهندسة والمهندسين بقيام الحضارات الأولى مثل حضارة وادي النيل وحضارة بلاد الرافدين والحضارة الهندية والحضارة الإغريقية. ولعلنا نستطيع أن نقول أن أحد أعظم أعمال الهندسية في العصور القديمة كان بناء الأهرامات المصرية سنة 2000 قبل الميلاد حيث استغرق بناؤها أكثر من عشرين عاما، وقد استخدم في بناء هرم خوفو وحده أ:ثر من 2,300,000 قطعة حجر زنة الواحدة منها أكثر من طنين، وقد بلغ ارتفاعه 146 مترا، كما بلغت أطوال قاعدته درجة متناهية في الدقة وبانحراف مقداره بوصة واحدة فقط من أصل طول القاعدة البالغ 230 مترا، أي بدقة متناهية تصل نسبة الخطأ فيها إلى 0,011% فقط. وهناك معلم آخر من معالم الهندسة في العصور القديمة لا يزال ظاهرا للعيان في وقتنا الحاضر وهو سور الصين العظيم، فقد بني هذا السور سنة 300 قبل الميلاد وقد بلغ طوله أكثر من 2400 كيلو مترا، أي أطول على سبيل المثال من المسافة بين مدينة الكويت ومدينة جدة على ساحل البحر الأحمر (حوالي 1800 كلم) وقد بلغ ارتفاع ذلك السور 7,62 مترا وعرضه 4,5 مترا، ولا يزال هذا السور بعد ألفين وثلاثمائة عام شامخا دليلا على مهارة وحنكة المهندسين الصينيين القدامى.

وخلال العصور الوسطى حمل العرب والمسلمون راية العلم مؤسسين أول حضارة عالمية حيث شارك في تأسيسها واستمرارها شعوب وأجناس مختلفة من البشر، ولم تكن هذه الحضارة العالمية حكرا لشعب أو عرق دون غيره من الشعوب، حيث برع المسلمون في كثير من علوم الهندسة كعلم الميكانيكا والذي كان يسمى علم الحيل، وكذلك علم البصريات والكيمياء وأيضا علم الهندسة الإنشائية والعمارة، وخير شاهد على تفوقهم في تلك المجالات هو ضريح تاج محل في ولاية كشمير، حيث قام ببناء ذلك الصرح ملوك المغول المسلمين، وقد استغرق بناؤه زهاء خمس سنوات، ولا يزال هذا الصرح قائما يمثل جمال البناء وروعته حيث اعتبره كثير من المؤرخين بحق أحد عجائب الدنيا السبع.

وفي القرن الماضي شهدت حركة التصنيع ومهنة الهندسة قفزة نوعية هائلة عرفت باسم الثورة الصناعية التي أحدثت تغيرا تاما في نمط الحياة للمجتمعات الغربية ومفاهيم السياسات الاقتصادية، وكان العاملان الرئيسيان وراء قيام هذه الثورة الصناعية هو تطوير عملية تصنيع الحديد الصلب من قبل العالم هنري كورت، والعامل الآخر هو اختراع المحرك البخاري من قبل المخترع جيمس وات، فالقدرة على تصنيع الحديد الصلب ساعدت كثيرا في تطوير الآلات الميكانيكية الثقيلة والتي بدورها دخلت في خدمة الصناعة بدلا من الأيدي العاملة البشرية.

وخلال تلك الفترة بدأ مفهوم الهندسة كعلم ومهنة يلقى قبولا من قبل المجتمع الأكاديمي والمهني، فقد شهد عام 1824م تأسيس أول جامعة في الولايات المتحدة الأمريكية تمنح شهادة جامعية في مجال الهندسة وهي معهد رنسيلير للتقنية Rensselaer Polytechnic Institute وذلك بمدينة Troy في ولاية نيويورك الأمريكية.

أما القرن الحالي فقد شهد طفرة هائلة في الكم والنوعية للاختراعات والإنجازات التي تمت على أيدي العلماء والمهندسين، وقد أدت تلك الاختراعات إلى تسخير الثروات الطبيعية لمصلحة الإنسان وتطور الحضارة كاختراع السيارات والطائرات والمصباح الكهربائي والطاقة الكهربائية والتلفاز والمذياع والهاتف. ونتيجة لانتشار هذه الاختراعات أصبح طلبة الجامعات يتجهون بأعداد كبيرة إلى دراسة الهندسة للمشاركة في دفع عجلة التقدم للحضارة الإنسانية إلى الأمام.

الفريق الهندسي:

وفي العصر الحديث الذي يطلق عليه عصر التقنية أصبح جميع أفراد المجتمع سواء المزارع أو المحاسب مأو الطبيب يمارس أعماله اليومية بشكل مغاير لما كانت عليه قبل قرن مضى، حيث أصبح التوجه في مواقع العمل هو العمل كفريق بدلا من العمل الفردي الذي يقوم به الفرد بذاته، والمثال على ذلك في المشاريع الهندسية حيث تجد المهندس يعمل ضمن فريق متكامل يعرف باسم الفريق الهندسي الذي يتكون من العالم (أو الباحث) والمهندس والفني الهندسي والفني والعامل الحرفي.

وفي الماضي كانت مهام وصفات العالم والمهندس والعامل الحرفي تجتمع عادة في شخص واحد، لكن مع تقدم التقنية وتشعب فروعها أصبح من الصعب على الفرد الواحد القيام بجميع هذه المهام في وقت واحد، وهذه الحقيقة انعكست على خريجي الثانوية العامة حيث أصبح هدفهم هو التخصص في واحدة من تلك المهن أو الشعب بدلا من الجمع بين مختلف التخصصات في آن واحد، فتراه يريد أن يصبح باحثا أو مهندسا أو فنيا تقنيا. وفي هذه العجالة سنحاول إلقاء الضوء على تعريف ومهام كل فرد من أفراد الفريق الهندسي.

العامل الحرفي (كالحداد والنجار) يجد المتعة في العمل باستخدام يديه والأدوات الميكانيكية والكهربائية التي تساعده على أداء مهامه، وعادة ما تتسم الأعمال التي يقوم بها العامل نمط التكرار من حيث نوعيتها، كما تتطلب هذه الأعمال أن يكون الممارس لها ذا قدرة جسمانية كافية للقيام بها، ويتأهل الفرد كالعامل الحرفي بعد دخوله عدة دورات تخصصية تستغرق فترات متفاوتة.

الفني التقني هو ذلك الشخص الذي تتركز اهتماماته حول التعامل مع الأجهزة والمعدات التقنية، والعمل على تركيب وتنفيذ التصميمات التي أعدت من قبل آخرين وبذلك فهو شخص عملي أكثر منه إداري. ومن مهام الفني التقني القيام بالفحص الدوري للمعدات والأجهزة وصيانتها، وتعتمد الأسس التي يقوم عليها في أداء مهامه هذه على الخبرة المكتسبة من خلال التعامل الطويل مع تلك الأجهزة بدلا من دراسة الأسس العلمية التي بنيت عليها، وعادة ما تجد ذلك الفني يعمل في المختبرات والورش الميكانيكية بدلا من المكاتب، ويستطيع أن يصبح الفرد تقنيا بعد حصوله على شهادة مساعد مهندس من كليات أو معاهد متخصصة ومن خلال برنامج دراسي قد يستغرق عامين.

الفني الهندسي يعتبر تخصصا حديثا ظهر خلال الأربعة عقود الماضية، وهذا التخصص يجمع بين مهام الفني التقني والمهندس المصمم وهو متوفر في بعض الجامعات حيث ينخرط الطالب من خلاله في برنامج دراسي قد يستغرق أربع سنوات يركز على الجانب العملي من المهام الهندسية على حساب المحتوى العلمي للمواد الدراسية، كما يعمل هذا البرامج على حل المشكلات العملية التي تواجه الفني الهندسي أثناء تنفيذ المشاريع الهندسية، كما يقوم الفني الهندسي في بعض الأحيان بدور المراقب المنفذ نيابة عن المهندس.

المهندس يمثل الحلقة الرئيسية في عمل الفريق الهندسي، وهو الشخص الذي يعمل دائما على تطوير الواقع الحالي إلى الأفضل، وتنقسم مهمته إلى فرعين رئيسيين أولهما: حصر طبيعة المشكلات الهندسية التي تواجهه، وثانيهما: قيام المهندس بتقديم الاقتراحات لحل تلك المشكلات على الأسس العلمية التي اكتسبها خلال دراسته الجامعية، ومن خلال أدائه لهذه المهمة يظهر قدرات إبداعية في تطبيق المبادئ العلمية على الواقع العملي عن طريق تقديمه للحلول والتصميمات الهندسية، كما يقوم المهندس بالاشراف كذلك على عمل الأعضاء الآخرين في الفريق الهندسي المتكامل.

وأخيرا فإن المهندس (الباحث والعالم) تنصب مهامه الرئيسية على اكتشاف الجديد من المعرفة والتوسع في ممارستها وتطبيقاتها، وييقوم بأداء هذه المهمة عن طريق ملاحظة الظواهر الطبيعية ومحاولة محاكاتها بالتجارب العملية أو من خلال إيجاد وتطوير القوانين والنظم العلمية التي تربط بين تلك الظواهر ونتائجها، وهناك نوعان من البحوث العليمة نوع يهتم بتطوير البحوث الأساسية التي لا تجد تطبيقا عمليا ومباشرا لها إلا بعد فترة من الزمن، ونوع آخر يطلق عليه البحث التطبيقي والذي يعمل في بحوث مرتبطة بمعضلات هندسية طـارئة ذات تطبيـق مباشر في الحياة العملية، وهذا النوع من الباحثين يعملون عادة في مراكز تعرف بمراكز البحث والتطوير Research and Development Centers في كبريات الشركات في الدول الصناعية المتقدمة.

عادل أحمد الزامل
جامعة الكويت

السلام عليكم قطرة ندى …
صحيح يا أختي قطرة ندى أن للعرب المسلمين دور هام جدا في حركة الهندسة الحديثة ولو ما كان هناك إبن الهيثم وجابر بن حيان وغيرهم من العلماء لتاخرت الحضارة اللي نشوفه الحين لمائتين سنه للوراء …

جميل جداً أختي قطر الندى…:slight_smile:


مشكــــــــــــــــورة أختي موضوع رائع
جزاكِ الله خيرا

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المناهل

شكرا لك أختي على الموضوع الجيد … بارك الله فيك …

السلام عليكم …

بارك الله بك