البصمة الكيميائية: طريقة جديدة للكشف عن موطن المعادن

البصمة الكيميائية: طريقة جديدة للكشف عن موطن المعادن

معدن كولتان الذي يستخرج التانتال منه والذي لا يوجد بديل عنه لصناعة أجهزة الكمبيوتر والهاتف المحمول
تعتبر “البصمة الكيميائية” أحدث وسيلة للكشف عن الموطن الأصلي للمعادن. وهي تستخدم الآن للكشف عن المتاجرين بشكل غير شرعي بمادة الكولتان النادرة الوجود والتي لا بديل لها حتى اليوم لصناعة أجهزة مثل الهاتف النقال والكمبيوتر.

يدخل معدن تانتال في صناعة الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر والتليفزيون، وهو معدن قادر على تحمل درجات حرارة عالية جدا، لذا يستخدم في صناعة مكثفات الأجهزة الكهربائية، التي هي أداة لتخزين الطاقة الكهربائية لمدة قصيرة على شكل مجال كهربائي. حتى اليوم لا يوجد معدن بديل للتانتان الذي هو أحد مكونات معدن الكولتان. والكولتان بدوره معدن خام نادر الوجود في الطبيعة، وثلاثة أرباع الكمية المعروفة منه توجد في إفريقيا وتحديدا في شرق الكونغو.

وتشهد الكونغو حربا أهلية منذ عشرات السنين، لذلك تعمد الميليشيات المتحاربة إلى استخراج الكولتان وبيعه في السوق السوداء لشراء الأسلحة. هذه التجارة المحظورة قد تنتهي قريبا بفضل تطوير طريقة جديدة للتعرف على بلد المنشأ باستخدام “البصمة الكيميائية”.

تم تطوير الجهاز الجديد في مدينة هانوفر الألمانية حيث يوجد مقر “الوكالة الاتحادية لعلوم الجيولوجيا والمواد الخام”. ويتولى التعرف على البصمة الكيميائية مجهر مسح إليكتروني يبلغ ثمنه 600.000 يورو. ويقول الدكتور فرانك ميلشر،خبير المواد الخام لدى الوكالة الاتحادية، “يوجد في هذا المجهر جهاز لتحليل الأشعة مهمته الكشف عن الفلزات والمراحل المختلفة للمعادن الموجودة في خام الكولتان” وهو يعمل بالأشعة السينية الثانوية غير الخطيرة على صحة الإنسان.

طريقة التحليل الجديدة ستقضي على التجارة غير المشروعة





ثلاثة أرباع الكولتان موجود في شرق الكونغو حيث يتم تمويل تجارة سلاح حركات المتمردين من بيعه

لدى تكبير السطح المصقول للكولتان بنسبة كبيرة يظهر السطح وكأنه مكون من قرميد مختلف الألوان. ويعلق الدكتور فرانك ميلشر على ذلك بالقول “هنا نرى في يسار الجزء العلوي من الصورة ألوانا زرقاء كثيرة وهذا مؤشر على وجود “حجر القصدير” وبذلك نعرف أن هذا المعدن من رواندا إذ تبلغ نسبة حجر القصدير فيه 15 بالمائة”. أما العينات الأخرى التي يضعها ميلشر تحت المجهر الإليكتروني فيميل لونها إلى الأحمر البني وهذا مؤشر على وجود معادن كثيرة وخاصة التانتال والنيوبيوم والودغينيت "Wodginit " وهذا يعني أنه تم استخراج هذه العينة من أحد مناجم الكونغو.

لقد نجح الباحثون في تحديد مصدر حوالي 200 عينة من الكولتان، وخزنوا البيانات في الكمبيوتر، وبذلك يستطيع الخبراء تحديد بلد المنشأ وحتى يمكنهم تحديد المنجم الذي استخرجت منه. وحسب الباحثة غودرون فرانكنGudrun Franken فقد تم تطوير هذه الطريقة للمساعدة على إنهاء النزاع المسلح في شرق الكونغو والقضاء على التجارة غير المشروعة بهذا المعدن النادر “الدافع إلى تطوير هذه الطريقة هو النزاع المستعر في شرق الكونغو والذي يؤثر على حياة ملايين المواطنين الذي يعيشون من استخراج هذه المعادن”. وتأسف غودرون فرانكن لأن الأموال تذهب لتمويل المتمردين في شرق الكونغو، وتضيف بأن “الهدف من عملنا هو إغلاق مصدر التمويل هذا”.

الكولتان سهل الاستخراج،وهو موجود على شكل حبيبات سوداء بحجم حبة البازلاء ويتم غسله كما يُغسل الذهب من الأنهار حيث يباع الكيلوغرام الواحد بعشرة دولارات، وهو مبلغ لا بأس به في إفريقيا. ويوجد في العالم كله عشر شركات فقط قادرة على معالجة الكولتان من بينها شركات في ألمانيا. وتتهم هذه الشركات وشركات الكمبيوتر والأجهزة الإليكترونية التي تتعامل معها منذ سنوات بتشجيع الحرب الأهلية في إفريقيا عبر شراء الكولتان في السوق السوداء. لذا تقول غودرون فرانكن “إن الشفافية أمر هام جدا في هذه التجارة”.لذلك تطالب عدة منظمات دولية والدول الأوروبية بضرورة وجود هيئة رقابة مستقلة على هذه التجارة.والجهاز الذي طوره العلماء الألمان يشكل وسيلة هامة للتعرف على بلد المنشأ من خلال “البصمة الكيميائية”.

الكاتب ميشائيل إنغل/عبد الرحمن عثمان

مراجعة: طارق أنكاي