الحلول لمشاكل البناء من الوزارة

مع تحيات مومو عمارة

سمعنا كثيرا عن البناء والأعمار حتى مللنا ودب اليأس في نفوسنا لكثرة الوعود وضخامة التخصيصات وشحة التنفيذ ورداءته.نريد اليوم ان نسمع من يتكلم عن بناء الإنسان، أعتقد أن هذا البناء أولى ان نبدأ به ولا نلغي عمليات البناء الأخرى لتوفر أغلب عناصره.وبالتأكيد سوف لن نجد مسئولا واحدا على الأقل يستطيع إن يقنعنا بان بناء الإنسان يحتاج إلى دخول شركات أجنبية ذات رؤوس أموال كبيرة وتقنيات متطورة .ولعل أهم شريحة يمكن إعطاؤها أهمية قصوى في ذلك هي التلاميذ في التعليم الابتدائي والثانوي.

أريد إن أركز كلامي بالضبط عن عمل وزارة التربية وما قدمته - ليس منذ سقوط النظام إلى اليوم - لكي نكون منصفين نقول ماذا قدمت وزارة التربية منذ بداية عمل الحكومة الجديدة مطلع العام السابق وحتى اليوم ؟ وما هي استراتيجية عملها للسنوات القادمة ؟ وما الحلول المقترحة لعشرات وربما مئات المشاكل التي تعترض العملية التربوية في عموم العراق ؟ المتابع لأخبار وزارة التربية يكاد لا يسمع عنها من أخبار سوى (تم إعادة كذا عدد من المفصولين السياسيين) أو (تم احتساب الخدمة لــــكذا عدد …) وكأن هذا الموضوع هو أنجاز كبير للوزارة وهو برأيي الشخصي لا يعدو عن كونه حق كفله القانون للمتضررين من النظام السابق.
العملية التربوية بصورة عامة وما لحق بها من ضرر على مدى السنوات السابقة وتحديدا منذ عام1980 بحاجة إلى وقفة جادة فكما يعلم الجميع أن عناصر العملية التربوية تشمل (المعلم- الطالب- المنهج الدراسي - المدرسة ومستلزماتها) هي عناصر مترابطة في عملها إذا أريد لهذه العملية النجاح، فنحن ومنذ أربع سنوات خلت لا نسمع سوى الكلام عن كيفية تحسين أحوال المعلمين والمدرسين (وأنا مع هذا النهج) في الاستمرار بدراسة أحوال هذه الشريحة المهمة جدا في المجتمع،وقد بان التحسن في بداية سقوط النظام إلا إن التضخم الاقتصادي سرعان ما أكل كل الزيادات التي حصلت على رواتب كافة موظفي الدولة وليس المعلمين وحدهم.
أن تحسين الوضع المعاشي للمعلمين والمدرسين ليس كافيا لخلق هيئات تدريسية كفوءة ومقتدرة ، ثمة إغفال لجوانب عديدة أخرى تخص المعلم تدخل في صلب عمله منها على سبيل المثال زج هذه الكوادر في دورات تطويرية في علم النفس التربوي أو دورات علمية في مختلف الاختصاصات والمواد الدراسية ودورات في طرائق التدريس. ويفضل بناء معاهد في كافة المحافظات لتطوير المعلمين والمدرسين الموجودين في الخدمة وتوضع في تلك المعاهد خطط ودراسات لتطوير كافة الهيئات التدريسية في تلك المحافظة وبضمنها إدارات المدارس على إن يتم الربط بين استحقاق العلاوات السنوية والدرجات الوظيفية باجتياز مجموعة من الدورات التطويرية في ذلك المعهد وضمن منظومة محكمة يتم وضعها مركزيا أو على الأقل في تربية المحافظة .كذلك يجب تطوير معاهد أعداد المعلمين والمعلمات وكليات التربية لأجل بناء المعلم بناءا صحيحا وسليما تجعله قادرا على إدارة صفه الدراسي بكفاءة عالية.
موضوع أخر مهم يجب تفعيله لأنه قد فقد بريقه بمرور الزمن وهو (مفتشو التربية) ، إذ مازلت أتذكر إلى اليوم - أنا من مواليد الستينات وعندما كنت طالبا- الزيارات التي يقوم بها مفتش التربية إلى المدرسة وكأنه قائد عسكري رفيع يزور ثكنة عسكرية صغيرة بكل ما تحمله هذه التوصيفة من معاني وما يصاحبها من استنفار عام داخل المدرسة لإظهارها بأحسن و أجمل ما تكون . ولكن سؤالي هو هل يوجد اليوم هذا القائد العسكري (المفتش) برزانته وعمله وخبرته وأناقته ؟ وهل يوجد آمر وحدة وضباط وجنود (المدير والمعلمون والطلاب) من الذين يحرصون أشد الحرص على الظهور أمام قائدهم (المفتش) بأحسن صورة ويخشون منه أن هم ظهروا بخلافها ؟
من الأمور الأخرى والتي تدخل في باب (المعلم) والذي أستفحلت نتيجة الظروف التي مر بها العراق خلال العقود الثلاث المنصرمة وبالتحديد الحروب والتي فرضت أن صح لي أن أسميه (تأنيث التعليم) فالآن النسبة الأكبر من المعلمين والمدرسين هم من الجنس اللطيف سواء أكانت هذه المدارس للبنين أو البنات وفي ذلك برأيي سبب لكثير من المشاكل وخصوصا لطلبة المراحل المنتهية ولعل أهم هذه المشاكل كثرة الإجازات التي تتمتع بها النساء في ظروف الحمل والوضع وأجازة الأمومة وغيرها، كما أن هناك مشاكل في مدارس البنين والتي تدرس فيها المعلمات حيث تجد المعلمة صعوبة في إدارة الصف لكثرة المشاكسين من الطلبة خصوصا في المناطق الشعبية وهي الغالبة ، لذا أدعو إلى أعادة التوازن لا بل إلى تغليب نسبة الذكور على الإناث على الأقل لكثرة الرجال العاطلين عن العمل في الوقت الحاضر من خريجي الكليات والمعاهد.
شيء أخر أحب أن أنبه له وزارة التربية ومديريات تربية المحافظات هو ضرورة محاسبة الإدارات عن كثرة الإجازات الرسمية وهي في حقيقتها ليست رسمية وتتبع لاجتهادات شخصية طالما مجلس النواب لم يحدد لحد ألان (العطل والأعياد والمناسبات) والتي تعتبر أجازات رسمية لكافة دوائر الدولة أو هي مناسبات تقام فيها احتفاليات بسيطة ولكن خلال الساعات الأولى من الدوام الرسمي. أقترح على وزارة التربية في بداية كل عام دراسي تحدد هي (طالما لم يحددها البرلمان لحد الان ) وبالتنسيق مع رئاسة الوزراء (العطل الرسمية) خلال السنة الدراسية ولحين إصدار البرلمان لقانون خاص بتلك العطل والمناسبات .
ما يخص الباب الأخر والذي اعتقد انه من أهم واجبات وزارة التربية هو باب (المنهج الدراسي) فما زالت المناهج قديمة وغير مطورة . ولم يتم استحداث دروس علمية جديدة كمادة (الحاسبات) مثلا وغيرها وان وجدت في بعض المدارس فهي بمناهج قديمة لا تستطيع إن تطور شيئا في قابليات الطالب لعدم مواكبتها التطورات السريعة الحاصلة في تلك العلوم ولعدم توفر المختبرات التي تسهم في الزيادة المعرفية بها .
وبالتالي فلابد من تفعيل عمل اللجان المكلفة بدراسة تحديث المناهج والاطلاع على مناهج الدروس لعدد من الدول العربية المجاورة والتي حققت قفزات في هذا الجانب .
الباب الثالث هو (المدرسة) ومستلزماتها فما زالت لحد الآن خطة بناء المدارس متعثرة جدا ومازالت المدارس تغص بأعداد هائلة من الطلبة لا تتناسب مع الحجم التصميمي لاستيعابها ونجد بعض البنايات المدرسية تشترك فيها ثلاث مدارس وبمعدل3 ساعات دوام لكل مدرسة والصف الدراسي فيه ربما أكثر من خمسين طالبا. وكل طاولة يجلس عليها ثلاثة أو أربعة طلاب. وهناك في بعض المناطق ربما لا توجد طاولات لجلوس التلاميذ وهناك مدارس في بعض النواحي لا زالت مبنية من الطين .
أتمنى على السيد وزير التربية والسادة النواب المسؤولين عن قطاع التربية والتعليم البدء بحملة كبيرة بالتنسيق مع رئاسة الوزراء لشرح أبعاد هذه المشكلة الكبيرة التي نعاني منها إلى المجتمع الدولي وهيئات الأمم المتحدة والدول الشقيقة الغنية لغرض تخصيص صندوق لجمع الأموال من الدول المانحة مع مبالغ التخصيصات السنوية من ميزانية الدولة العراقية للبدء بحملة وطنية لبناء اكبر عدد ممكن من المدارس وبمواصفات حديثة.
كما أتمنى على وزارة التربية تهيئة الأراضي المخصصة لبناء المدارس مسبقا وفق دراسة علمية لتحديد احتياجات كل منطقة بالتنسيق مع مديريات التربية في المحافظات ولا نريد أن نسمع عبارة (بأن التخصيصات موجودة ولكن الأراضي غير مستملكة) فمعظم الأراضي هي تابعة للدولة ووزاراتها ، ولا اعتقد إن وزيرا يرفض بناء مدرسة في قطعة ارض تتبع إلى وزارته وإذا وجد مثل هذا المسؤول فالرئاسة موجودة ويمكن حلها .المهم هو الاسراع بتوفير الأراضي أولا.
الباب الأخير هو باب (الطالب) وفيه تكون المسؤولية مشتركة بين الأسرة والمدرسة والتعاون بينهما ضروري جدا لمصلحة الطالب لذا أدعو إلى تفعيل مجالس الآباء والمعلمين وضرورة استدعاء أولياء أمور الطلبة من قبل إدارات المدارس لاطلاعهم على نتائج أبنائهم وسلوكهم العام في المدرسة، كما أدعو إلى تفعيل دور (المرشد التربوي) وتعيين مرشدين تربويين في كافة المدارس لمساعدة إدارات مدارسهم في حل مشاكل الطلبة بأسلوب تربوي صحيح . كما أدعو إلى تفعيل درس (الرياضة) وتهيئة مستلزماتها لما لها من أهمية في بناء الطالب صحيا ونفسيا . وأتمنى أن تعاد العافية إلى الرياضة المدرسية بمجملها لنعود ونرى مهرجاناتها السنوية بكافة الألعاب التي كانت تقام على مستوى تربية المحافظة وبعدها على مستوى تربيات المحافظات ليتم في نهايتها تسمية منتخبات (تربية العراق) والتي كانت تشارك في مسابقات عربية ودولية وإقليمية وبالتالي فان تلك المنتخبات كانت تمثل ركيزة أساسية لرفد المنتخبات الوطنية في جميع الألعاب.
كما أدعو وزارة التربية إلى التشديد على إدارات المدارس للابتعاد عن التسييس ومنع رفع الشعارات والصور ومحاسبتها في حال تهاونها بذلك لخطورة المسألة وتربية التلاميذ على حب الوطن والمواطنة الصالحة لكي نبعد أجواء التوتر السياسي والأمني من أن تلوث أجواء الدراسة وتلوث العلاقات البريئة بين التلميذ بأمراض المذهبية والطائفية المقيتة . وكما ادعوا الوزارة إلى دراسة أسباب عزوف الطلبة عن إكمال دراستهم في التعليم الثانوي وكثرة المتسربين عن الدراسة في التعليم الابتدائي ومحاولة إيجاد حلول ناجعة لهذه المشكلة بالتعاون مع باقي الجهات ذات العلاقة.
في النهاية فاني اطرح على وزارة التربية والسادة المسؤولين أصحاب العلاقة بعض المقترحات لعلها تسهم في إيجاد حلول سريعة لجزء من المشكلة أوجزها بما يلي : -

  1. كان لي على صحيفة المنارة في عدد سابق مقترح تقدمت به إلى السيد محافظ البصرة وكافة السادة المسؤولين عن العملية التربوية، قلت فيه ما دامت المشاكل التي تعترض العملية التربوية كبيرة وما زلنا غير قادرين على المدى القريب من حلها وبسبب صعوبة الإبقاء على الوضع الحالي بدون حلول ولو جزئية اقترحت الاهتمام بمدارس المتميزين والمتميزات والشروع ببنائها وفق احدث التصاميم وتزويدها بأحدث الوسائل التعليمية وتعيين أكفأ المدرسين فيها مع منحهم مخصصات إضافية لكفاءتهم ولتشجيعهم على بذل المزيد واختيار نخب من الطلاب والطالبات المتفوقين للدراسة في تلك المدارس على إن تعمم هذه التجربة لتشمل الاقضية كذلك ولا تقتصر على مراكز المحافظات .
  2. منح التراخيص لبناء المدارس الخاصة:- وهذه التجربة اثبتت نجاحها خلال فترة السنوات الثلاث الماضية،، لعدة أسباب لعل أبرزها هو حرص القائمين عليها على إنجاح مشروعهم الخاص باعتباره مشروعا تجاريا تربويا في آن واحد ولوجود منافسة بين تلك المدارس وكذلك متابعة مديريات التربية لهذه التجربة الجديدة، بالإضافة إلى كثرة العوائل التي ترغب بتعليم أبنائها في مدارس خاصة تتوفر فيها وسائل تعليمية حديثة ووسائل للراحة ومدرسين ومعلمين أكفاء . لكن أشدد على ضرورة متابعة هذه المدارس بتكثيف الزيارة لها ووضع معايير وأسس لعملها .
    وهناك الكثير من الأفكار التي يحملها أصحاب الاختصاص والدراية بموضوع التربية أكثر بكثير من الذي تقدمت وذكرته لكوني لم اعمل يوما واحدا في قطاع التربية وما حملني على الكتابة هو حرصي الشديد على طلبتنا المساكين والذين هم أبناؤنا وإخواننا.ولبلورة هذه الأفكار والرؤى اقترح على وزارة التربية توجيه مديرياتها في المحافظات إلى عقد مؤتمرات سنوية لمناقشة واقع التعليم وبحث المشاكل التي تعترض سير العملية برمتها في كل محافظة على إن تنظم هذه المؤتمرات برعاية المحافظين ومجالس المحافظات وبأشراف لجان التربية والتعليم فيها بألاضافة إلى نقابات واتحادات المعلمين على أن يعد لهذه المؤتمرات إعدادا جيدا يتناسب وحجم المشكلة وأهمية معالجتها ومن ثم يعقد في نهاية هذه المؤتمرات مؤتمر موسع برعاية السيد وزير التربية والسادة أعضاء البرلمان مسؤولي لجنة التربية والتعليم ومدراء تربية المحافظات وأعضاء لجان التربية والتعليم في مجالس المحافظات وتتم دعوة منظمات المجتمع المدني ذات العلاقة بالتربية والتعليم وكافة من لهم علاقة من خبراء وغيرهم ويتم خلاله وضع إستراتيجية واضحة المعالم لتطوير واقع التعليم في رياض الأطفال والتعليم الابتدائي والثانوي، مع متابعة تنفيذ فقرات هذه الإستراتيجية في المؤتمرات المقبلة مع تقييم فاعليتها ومدى تأثير المنفذ منها في تطوير واقع التعليم.
    أن ما ذكرته آنفا من حلول مقترحة كان مبنياً على فرضية (الرجل المناسب في المكان المناسب) وهو مبدأ ربما نجد له تطبيق في باقي دول العالم إلا في بلدنا (مع الأسف). هذا المبدأ الذي يفتح كل المراكز أمام المنافسة الحرة والعادلة والشريفة ويكون الترجيح فيها من خلال مبدأ آخر هو الكفاءة.فالمحاصصة ألغت المواطنة وألغت الكفاءة وهذا هو الفساد الإداري. فلا يمكن أن يستقيم البناء ولا علاج ولا شفاء لنا إلا بالخروج من هذه الشرنقة التي وضعنا أنفسنا بها.والله من وراء القصد.
إعجاب واحد (1)