الخطة الشارونية لتهويد القدس

الخطة الشارونية لتهويد القدس

ولا يجوز فهم تهويد القدس باعتبارها مجرد عملية عشوائية نهمة، وإنما باعتبارها مخططاً بارداً له أهدافه الواضحة، ويترجم من خلال إجراءات محددة، ويهدف هذا المخطط إلى تأسيس القدس الكبرى الموسعة اليهودية الخالصة وجعلها كتلة استيطانية ضخمة تمزق وإلى الأبد الوحدة الجغرافية للضفة الغربية- كما ورد في إحدى وثائق حزب الليكود- ويستهدف هذا المخطط أن تمتد القدس الكبرى غرباً باتجاه تل أبيب وجنوباً باتجاه حلحول والخليل وشمالاً إلى ما وراء رام الله وحتى حدود أريحا شرقا، كل هذا يعني ضم حوالي 1250 كم (ثلاثة أرباع من الضفة الغربية)، وبذلك مساحة القدس الكبرى 21% من مساحة الضفة، بحيث يبلغ طول المدينة 45كم وعرضها25 كم، ولتنفيذ هذا المخطط قامت القوات الإسرائيلية بتشريد حوالي 60 ألف فلسطيني، وبالتالي أصبحت ممتلكاتهم وأراضيهم عرضة لعمليات استيلاء متواصلة، وذلك وفقاً لقانون أملاك الغائبين الذي استغلته السلطات الإسرائيلية من أجل مصادرة الأراضي العربية التي لم تتمكن من الاستيلاء عليها بصورة قانونية، وفي عام 1967 استولت على أراضٍ تقدر في مجموعها بحوالي 40% من القدس المحتلة وأقامت عليها مستوطنات ومستعمرات وأحياء ومصانع، ليصل عدد اليهود فيها في نهاية السبعينات إلى 19 ألف يهودي، كما صادرت 6000 دونم لبناء وتوسيع أحياء عديدة مثل “نافي يعقوب” “راموت” و"إيست" وفي عام 1990 تمت مصادرة الآلاف من الدونمات لتوسيع أحياء قديمة، وفي عام 1995 استولت السلطات الإسرائيلية على 4400 دونم بهدف دعم الاستيطان، وإذا كان الفسطينيين في نهاية عام 1995 حوالي 21% من أراضي القدس، فإن هذه النسبة تنخفض إلى 4% فقط من القدس بعد حذف المناطق الوعرة وخلافه، وقد بلغ مجموع سكان القدس عام 1993 حوالي 555 ألف نسمة منهم 155 ألف فلسطيني مقابل 400 ألف من الإسرائيليين، ورغم ذلك لا يحصل الفلسطينيون إلا على 5% فقط من موازنة بلدية القدس.
وقد شهدت عملية التهويد من ناحية الإسكان طفرة خلال فترة تسلم “بنيامين نتنياهو”
لرئاسة الوزراء في “إسرائيل” وكان من أولويات حكومته الليكودية استكمال مشروع “شارون” القديم الذي يقوم على إقامة 26 بوابة حول القدس لسد الفجوات الموجودة في الطوق الاستيطاني الإسرائيلي داخل الأحياء الفلسطينية، وإقامة تجمعات سكنية يتم من خلالها الدمج التام بين شرق المدينة وغربها وتحويل الأحياء العربية إلى أحياء معزولة يتم تفتيتها إلى وحدات سكنية صغيرة جداً.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن مشروع “شارون” القديم الذي كان قد وضعه ابان حكومة شامير الليكودية، كان يهدف أيضاً إلى إنجاز تتطويق القدس بالحزام الاستيطاني، وقد اعتمدت خطة “شارون” في العمل الاستيطاني على ثنائية الأحزمة والبؤر لتطويق التجمعات الفلسطينية بالمستوطنات والأحياء اليهودية، ثم الاندفاع في تركيز هذه البؤر لتفتيت ما تبقى من تجمعت عربية.
تهويد الآثار

لم تسلم آثار المدينة من عملية التهويد التي سارت في مسارين، أولهما: تصفية الآثار الإسلامية بسبب طابعها الواضح،وهذا ما تم عن طريق الهدم والجرف أو تحت ما يسمى الكشف عن الحائط الجنوبي والجدار الغربي للحرم القدسي، وثانيهما: تهويد الآثار غير الإسلامية ونسبها إلى ماتسميه “إسرائيل” التاريخ اليهودي.
ويعد المسجد الأقصى من أهم الآثار التي حاول الصهاينة تدميرها، بحيث تعرض لمحولات عديدة لتخريبه وهدمه وقد تم إحباطها، وكان من أخطرها تلك العملية التي تم إحباطها في 27 كانون الثاني عام 1984 عندما حاولت جماعة يهودية مسلحة تسلق جدار الحرم القدسي الشريف من الناحية الشرقية إلا أن الحراس تنبهوا للأمر، فهرب الإرهابيون مخلفين ورائهم كمية كبيرة من المتفجرات.
كما تعرض المسجد الأقصى لمحولات عديدة لحرقه من قبل السلطات الإسرائيلية، وكان من أبرزها الحريق الذي افتعل في 15 أيلول من عام 1969 والذي أدانه مجلس الأمن بموجب القرار رقم 271، وتبقى خطة الهدم بحجة الكشوف الأثرية المزعومة تحت المسجد الأقصى
أخطر الخطط الإسرائيلية التي تستهدف المسجد الأقصى على الإطلاق والتي لم تتوقف على الرغم من صدور القرار 1536 في 28 تشرين الأول عن الجمعية العامة للأمم المتحدة والذي يطالب “إسرائيل” بالكف عن هذا العبث.
القدس بين عامي 1967- 2000

حتى عام 2000 كان يعيش في مدينة القدس 564 ألف نسمة، منهم 413.7 يهودي بنسبة73.3%، و1506 غير يهودي أي بنسبة26.7%، وبالعودة إلى الفترة الممتدة بين عامي 1967 –2000 يلاحظ أن عدد اليهود في القدس قد ازداد بعد عدوان 1967 بنسبة 99% بينما لم تبلغ نسبة زيادة عدد السكان غير اليهود إلا 20% كما ازدادت مساحة مدينة القدس حيث أصبحت تعادل عشر مساحة الضفة الغربية بسبب التوسعات الصهيونية، وهذه الزيادة لم تأت نتيجة تكثيف تهجير اليهود أو ارتفاع معدلات الخصوبة بشكل كبير بين الجماعات اليهودية في إسرائيل بل أتت من خلال العمليات الإرهابية التي تقوم بها السلطات الإسرائيلية ضد السكان الفلسطينيين من خلال التهجير والإرهاب والتضييق عليهم في مستوى معيشتهم وحرمانهم من تراخيص البناء.
ومهما يكن من أمر، ومهما حاول الصهاينة تهويد القدس الشريف فإن هذا لا يغير في حقيقة الأمر شيئاً، فالقدس كانت وستبقى عاصمة فلسطين العربية وغاية مسرى الرسول (ص) وأرض المعراج، وفيها أولى القبلتين وثالث الحرمين.