الامام مالك

[SIZE=3][B][RIGHT][FONT=Arial][SIZE=4][B][CENTER]الامام مالك

[/b]

من أهم الشخصيات الاسلامية في طبقته امام دار الهجرة (المدينة المنورة) واحد الائمة الاربعة المشهورين، فقد كان الامام مالك مجتهدا في اطار الكتاب والسنة وأقره علماء عصره ومن بعد عصره على سلامة ذوقه وصحة استخراجه ومتانة اجتهاده ونزاهة نظرته فاستحقت آراؤه المتابعة واستحق اسمه الخلود.
انتهت اليه الامامة في الحجاز في الفقه والحديث وتتلمذ عليه من العلماء خيارهم وقابل أبا حنيفة وناظره وأثنى كل منهما على الآخر واعترف كل منهما بفضل أخيه.

COLOR=darkolivegreen[/color]

هو أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو ابن الحارث. ينتهي نسبه الى عمرو بن الحارث ذي اصبع الحميري من ملوك اليمن العربي الصريح.

COLOR=darkolivegreen[/color]

ولد في ربيع الاول سنة ثلاث وتسعين من الهجرة على الراجح، وكان أبوه أنس راوية للحديث، وكان مقعدا يحترف صناعة النبل.

COLOR=darkolivegreen[/color]

بدأ مالك يطلب العلم صغيرا تحت تأثير البيئة التي نشأ فيها وتبعا لتوجيه امه له فقد حكى انه كان يريد ان يتعلم الغناء فوجهته الى طلب العلم. يقول مالك: حينما بلغت سن التعليم عممتني وقالت: اذهب فاكتب (تريد الحديث) ـ ولعلها كانت تريد ان تسترجع فيه علم جده مالك فقد كان من كبار التابعين روى عن كثير من الصحابة وكان ثقة وهو احد الذين كتبوا المصحف الشريف في عهد عثمان رضي الله عنه، او تتوسم فيه ان يكون كأحد الشيوخ بالمدينة ممن يشار اليهم بالبنان.
وانطلق يلتمس العلم فأحبه من صغره وحرص على جمعه وتفرغ له ولازم العلماء وحمل عنهم العلم والعمل. لعل أشدهم اثرا في تكوين عقليته العلمية التي عرف بها هو: أبو بكر عبد الله بن يزيد المعروف بابن هرمز المتوفى سنة 148 هـ فقد روى عن مالك انه قال: كنت آتي ابن هرمز من بكرة فما أخرج من بيته حتى الليل. يقضي معه اليوم كله من الصباح الى المساء سبع سنوات أو ثماني، وكان ابن هرمز يجله ويخصه بما لا يخص به غيره لكثرة ملازمته له ولما ربط بينهما من حب وتآلف ووداد. وابن هرمز هذا هو العالم الثائر الجريء الذي خرج مع محمد بن عبد الله المعروف بالنفس الذكية ضد أبي جعفر المنصور وحمل سلاحه وحارب فلما خمدت الثورة وأوقف امام الوالي سأله عن سبب خروجه فقال: فتنة شملت الناس فشملتنا فيهم، فتركه الوالي لمكانه ومكانته عند الناس.
وأخذ عن الامام محمد بن مسلم بن شهاب الزهري وهو أول من دون الحديث ومن أشهر شيوخ المدينة وقد روى عنه مالك في موطئه مائة واثنين وثلاثين حديثا بعضها مرسل.
وكذلك روى مالك عن نافع مولى ابن عمر.
وأخذ عن جعفر الصادق الامام الشيعي من آل البيت وأخرج له في الموطأ تسعة أحاديث منها خمسة متصلة مسندة أصلها حديث واحد طويل هو حديث جابر في الحج والاربعة منقطعة.
وروى عن شيوخ كثيرين منهم هشام بن عروة ومحمد ابن المنكدر ويحيى بن سعيد الأنصاري وسعيد بن أبي سعيد المقبري وغيرهم، وقد بلغ عدد شيوخه على ما قيل ثلثمائة من التابعين وستمائة من أتباعهم.
وكان الامام قوي الحافظة.
وكان جيد التحري في رواية الحديث مدققا في ذلك كل التدقيق لا ينقل الا عن الأثبات الثقات ولا يغتر بمظهر الراوي أو هيئته الصالحة.
روى مسلم في مقدمة صحيحه عن يحيى بن سعيد قال: سألت سفيان الثوري وشعبة ومالكا وابن عيينة عن الرجل لا يكون ثبتا في الحديث فيأتيني الرجل فيسألني عنه قالوا: أخبر عنه انه ليس بثبت.
وقال مالك: (لقد أدركت في هذا المسجد (مسجد المدينة) سبعين ممن يقول: قال فلان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فما أخذت عنهم شيئا، وأن أحدهم لو أؤتمن على بيت مال لكان أمينا عليه الا انهم لم يكونوا من اهل هذا الشأن).
وقال: (قدم علينا ابن شهاب فكنا نزدحم على بابه).
وقال عن نفسه: ربما وردت على المسألة فأسهر فيها عامة ليلتي.
ولقد بهر مالك اساتذته كما بهر أقرانه بمواهبه الفطرية وجهاده الدائب وشغفه الشديد بالعلم وتأدبه مع العلم والمعلمين ودقته وتحريه فيما يقبل وفيما يظهر من العلم.

COLOR=darkolivegreen[/color]

لم يرحل في طلب الحديث مع أن الرحلة في ذلك الوقت كانت من السمات المميزة لرجال الحديث، ولعله كان يعتقد ان العلم علم أهل المدينة. قال الليث بن سعد: (وأن الناس تبع لأهل المدينة التي اليها كانت الهجرة وبها نزل القرآن).
على انه لم يخسر بعدم الرحلة شيئا… لقد كانت المدينة ملاذ العلماء ولم يخل محدث ممن رحلوا من المرور بها لزيارة القبر الشريف ولتلمس العلم من مكانه والحديث من مصدره فالتقى مالك بأكثرهم واستفاد منهم.
احترامه للحديث وصاحب الحديث صلى الله عليه وسلم:
وكان الامام مالك اذا أراد ان يحدث توضأ وسرح لحيته وجلس متمكنا في جلوسه على صدر فراشه في وقار وهيبة، وحدث. فقيل له في ذلك؟ فقال: أحب ان اعظم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أحدث الا على طهارة متمكنا. وكان يكره ان يحدث في الطريق او وهو قائم او يستعجل.
وقال: أحب ان افهم ما أحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن ابن المبارك: كنت عند مالك وهو يحدثنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فلدغته حشرة كالعقرب ست عشرة مرة، ومالك يتغير لونه ويتصبر ولا يقطع الحديث، فلما فرغ من المجلس وتفرق الناس قلت له: لقد رأيت منك عجبا؟ فقال: نعم، انما صبرت اجلالا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان يتتبع الآثار النبوية ويميل الى الأخذ برأي اهل المدينة ويتجنب اصحاب الاهواء وأهل الفرق ويأبى كل الاباء أي انحراف عن الدين.
فالدين في نظره واحد لا يتغير ويتمثل في الاخذ بكتاب الله الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وما قال به الخلفاء الراشدون، وما رواه الصحابة واهل العلم والتقى من علماء المدينة.
ولقد كان هذا الاحترام للحديث ولصاحبه نابعا من اعتزاز منه بما انعم الله عليه من العلم ولعل في موقفه من الخلفاء ما يدل على ذلك أبلغ دلالة: فقد روى ان هارون الرشيد وهو خليفة المسلمين زار مالكا في بيته ومعه بنوه ورغب اليه ان يقرأ عليهم الموطأ. فقال مالك: ما قرأت على احد من زمان، وانما يقرأ علي فقال هارون: أخرج الناس عني حتى اقرأ انا عليك، فقال مالك: اذا منع العلم لبعض الخاص لم ينتفع الخاص. وامر معن بن عيسى ان يقرأ فقرأ… فلم يجد الرشيد بدا من النزول على رأي مالك.
وروى عبد الله بن وهب قال: سمعت مالكا يقول: (دخلت على ابي جعفر المنصور فرأيت غير واحد من بني هاشم يقبل يده المرتين والثلاث ورزقني الله العافية فلم أقبل له يدا).
ولما قدم المهدي المدينة بعث الى مالك بألف يدينار، وقيل بثلاثة آلاف ثم أتاه الربيع فقال: ان امير المؤمنين يحب ان تصاحبه الى دار السلام ـ بغداد ـ فقال له: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون).

((من صفاته الفاضلة واخلاقه السامية))

كان جوادا كريما سمح المحيا وكان مهيبا نبيلا محترم المجلس والجلساء حازما في الدفاع عن الحق يكره الجدال واللغط ورفع الصوت خاصة في مجلس الحديث، ومن كلماته:
(الدنو من الباطل هلكة، والقول بالباطل بعد عن الحق، ولا خير في شيء وان كثر من الدنيا بفساد دين المرء ومرءته). ومع تواضعه الفائق وهضمه لذاته، كان لا يهاب السلاطين ويرسم للعامة طريق المصارحة بالحق معهم.
ناظره أبو جعفر المنصور في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فرفع صوته فقال له مالك: يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد فان الله عز وجل أدب قوما فقال: (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي)، ومد أقواما فقال: (ان الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى).
ولما قدم الخليفة المهدي المدينة أقبل الناس عليه مسلمين، فلما أخذوا مجالسهم جاء مالك فقالوا: اليوم يجلس مالك آخر الناس. فلما دنا ونظر أزدحام الناس وقف وقال: يا أمير… اين يجلس شيخك مالك؟ فناداه المهدي: عندي يا أبا عبد الله. فتخطى الناس حتى وصل اليه. فرفع المهدي ركبته اليمنى واجلسه بجانبه.
وهو في ذلك يصدر عن فهم واسع وخبرة عميقة واحترام للعلم دفعه الى احترام نفسه في مثل هذا الجمع.

COLOR=darkolivegreen[/color]

وبعد حياة عريضة حافلة توفي رحمه الله في ربيع الاول سنة 179هـ (تسع وسبعين ومائة) عن خمس وثمانين سنة قضاها في خدمة العلم والدين وأعطى صورة للعالم العامل وصلى عليه أمير المدينة عبد الله بن محمد بن ابراهيم العباسي وشيع جنازته واشترك في حمل نعشه ودفن في البقيع. رضي الله عنه وأرضاه.

COLOR=darkolivegreen[/color]

وككل العلماء الأجلاء ترك الامام مالك آثارا حافلة تمثلت في تلك النخبة من تلاميذه وحملة علمه. فقد روى عنه كثيرون منهم الامام ابو حنيفة وقد روى عنه حديثان في جامع مسانيده الذي جمعه الخوارزمي ومنهم الامام الشافعي ومحمد بن الحسن وله رواية للموطأ وابن المبارك ويحيى بن سيد القطان وكثيرون من شيوخ البخاري ومسلم وأئمة الحديث. وقد روى عنه من شيوخه الامام الجليل الزهري ويحيى بن سعيد الانصاري.
ومن أجل آثاره كتابه الخالد (الموطأ).
وهو الكتاب الذي طبقت شهرته الآفاق واعترف الأئمة له بالامامة والسبق على كل كتب الحديث في عهده وبعد عهده الى عهد الامام البخاري. قال الامام الشافعي: ما ظهر على الأرض كتاب بعد كتاب الله اصبح من كتاب مالك، وفي رواية أكثر صوابا وفي رواية أنفع.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي:
الموطأ هو الاصل واللباب وكتاب البخاري هو الاصل الثاني في هذا الباب، وعليهما بنى الجميع كمسلم والترمذي.
وعدد أحاديث الموطأ كما قال أبو بكر الأبهري: (جملة ما في الموطأ من الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين ألف وسبعمائة وعشرون حديثا المسند منها ستمائة حديث والمرسل مائتان واثنان وعشرون حديثا والموقوف ستمائة وثلاثة عشر، ومن قول التابعين مائتان وخمسة وثمانون). وقد ورد غير ذلك في عدده.
وقد عني العلماء بشرح موطأ مالك رواية يحيى بن يحيى المصمودي الاندلسي حتى بلغت شروحه مائة وصار الامر كما قال القاضي عياض: لم يعتن بكتاب من كتب الحديث والعلم اعتناء الناس بالموطأ. واهم هذه الشروح: التمهيد للحافظ أبو عمر بن عبد البر رتبه على أسماء شيوخ مالك وهو كتاب في عشرين جزءا مدحه ابن حزم رغم تهجمه على العلماء.[/size][/font][/right]
[/b][/size][/center]