مفسدات الأخوة ( في رحاب طيب التوجيهات ونافعها)

بسم الله الرّحمن الرّحيم
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إخواني وأخواتي روّاد مُنتدى المُهندس؛

:: مفسدات الأخوة ::

مقالةٌ في رحاب الأدب، وطيب التوجيهات ونافعها.

:diamonds: :diamonds: :diamonds:

/

لذلك كان من الأمور التي تنذر بشر: انهيار صرح الأخوة وإفسادها بين المؤمنين:

1- وأول مفسدات الإخوة: الكبر والاستعلاء:

طبيعة البشر يكرهون من يعاملهم باستعلاء مهما كان هذا الإنسان، حتى لو كان داعية أو عالمًا؛ لذا كان الإنسان مأمورًا بالتواضع والشعور بالآخرين، وإن أولَ من أُمر بذلك أعظم الناس وأعلى الناس وسيد الناس عليه الصلاة والسلام، قال له ربه: ﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 215].

:diamonds: ومن أجمل وأرق ما روي عن السلف في ذلك:

قال هارون بن عبدالله: جاءني أحمد بن حنبل بالليل فَدَقَّ بابي، فقلت: من هذا؟ قال: أحمد، فبادرت وسلّمت عليه، فقال: شَغلتَ اليوم قلبي، فقلت: بماذا يا أبا عبدالله؟ قال: مررت اليوم عليك وأنت جالس تحدث الناس في الظل والناس في الشمس بأيديهم أقلامهم ودفاترهم، لا تفعل مرة أخرى، إذا قعدت فاقعد مع الناس".


:diamonds: وهنا لافتتان جميلتان جديرتان بالتأمل:

الأولى: أن راوي الحادثة هو المنصوح الذي تأثر بالنصيحة، وهذا من سلامة القلب وإيثار الحق.

والثانية: أدب الإمام أحمد ورقته ولطفه في توجيه نصيحته؛ حيث ذهب إلى هارون بالليل وقال: “شغلت قلبي”، ولم يقل: أسأت إلى الناس، أو ما هذا الذي فَعلت؟ ونحو ذلك، فإياك والاستعلاء على الناس!

فالنبي صلى الله عليه وسلميراه الرجل، فيهابه وترعد فرائصه، فيقول عليه الصلاة والسلام: (هوِّن عليك، فإني لست بملِك، إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد)؛ صحيح ابن ماجه.


ثم علام الكبر والاستعلاء؟

حُكى عن مُطرف بن عبدالله أنه نظر إلى أحد الناس وهو يمشي الخيلاء وعليه حُلة يجرجرها، فقال: يا هذا ما هذه المشية؟ قال: أما تعرفني؟ قال: بل أعرفك أولك نطفة مذِرة وآخرك جيفة قذرة، وحشوك فيما بين ذلك بول وعذْرة.


2- السخرية والاستهزاء:

حتى ولم تقصد فأخوك لم يشق عن قلبك له ما رأى وسم،ع فتحقق أنت من أقوالك وأفعالك، ونظراتك مع أخيك… ولا تنس قول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الحجرات: 11].


3- سوء الظن:

من أكبر العقبات التي تَحُول بين تَرابط المسلمين فيما بينهم، فإياك وإياه الظن الذي لم يُبْن على أصل وتحقيق نظر، وأغلب الظن كذلك؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 12].


﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 6]. وفي قراءة " فتثبتوا".


قال أحد العلماء: قديمًا كنت لا أفهم هذه الآية على حقيقتها، فأقول: إن جاءني عدل فأخبرني بشيء عن أخ لي، فليس هو بداخل في الآية، فقال لي بعض مشايخنا: إن الله سمّى النمام فاسقًا، فكل من جاءك بنبأ يترتب عليه إفساد ذات البين، فهو فاسق ابتداءً، فوجب التثبت والتبين لكل ما حمله من أخبار.

وفي الصحيحين: “إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث”، فأحسن الظن بأخيك فلعله أساء التعبير، أو لم يحسن التصرف لخبرته، فبعض الإخوة يحكم على قلوب الآخرين.

لما جلس الإمام الشافعي في مرض موته، قال له الربيع بن سليمان: قوى الله ضعفك يا إمام، فقال: لو قوّى ضعفي لقتلني، فقال: "والله ما قصدت يا إمام، فقال الشافعي: والله لو شتمتني لعلمت أنك لم تقصد.


4- عدم التزام الأدب في الحديث:

وهذا باب واسع يدخل منه الشيطان للإفساد بين الإخوان وله صور:

:diamonds: الحيدة ورفع الصوت في الكلام.

:diamonds: عدم الإنصات إلى حديث صاحبه: فتراه يكلمه صاحبه فيقطعه أو ينشغل عنه؛ يقول بعض السلف: إن الرجل ليحدثني بالحديث أعرفه قبل أن تلده أمه، فيحملني حسن الأدب إلى الاستماع إليه حتى يَفرُغ.

:diamonds: التعدي في المزاح.


5- الجدل:

قال عليه الصلاة والسلام: (ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أُوتوا الجدل)؛ رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني.

وفي صحيح أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك الجدال ولو كان محقًّا).

ولما سئل الإمام مالك: يا أبا عبدالله الرجل يكون عالمًا بالسنة أيجادل عنها؟ قال: لا ولكنه يخبر بالسنة، فإن قبلت وإلا سكت.

فبالجدال

تخسر المجال ويقسوا القلب في الحال، وهذه حقيقة واقعية: إن طالب الحق إذا سمع السنة قبِلها، وأما المعاند والمكابر، فلا يقنعه أقدر الناس على الجدال، وصدق من قال: (من جاءك مسترشدًا فأرشده، ومن جاءك مجادلًا فأعرض عنه فإنه من الجاهلين).


6- إذاعة السر:

فمما يديم الصحبة ألا تفشي لأخيك سرًّا، فكفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع.

وفي صحيح الجامع يقول عليه الصلاة والسلام: (إذا حدث الرجلُ الرجلَ حديثًا ثم انصرف، فهو أمانة).

7- النصح في الملأ:

لا يختلف اثنان أن النصيحة بين الناس يكرهها الناس، بل إن ذلك مما يزيل المحبة ويزرع العداوة، وقد يولّد العناد.


8- الحسد: داء فتاك ينساب في النفوس البشرية في لحظات الغفلة الإيمانية.

والحسود شخص سيئ الأدب مع الله؛ لأنه ينظر إلى نعمة الله على أخيه، فيتمنى لو زالت، والله تعالى يقول: ﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ [النساء: 54]، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "دبّ إليكم داءُ الأمم قبلكم الحسد والبغضاء، والبغضاء هي الحالقة، لا أقول: تحلق الشعر، إنما تحلق الدِّين، والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أنبئكم بما يثبت ذلك لكم، أفشوا السلام بينكم)؛ رواه أحمد والترمذي، وانظر صحيح الجامع.


9- كثرة المعاتبة وعدم التسامح والنظر إلى السلبيات دون الإيجابيات:

إذا كنت في كل الأمور معاتبًا
أخاك لم تلق الذي لا تعاتبه فعش واحدًا أوصل أخاك
فإنه مقارف ذنبًا تارة ومجانبه فمن ذا الذي تُرجى سجاياه كلها
كفى بالمرء نبلًا أن تعد معايبه


لا بد من القناعة في طلب مواصفات الصديق، واعلم أنك لن تجد صديقًا ليس في وُدِّهِ خَللُ، وأنت كذلك لا تخلوا من خلل، فاقبل في أخيك ما قبله فيك، وإلا دام غمُّك وطال همُّك، ولم تظفر بمطلوبك؛ قال سعيد بن المسيب: “ليس من شريف ولا عالم ولا ذي فضل، إلا فيه عيب، ولكن من الناس من لا ينبغي أن تذكر عيوبه”.

فتغافل عن هفوات أخيك حتى تدوم الألفة؛ قال بعض الحكماء: وجدتُ أكثر أمور الدنيا لا تجوز إلا بالتغافل، وقد تغافل أقوام عن أذى الأعداء، فكيف بالأصدقاء!


ومن مفسدات الإخوة:

10- الطمع في الدنيا.

11- التفريط في الطاعات.

12- برود العاطفة.

13- الإصغاء للنمامين والحاسدين.

14- التدخل في الخصوصيات.

15- إخلاف المواعيد والاتفاقات، وغيرها.

﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].


النصيحة:

ü الأخوة نعمة عظيمة، حافظ عليها وقم بحقوقها، واحذر مفسداتها.

كتبه/ د. شريف فوزي سلطان.
المصدر: شبكة الألوكة.

إعجاب واحد (1)