البرادعى فى ضيافة (الشروق) – (الحلقة الأولي)و الحلقة الثانية .. الفقر والفقراء أهم أولوياتى


البرادعي في ضيافة الشروق

     [B] فى ديسمبر عام 2009، أجرت «الشروق» حوارا مع الدكتور  محمد البرادعى المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، من العاصمة  النمساوية فيينا، حيث يقيم، ليعلن البرادعى عبر الشروق للمرة الأولى،  استعداده للترشح فى الانتخابات الرئاسية «بشروط».

إعلان البرادعى حينها، أضاف عنصرا جديدا لمعادلة القطب الواحد فى الداخل المصرى… والآن، وعقب الإطاحة بالرئيس السابق حسنى مبارك يزور البرادعى مقر الجريدة فى المهندسين، ليطلق من موقعه «كمرشح للرئاسة» ملامح برنامجه الانتخابى دون أن يخفى مكامن الضعف بحملته، وغياب آلة انتخابية وإعلامية لحملته، أضعفت من تواصله مع رجل الشارع، خاصة بعدما تعرض لحملة إساءة متعمدة عبر الإعلام الرسمى فى ظل النظام السابق.

وفى حواره مع «الشروق»، يشرح البرادعى تفكيره فى قضية الفقر فى مصر، وبرنامجه لزيادة الثروة وتحسين أوضاع محدودى الدخل، وينتقل إلى ما وصفه بـ«خطه للتواصل» مع التيارات الدينية من جهة، والأقباط من جهة أخرى خلال المرحلة المقبلة.[/b]

يحذر البرداعى من أنه «ما لم نتحد لحماية الثورة وتحقيق مطالبها، ستتعرض للإجهاض»، داعيا إلى الدخول فى قائمة انتخابية واحدة أطلق عليها «قائمة الثورة» لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة حتى نضمن تمثيلا للشباب بمجلس الشعب.

كما يفتح المعارض السياسى خزائن ذكرياته ليروى جانبا من حياته كدبلوماسى بوزارة الخارجية المصرية، وأسباب تركه لمنصبه عقب توقيع مصر لاتفاقية السلام مع إسرائيل، التى وصفها بـ«السلام المنفرد»، وكذلك علاقته بمبارك التى تبدلت تماما من الود قبل ديسمبر 2009، إلى الكراهية البالغة حد العداوة بعد هذا التاريخ حين «تجرأت وطالبت بما يراه النظام محرمات، كالحرية والتغيير والكرامة الإنسانية للمصريين».

الترشح الجدى لرئاسة الجمهورية، والشكوك التى تحيط بموقفه وهل يريد حقا الرئاسة، أم سيكتفى بدوره كداعية للتغيير، كان الهاجس الذى سيطر على الحضور فى الحوار، الذى سرعان ما بدده البرادعى، بقوله: «توصلت لقناعة ضرورة أن تتوافر السلطة لدى حتى أمتلك القدرة على التغيير، وللأسف لسنا فى عالم مثالى، والواقع يفرض أن تمتلك السلطة حتى تستطيع تحقيق التغيير المنشود»، بل زاد البرادعى الذى يطلق عليه شباب الموقع الاجتماعى «فيسبوك» لقب (غاندى مصر): «أجبت من قبل على سؤال لأحد النشطاء: هل تريد أن تكون نيلسون مانديلا رئيس جنوب أفريقيا الأسبق أم المهاتما غاندى الزعيم الهندى، فأجبت بأنى الآن أريد أن أكون مانديلا مش عبده مشتاق».

جميل مطر كان أكثر مباشرة، حين باغت البرادعى بسؤال «ليه عاوز ترشح نفسك» فجاءت إجابة البرادعى: «لم أكن أنوى الترشح، لكن ما دفعنى إليه هم الشباب، وقالوا لا تتركنا فى منتصف الطريق… ولن أتركهم»، واستدرك قائلا: «لكن لابد أيضا من وجود حد أدنى من الديمقراطية من أجل الترشح».

وأضاف مطر سؤالا آخر يتعلق بقاعدة البرادعى الانتخابية، فأجابه الأخير: «القاعدة الاجتماعية المؤيدة حاليا من المثقفين والشباب، وسأنزل الشارع لمقابلة المواطنين وجها لوجه».

وعن مدى استعداده للتعاون فى المرحلة المقبلة مع التيارات الدينية المختلفة، أعرب البرادعى عن استعداده للتعامل مع التيار السلفى «كشركاء فى هذا الوطن»، غير أنه قال: «لكن لو طلع أحد السلفيين وقال إن مسلما لا يمكن أن يتعامل مع القبطى فلن يكونوا جزءا من التوافق المصرى»، وأردف «سأقول له مع السلامة فأنت خارج الإطار وهذا خط أحمر بالنسبة لى». كما أعلن عن رغبته أن يكون معه خلال فترة العمل المقبلة جماعة الإخوان المسلمين «بمفهوم كامل للمواطنة، والأقباط أيضا»، ولم يفت البرادعى دعوة جماعة الإخوان إلى «التخلى عن شعار الإسلام هو الحل كحزب، لأنهم بهذا يقتطعون جزءا من الشعب المصرى».

أولوياتى… التعامل مع قضية الفقر

أولويات البرادعى فى حال توليه منصب رئيس الجمهورية، عددها بلهجة حاسمة فى «التعامل مع قضية الفقر والفقراء، خاصة مع وجود مواطنين يعيشون تحت خط الإنسانية»، وقال: «الفقير لازم يحس من أول يوم ــ فى فترة ولايتى الرئاسية ـ بتغيير فى حياته»، لكن حسن المستكاوى، قاطعه بسؤال حول «خطته لتحسين أحوال أكثر من 40 مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر فى مصر؟»، وقال البرادعى: «خطواتى فى ذلك هى إعادة توزيع الدخل، ووضع ضرائب تصاعدية، والصناديق الخاصة خاصة فى الجامعات، والاهتمام بصناعات الخدمات والسياحة، والبحث عن موارد أخرى».

وعلى المستوى العملى قال: «بالإمكان خلال 6 شهور فقط، تقديم إعانة اجتماعية للمعدمين، وزيادة دخل من يحصلون على 200 إلى 400 جنيه».

وتوقع البرادعى أن مصر «إذا ما تحركت على الطريق السليم، وتحولنا لنظام ديمقراطى حقيقى قوى وفعال، فإن عدة جولات بالعالم العربى وحده ستأتى ـ حبا أو خوفا ـ بالملايين، فى شكل استثمارات».

ورأى البرادعى أنه من «الضرورى استمرار إدارة الدولة للمرافق الحيوية، وألا تهدف الدولة للربح أو تعمل كتاجر»، وقال: القطاع العام كان من المهم أن يتم خصخصته لصالح الملكية العامة، وإعلام قومى لا يهدف للربح، ولكن أسأنا استخدام كلمة الخصخصة، وهضمنا حقوق العمال».

لا توجد آلة انتخابية بعد

لكن عددا ممن حضروا اللقاء، واجهوا البرادعى بمشاكل ومعوقات تنظيمية حالية، بحملته للرئاسة، منها «غياب الآلة الانتخابية والماكينة الإعلامية» حتى الآن، وهو ما اعترف به البرادعى: «نعم لا توجد آلة انتخابية قوية، لكن جارى حاليا بناؤها، وتواجهنا صعوبات خاصة بعد حملة المقاطعة الإعلامية لى خلال فترة النظام السابق وتعمد تشويه صورتى لدى المصريين».

وتابع قائلا: بدأت الحملة الرئاسية عملها منذ أسبوعين فقط، ونستعد لوضع إطار عام لعمل الحملة، بعد وضع هيكل تنظيمى لها، ولازلنا نبحث عن مقار وتمويل للحملة»، متابعا:

«نعقد جلسات استماع من خبراء فى الصحة والقانون والإدارة وغيرها من المجالات، لوضع البرنامج الانتخابى»، وأشار لوجود أكثر من 100 ألف متطوع بالحملة حاليا.

«التقصير فى التواصل الجماهيرى»، من النقاط التى طرحها الحضور بقوة على البرادعى، ما دفع الأخير للتأكيد على أنه سيتواصل مع المواطنين عبر الإعلام فى الفترة المقبلة بكثافة، بعد رفع الحظر الإعلامى مؤخرا فى أعقاب نجاح ثورة 25 يناير، فضلا عن الظهور فى التليفزيون المصرى لاحقا لكن بعد تطهيره، على حد تعبيره.

تواصل البرادعى الحاصل على جائزة نوبل للسلام مناصفة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 2005 لن يقتصر على الإعلام أو وسائل التواصل الحديثة عبر أدوات الإعلام الجديد على الإنترنت، بل أيضا سيمتد إلى إجراء جولات ميدانية فى القاهرة والمحافظات والحديث مع الناس مباشرة لكنه فى الوقت ذاته، سيضع الجوانب الأمنية فى الحسبان، خاصة مع «تعقب بلطجية بشكل منظم» لتحركاته أينما ذهب، وهو ما دلل عليه بالإعتداء عليه أثناء إدلائه بصوته فى الاستفتاء الأخير بإحدى الدوائر الانتخابية بالمقطم، وجاء رده «ما حدث فى المقطم ليس عملية تشويه فقط بل انتقام».

معالم الطريق بالمرحلة الانتقالية

وخلال الحوار سيطرت على البرادعى مشاعر القلق من المرحلة الانتقالية ومدتها وهو ما بدا فى قوله: «يزعجنى أن الفترة المقبلة مغيبة، ولا نسير فى اتجاه مجلس رئاسى».

وبنفس الهاجس، وردا على سؤال حول المدى الزمنى الذى سيتحقق من خلاله التحول الديمقراطى المطلوب، قال: «للأسف إحنا مش ماشيين عشان نضع رجلنا على الطريق السليم… دول عديدة بينها دول بأمريكا اللاتينية أعطت لنفسها وقتا بعد التخلص من النظام الديكتاتورى، لكننا فى خلال 6 أشهر نسعى للتغيير السريع».

ويرى أن أولويات التحرك فى المرحلة الحالية، تتمثل فى «تأسيس مجلس رئاسى، وإجراء حوار وطنى حقيقى، ثم وضع دستور جديد لأنه الوسيلة لاستعادة التوافق الوطنى، يليها انتخابات برلمانية تمثيلية لجميع قوى المجتمع عن طريق القائمة النسبية، ثم إعادة هيكلة ليس فقط العقل المصرى بل المجتمع المصرى»، وهى الخطوات التى اعتبرها خارطة الطريق للانتقال الديمقراطى.

نقدر دور الجيش التاريخى

المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ودوره فى إدارة شئون البلاد، كان من المحطات المهمة التى توقف عندها البرادعى كثيرا خلال حواره مع «الشروق»، موجها إليه رسائل تحمل فى جانب كبير منها تقديرا لدور الجيش فى حماية الثورة، وفى جانب آخر دعوات لـ«التريث»، وقال: «لابد أن ينفتح الجيش علينا ويكون فى حوار وتواصل».

وتوجه بحديثه للمجلس العسكرى قائلا: «إن أردتم مغادرة الرئاسة، فنحن مقدرون دوركم التاريخى، لكن اتركوا رئاسة مدنية، أو مجلس رئاسى قبل المغادرة، وأمهلونا فترة أطول من 6 أشهر لتمتد لعامين، لأن العجلة لن تؤدى لطريق سليم، وما أراه عشوائية دستورية كاملة».

ولم يخف البرادعى شعوره بـ«قلق يزداد يوما بعد يوم» من أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، «لا يتحرك إلا بنزول الناس للشارع»، وزاد «ما يزعجنى أيضا إطلاق هتافات فى المظاهرات الأخيرة لم تكن طيبة بحق الجيش، فكان فى الأيام الأولى للثورة المخلص وحامى الثورة، أما اليوم فالناس «بتقول ايه اللى بيحصل»، مدللا باستمرار الاعتقالات السيئة فى صفوف الناشطين بينهم المحامية راجيا عمران وشقيقتها اللتان ذهبتا لمراقبة الاستفتاء الأخير، «مما دعانى للتوسط لدى وزير فى الحكومة من أجل الإفراج عنهما وهو ما حدث».

وتساءل المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية بنبرة أكثر حماسة: «هل نريد بناء ديمقراطية حقيقية، أم تجميل النظام، هل المطلوب تغيير أشخاص، أم تغيير نظام؟» وخلص إلى أنه: «لو أردنا الأخير حقا فطريقنا معوج ولا يغير النظام»، مؤكدا فى عبارة تحمل أيضا تحذيرا أن «الاستقرار هو وضوح الرؤية المستقبلية، مفيش مستثمر هيجى يستثمر فى هذا الوضع».

ومضى يقول: تحدثت قبل طرح التعديلات الدستورية للاستفتاء، مع المجلس العسكرى عبر الهاتف، وقلت لهم، لو عدلتوا الدستور لن يكون لكم محلا من الإعراب، لأنها تعنى إعادة العمل بدستور عام 1971، وهو ما يعنى أن المجلس لن يكون له وجود؛ لأنه طبقا لهذا الدستور فإن من يدير شئون البلاد هو رئيس المحكمة الدستورية» وأضاف فى هذه النقطة «إلغاء الاستفتاء كان من الممكن أن يتم بسهولة، لأن المجلس جاء بعد الاستفتاء بيوم، وأعلن أن الدستور سقط بالكامل.

وحذر البرادعى من أن «النظام لم يسقط بعد، بل هو فى مرحلة انتقالية فى محاولة لاستعادة نفسه»، ما لم تكن «هناك خطة واضحة صريحة بجدول زمنى لهذه المرحلة» مشددا على ضرورة «ألا يكون هناك صدام مع الجيش أو أن يتم الضغط عليه».

وأوضح المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية ملابسات وأسباب عدم مشاركته فى الحوار الوطنى، وقال: «قبل موعد الحوار بساعات، اتصل مجلس الوزراء بالمنزل يخبرنى بالدعوة لحضور الحوار الوطنى، دون أن أدرى حوارا عن إيه ولا من سيحضره، فقلت كتر خيركم أنا مش جاى».

وارتفعت حدة صوته، حين قال: كيف أشارك الحزب الوطنى فى حوار، قبل محاكمته ومعرفة مسئوليته عن الثورة المضادة، يكون ضمن بنوده المصالحة، كيف أتصالح قبل معرفة الحقيقة؟!».

حضر اللقاء الذى استمر على مدار 4 ساعات ؛ المهندس إبراهيم المعلم رئيس مجلس إدارة جريدة الشروق، وسلامة أحمد سلامة رئيس مجلس التحرير، وجميل مطر وحسن المستكاوى عضوا مجلس تحرير جريدة «الشروق»، وعماد الدين حسين ووائل قنديل ووائل جمال، مديرو التحرير.

البرادعى فى ضيافة (الشروق) – (الحلقة الثانية): مبارك قال لى: نعرف أن لدى صدام أسلحة بيولوجية يخفيها فى المدافن

                       محمد البرادعي

تحدث البرادعى فى عام 2009 عن «سقوط رأس النظام خلال أشهر قليلة»، وقال إن «التغيير قادم لا محالة»، فاعتبر عدد غير قليل حديثه ضربا من ضروب الخيال، لكن ثورة 25 يناير التى أطاحت بالنظام جاءت لتنصفه.

فى الحلقة الثانية والأخيرة من لقائه مع «الشروق»، يتحدث عن علاقته مع الرئيس المخلوع حسنى مبارك وأسرته خلاله فترة عمله بالوكالة الدولية حتى تنحى مبارك عن السلطة، ويتطرق لأسباب تركه منصبه الدبلوماسى كمساعد لوزير الخارجية الأسبق إسماعيل فهمى، وانتقاله للعمل بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما يفند مجددًا المزاعم التى تتردد عن اتهامه بأنه أعطى الشرعية للاحتلال الأمريكى للعراق.

قال البرادعى: «إن العلاقة بالرئيس السابق مبارك قبل ديسمبر 2009 أى قبل انتهاء فترة ولايتى بالوكالة، كانت عادية، لكنها تغيرت تماما بعد هذا التاريخ إلى كراهية، وقت أن تحدثت عن كلمات محرمة مثل الحرية والتغيير والعدالة الاجتماعية»، مستغربا من تحول العلاقة لكراهية، إلى حد إصدار مبارك تعليمات إلى رؤساء تحرير الصحف الحكومية بأن «اتصرفوا» عقب إعلانه المشاركة فى الحياة السياسية فى بيان أصدره أواخر ديسمبر 2009.

وتحدث البرادعى عن عدد من الوقائع التى جمعت بينه وبين مبارك، قال إنه كان «ينصت جيدا حين يكون الحديث عن السياسة الخارجية، لكن ليس بنفس القدر حين يكون الكلام عن الأمور الداخلية، لأنه اعتبرها شأنا أمنيا».

وروى البرادعى أنه قبل الحرب الأمريكية على العراق فى 2003، سعى جاهدا للحيلولة دون وقوعها، وقال: اتصلت بمبارك حول هذا الأمر وأكدت أن العراق لا يمتلك أسلحة نووية، فعلق قائلا «احنا عارفين أن لدى صدام (الرئيس العراقى السابق) أسلحة بيولوجية فى المدافن».

وذكر أنه خلال تكريمه من الرئيس السابق بمناسبة تقلده قلادة النيل، شعر بخجل من كلمات إطراء مبارك، واكتفيت بجملة واحدة وقتها وهى: «أشكر مبارك باسم الشعب المصرى الذى منحنى القلادة».

وكان مبارك قد ذكر فى كلمته لتكريم البرادعى فى فبراير 2006 «نلتقى اليوم تكريما للدكتور محمد البرادعى… واحتفاء به ابنا بارا من أبناء مصر، ونبتة طيبة من أرضها الطاهرة… أعبر لهذا الابن البار بالأصالة عن نفسى وباسم شعب مصر عن مشاعر التهنئة والاعتزاز بمناسبة فوزه المستحق بجائزة نوبل للسلام، تقديرا لجهوده وجهود الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التى يضطلع بأعباء إدارتها بتميز واقتدار»، وجاء أيضا «تغمرنا جميعا مشاعر الفخر والاعتزاز‏…‏ فتلك هى المرة الرابعة لحصول أحد أبناء مصر على جائزة نوبل الرفيعة».

وبسؤاله عن رأيه فى مزاعم مسئوليته عن غزو العراق، قال: «يحز فى نفسك أن تدافع عن نفسك طوال الوقت بسبب إما جهل أو وسائل إعلام حكومية غيبت الشعب المصرى».

وأضاف البرادعى الذى صرح فى بيانه أمام مجلس الأمن فى 27 يناير 2003 قبل غزو الولايات المتحدة للعراق بأسبوعين، بأن «فريق الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم يعثر حتى الآن على أى أنشطة نووية مشبوهة فى العراق»: لو ذهبت إلى 191 دولة من دول العالم وسألت عن موقفى من العراق سيعرفون دورى والوكالة فى محاولة منع الحرب».

وردا على سؤال لحسن المستكاوى حول سبب معارضته لنظام الرئيس السابق بشكل مفاجئ وقوى، بعد انتهاء فترة ولايته فى الوكالة الدولية منذ عام ونصف العام فقط، يجيب: «كنت ملتزما خلال عملى بالوكالة الدولية بميثاق مهنى وقسم بألا أدلى بأى حديث فى سياسة أى دولة، ولم أستطع مخالفة هذا الميثاق، لا أستطيع».

الخروج الآمن تأخر كثيرا

فى 7 فبراير الماضى، طرح البرادعى اقتراحا يقضى بـ«خروج آمن» بعد تصاعد الاحتجاجات الشعبية ضده، وذلك فى مقابلة مع فضائية «الحرة»، سألناه، هل مازال الاقتراح قائما?، فقال: قلت منذ شهر ونصف الشهر، عفا الله عما سلف، وأنه إذا غادر مع عائلته لخارج البلاد فمع السلامة، لكن الوقت تأخر الآن جدا، بعد اكتشاف هذا الكم من الفساد والكوارث». وأردف قائلا «الغريب أنه لم يقل للشعب حتى سلام عليكم… أنا ماشى».

وبشأن «الخوف من المحاسبة» مدنيا أو عسكريا، وهل يمكن أن تتسبب فى تعطيل إسقاط باقى النظام وتوقف البناء، قال البرادعى: هذه النقطة أساسية… كيف نقوم بعمل توازن وما هى أسبقيتى، وإزاى تفرق بين جريمة وخطأ أو ضعف مالى… أصالح قد إيه، وفى إيه، وأصالح مين?، هذا موضوع لحوار ينبغى البدء فيه سريعا».

عبدالناصر… رؤية عظيمة ودور رائد

من جهة أخرى، وحول رؤيته التى طرحها فى أكثر من تصريح له بأن «مصر لم تشهد ديمقراطية منذ 60 عاما»، ورده على اعتقاد آخرين بمعارضته للرئيس الراحل جمال عبدالناصر، أوضح قائلا: «كان لعبد الناصر رؤية عظيمة فى السياسة الخارجية، ودور رائد فى أفريقيا والعالم العربى، كما أنه جعل للمصرى عزة وكرامة، لكن كانت نكسة 1967 وقمع الحريات من الكوارث».

ومن خزينة ذكريات عمله بالخارجية المصرية أواخر عام 1979، كشف البرادعى عن ظروف تركه للعمل كمساعد لوزير الخارجية الأسبق إسماعيل فهمى، وسفره للخارج، ليصبح مسئولا عن برنامج القانون الدولى فى معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحوث عام 1980 بجنيف، وقال: تركت وظيفتى فى الخارجية، وغادرت البلاد إلى جنيف، وكنت معترضا وقتها على توقيع مصر اتفاقية «سلام منفرد» وكنت فى حالة نفسية صعبة؛ لأنى لم أر حينها أن هذا هو الطريق السليم».

ومن وجهة نظره أيضا فإن «السلام المنفرد» مع إسرائيل، لن يؤدى لأى سلام، وكان سلاما مع الحكومة المصرية فقط لا الشعب»، وتساءل: «كيف تتكلم فى الاتفاقية باسم الفلسطينيين حتى لو كان الأمر يتعلق بحكم ذاتى?.. فلا يمكن لأى شخص أن يفرض على آخر الوصاية».

السياسة الخارجية بين الماضى والحاضر

استمعنا إلى رأى البرادعى فى السياسة الخارجية المصرية، سواء على صعيد تاريخى أو فى المرحلة الراهنة، فقال بشكل مباشر وحاسم، «ارتكبنا أخطاء فى الماضى تصل إلى حد الجرائم لم تفق مصر منها حتى اليوم، فى مقدمتها، السلام المنفرد مع إسرائيل، ونكسة عام 1967».

وعن تراجع الدور المصرى وفقدان مصر تأثيرها فى محيطها العربى، يقول: «القاهرة للأسف خرجت من المعادلة بتأثير توقيع اتفاقية السلام المنفرد».

ويقول: «عدم وجود رادع، وغياب توازن القوى فى المنطقة، دفع تل أبيب للاستيلاء على القدس والجولان بسوريا، وغزت لبنان»، واصفا ما يحدث بقطاع غزة من حصار بأنه «جريمة حرب»، وقال: كيف يتم تجويع أكثر من مليون ونصف المليون شخص قرروا بإرادتهم الحرة اختيار حركة حماس فى الحكم، وتابع قائلا: «التعامل مع حماس دوليا غير متوازن على الإطلاق، ففى الوقت الذى تطالبه بالاعتراف بإسرائيل، لم تعترف أنت بفلسطين».

وتساءل مستنكرا، ماذا فعلنا فى السودان منذ 3 أعوام ونحن نعلم أن الاستفتاء الذى عقد فى يناير الماضى ستكون نتيجته انفصال الجنوب?.. جلسنا على مقعد المتفرجين».

«نموذج للعرب»

وعاد بلهجة واثقة ليقول: إن مصر الجديدة لو استطاعت المشى على الطريق السليم فستقود الأمة وستكون النموذج للعالم العربى، وسيشارك العرب فى الحضارة الإنسانية».

ورأى البرادعى أن «الحل يكمن فى الإسراع نحو التحول الديمقراطى، ولم شمل العرب مرة ثانية، والعمل مع أفريقيا، حتى نستطيع الرد على إسرائيل».

ومن جهة أخرى، يقول البرادعى إن أكثر من أعجب بهم من السياسيين هو رئيس وزراء الهند، موضحا: «لقد عاش الرجل 10 أعوام فى قريته دون لمبة كهرباء، أو صرف صحى، وفى عهده يوجد300 مليون هندى طبقة متوسطة» مشيرا إلى أنه قدم إقرار ذمة مالية، بأنه لا يمتلك عربية».

50% عمال وفلاحين للأحزاب لا البرلمان

وعاد إلى الشأن الداخلى ليؤكد أن نسبة الـ 50% من العمال والفلاحين فى البرلمان لا تعبر عن نظام ديمقراطى، لافتا إلى «توافر طرق أفضل لتمثيل كل فئات الشعب، كتأسيس ائتلاف يضم جميع الاتجاهات، يأخذ أغلبية وكل شخص هيكون ممثل فيه»، مشيرا إلى أن «50% عمال وفلاحين مكانهم هو الأحزاب لا البرلمان، فلا يوجد فى أى برلمان فى العالم هذه النسبة».

وتعقيبا على نتيجة الاستفتاء على التعديلات الدستورية والتى جاءت بتصويت 77% من الناخبين بنعم، رأى «إن الديمقراطية أن يستمر رأيى كمعارض، ودائما الأقلية بذرة الأغلبية فى المستقبل، ولن نختفى وسنقنع الأغلبية أن رأينا كان سليما».

حوار وطنى مرتقب

وفى رده على المتشائمين، عاد السياسى البارز ليفتح نافذة جديدة على حلول عملية، حين تحدث عن حوار وطنى مرتقب سيدعو إليه، قائلا: «الحوار الذى سيتم الدعوة له قريبا، سيكون جدول أعماله من عدة نقاط أهمها شكل نظام الدولة، طريقة الحكم، المساواة فى الحقوق والواجبات، وكيفية إجراء الانتخابات»، مؤكدا ضرورة التركيز على أمهات الأمور لا مواضع الخلاف ومن بينها؛ برلمان يعبر عن نظام ديمقراطى، رئيس جمهورية سلطاته محدودة، استقلال السلطة القضائية.

وقال: على الأقل نتفق على نقاط لحوار وطنى مواز، وترشيح 100 اسم من ذوى الخبرات المختلفة التى تحمل المصداقية فى مجالات مختلفة.

والتقط المهندس إبراهيم المعلم طرف الحديث، حين أعلن أن «الشروق» ستبدأ فى إجراء حوار علمى متخصص وعلنى يتيح للناس المشاركة لطرح وجهات النظر المختلفة والوصول لنتائج، ويدير هذا الحوار الدكتور زياد بهاء الدين.

البرادعى فى ضيافة (الشروق) – (الحلقة الأولي) … الفقر والفقراء أهم أولوياتى