أجاثا كريستي

دعاء الشامي – قلم رصاص – القاهرة
قصص متناثرة على المكاتب، وفي خزائن الملابس، وعلى موائد الطعام… كلها تحمل نفس اسم المؤلف، ولو تحرينا الدقة تكون “المؤلفة”… أجاثا كريستي…
وهو الاسم الغريب والبعيد عن مسامعي، لم أحدد هل هو اسم لرجل أم امرأة، ولكنه بالتأكيد اسم غريب ومختلف حتى في وقعه على الآذان.
وقتها كانت السنة الأولى في الجامعة، ومع هذا الكم الهائل من المشاعر الغريبة والرغبات الكثيرة والوجوه المختلفة والمتباينة، ظهرت أجاثا كريستي في حياتي… للحق لم أتحمس لقراءة أي من تلك الألغاز التي أراها طافية من الغلاف المرسوم بعناية، ولكن ما لفت انتباهي هو “أجاثا” التي عرفت فيما بعد أنها امرأة!!
أقرر بيني وبين نفسي أنني لابد يوماً أن أتعرف على حياة وقصص هذه السيدة التي استطاعت أن تقتحم عقول وأوقات كل هؤلاء البشر لتشغل الكثير منها.
لكن هذا اليوم لم يحن إلا هذا العام… وبعد خمس سنوات من أول يوم حاولت أن أفك فيه لغز أجاثا كريستي.
من حلم الغناء… إلى التمريض
ولدت أجاثا في 15 سبتمبر عام 1890 بإحدى القرى الصغيرة جنوب إنجلترا، وتوفي والدها وهي صغيرة. فاهتمت والدتها بطفلتها الصغيرة وأصرت على تعليمها، وقامت الأم بدور المعلم…ثم أرسلتها إلى باريس وهي في السادسة عشرة لتتعلم عزف البيانو والغناء التي كانت تود أجاثا أن تحترفه، ولكن مدرسة الموسيقى أقنعتها أن صوتها ليس قوياً للدرجة التي تؤهلها أن تكون مغنية أوبرا والتي طالما كانت تعشقها، إلى جانب أن أجاثا كانت شديدة الخجل والخوف من الظهور فتخلت عن حلمها القديم بالغناء.
قامت الحرب العالمية الأولى ونشطت فكرة التطوع في المجتمع، فتطوّعت أجاثا للعمل في أحد المستشفيات كممرضة لتساعد في علاج جرحى الحرب، وتزوجت وقتها طيارا اسمه (آرشيبالد كريستي) عام 1914 م وأخذت منه لقبها واحتفظت به بالرغم من انفصالها عنه عام 1928 م.
لم تكن هذه زيجتها الوحيدة، بل تزوجت مرة أخرى عام 1930 من عالم الآثار الشهير (ماكس مالوان)، الذي اكتشف مقبرة أور الشهيرة في العراق، وأمضت معه سنوات كثيرة بين العراق وسوريا ومصر.
بداية اللغز
كانت رواية (ثلوج على الصحراء) هي أولى محاولات أجاثا في الكتابة ولكنها فشلت في إقناع أي من الناشرين بقبولها.
لم تقرر التخلي عن رغبتها بسرعة كما فعلت مع الأوبرا، فقد قررت أن تكتب مرة أخرى، ولكن هذه المرة كتبت على سبيل الرهان مع شقيقتها بأنها تستطيع أن تكتب رواية بوليسية يصعب التعرف على القاتل فيها، وهو ما كان فظهرت رواية (لغز الجريمة الغامضة في ستايلس) للنور
وأرسلتها إلى دار (بودلي هيد) ونشرتها بعد أن رفضها ستة من الناشرين، وكانت هذه انطلاقتها في عالم الكتابة وبداية معرفة العالم بأشهر كاتبة للروايات البوليسية على مستوى العالم.
بعدها كتبت رواية (الغريم الخفي) في عام 1922 حيث سردت فيها ذكرياتها أيام الحرب، ثم (جريمة في ملعب الجولف) عام 1923، ثم تتوالى روايتها… سر قلعة تشميني، جريمة في قطار الشرق السريع، جريمة في العراق، الرجل ذو البدلة البنية… لتترجم هذه الروايات إلى أكثر من 120 لغة، وتصبح الكاتبة صاحبة أكبر نسبة قراءة في العالم، كذلك تم تحويل الكثير من رواياتها إلى أفلام ومسلسلات بوليسية ومسرحيات، أشهرها مسرحية “المصيدة” التي عرضت لأول مرة في نوفمبر 1952، وظلت معروضة لأكثر من ربع قرن تغير خلالها المخرجين والممثلين والمتفرجين وبقيت "أجاثا "، وللعلم فقد تم تحويل هذه المسرحية فيما بعد إلى فيلم سينمائي.
أجاثا في بلاد الرافدين
بالقرب من الموصل بالعراق وبالتحديد في “الأربجية”، استقرت “أجاثا كريستي” في بيت بسيط وواصلت عملها الدءوب مع زوجها عالم الآثار البريطاني البروفسور “ماكس مالوان” الذي كان ينقب في حفريات “النمرود”.
ومن مذكرات زوجها نتعرف على تفاصيل يومها في العراق، فنجدها تجلس في شرفة تطل على نهر دجلة في الصباح تتناول فطوراً إنجليزياً أو القيمر العراقي مع خبز التنور اللذيذ، ثم كتابة قصصها البوليسية، وتسجيل الوقائع بآلة تصويرها السينمائية بالرغم من أنها كانت تتنقل بشكل دائم بين المواقع الأثرية لتعود إلى بغداد بين حين وآخر طلباً للراحة.
سحر الشرق… ولغز الجريمة!!
ومن رواياتها البالغة أكثر من 77 كتاباً، ثلاثة منها تدور أحداثها في العراق… هي جريمة في وادي الرافدين، قطار الشرق السريع، بوابة إلى بغداد، حيث عمل شغفها بالقطارات وولعها بالسفر إلى أن تختار بلاد ما بين النهرين لتكون فيها بعدما قرأت الكثير عن حضاراتها مما دفعها إلى مغامرة السفر إلى بغداد ومنها إلى الناصرية وأور في الفترة ما بين عامي 1928 و1929.
فقد كان لـ “مقبرة أور الملكية” وما اكتشف فيها من الخنجر المشهور إلى القيثارة السومرية والحلي النسائية الملكية… فعل السحر على أجاثا، حيث منحتها تصوراً جديداً وُبعد آخر أضفى على كتاباتها نوعاً من السحر والغموض، حيث عملت هذه الأجواء على جذب القارئ بروعة الشرق ولغز الجريمة.
وفي موقع “النمرود” الذي يقع بالقرب من مدينة الموصل، استعملت أجاثا كريستي آلتها السينمائية في تصوير لقطات عن الناس والبيئة في تلك الأماكن، فوجدت في ألبوماتها صور متنوعة منها مزارع كردي يقطع الطريق عابراً بقطيعه، ورهبان الفرنسيسكان بملابسهم التقليدية، وعبر النهر صورت راعياً عربياً بعقاله وعنزته، وفلاحاً يحرث الأرض وأخر يبذر البذور، وطواحين الهواء وبائع الحلاوة وشابا ببدلة أوربية عصرية بربطة عنق…!!
بنحبك يا أجاثا
ظلت أجاثا تنتشر وتتوسع في شهرتها لتحصل على لقب ملكة القصص البوليسية، ثم رحلت عن عالمنا عام 1976 لتبقى في ذاكرتنا وعلى رفوف المكتبات وفي حقائب الشباب والمراهقين في المدارس والجامعات.
والآن… ورغم مرور أكثر من 36 عام على رحيلها إلا أنها مازلت هي الملكة التي تستحوذ على قلوب قراءها، ومازالوا يبحثون عنها في المكتبات والمعارض بنهم شديد…
فهذه “رانيا محمد” تقول : "أجاثا كريستي هي الوحيدة التي أشعر أن قصصها مثيرة ومحمسة، على العكس من القصص الأخرى التي أشعر معها بالخفة والسهولة، فهي تمنحك المشاركة في حل اللغز وتتوقع معها السر دون حرق للتفاصيل، فهي تحبك كتاباتها لأنها لا تعتمد على أسلوب الصدمة، وهذا سر حبي الشديد لها وحتى اليوم أبحث في معارض الكتاب عن أي رواية أو قصص لها.
أما “مريم” التي تعشقها فتحكي عنها قائلة : “كنت في الصف الخامس الابتدائي عندما بدأت طريقي إلى رواياتها، ففي أحد الأعوام ذهبت إلى معرض الكتاب بصحبة والدتي، فلفت انتباهي عنوان رواية لها “جريمة في بيت الطالبات” وكانت كبيرة الحجم، ورفضت والدتي الرواية من العنوان ولكني أصررت على هذا الكتاب وتشبثت بها وقرأتها في أسبوع، وانبهرت بها إلى درجة لم أكن أتخيلها وشاركتها في حل اللغز وعندما انتهيت منها تبادلتها مع صديقاتي”.
وتكمل مريم : “منذ ذلك التاريخ بدأت مع صديقاتي في جمع كل القصص التي كتبتها أجاثا كريستي، لتصبح لدينا مكتبة فيها كل المجموعة تقريباً، وعندما سافرت إلى الإسكندرية عند أحد أقاربي وجدت لديه مكتبة خاصة لها، وقتها فرحت جداً وأخذت أتحدث معه عنها وعن تلك الألغاز التي ساهمت في حلها”.
أما عن أجمل ما تفضله مريم في روايات “كريستي” فهو ولعها برسم الشخصيات وبيان سماتها حتى لو كانت بسيطة وغير محورية.

وهكذا بقيت “أجاثا كريستي” متربعة على عرش الروايات البوليسية، ولم تفارق قلوب ولا عقول قراءها، واليوم نحتفل بعيد ميلادها…
فهذه دعوتي لكم أن تدخلوا عالمها وتبحروا معها على صفحات قصصها في أجواء من الإثارة والجريمة والسحر والغموض…!!

السلام عليكم… يامهندسة (همسة حب)

وشكرا كتير كتير على المقالة المفيدة عن (أجاثا كريستي) اللي فعلا الكل بحبها وبحب كتاباتها ورواياتها…

وبالتوفيق يا همسة حب

مشكور على المرور
أنا أيضاً أحب كتاباتها وروايتها
على فكره أنا مو مهندسة

شكراً
معلومات ظريفة عن مؤلفة روايات لم أترك كتاباً لها وقع في يدي إلّا وقرأته
شكرا
.

معلومات قيمة عن هذه الاديبة الرائعة عاشت ايدك اختي العزيزة

مشكورين على المرور الجميل

موضوع رائع …
جزاك الله خيراً يامهندسة المستقبل (قولي ان شاء الله)
شكراً

ان شاء الله