الرنتيسي والحل لمشاكل الامة

مما لاشك فيه أن العامل الوحيد الذي يجعلنا اليوم خارج خارطة العالم الحر و المستقل هو تفكّكنا ، و أعني بالعالم الحر و المستقل العالم الذي لم تصادر قراره الوطني قوى خارجية ، و التدخل الأجنبي في صياغة قرارنا الوطني الذي ينبغي أن يكون مستقلاً يعتبر ثمرة طبيعية و نتيجة حتمية لحالة التفكك التي تعيشها أمتنا الإسلامية ، فأيّ من دولنا الإسلامية مهما بلغت من القوة لا تستطيع أن تقف وحيدة في وجه طغيان العمالقة المتوحشين ، بل و ستبدو هزيلة جداً إن هي فعلت ، و لكنها لن تفعل إيثاراً للسلامة ، و على النقيض من ذلك ستعمل جاهدة على استرضاء العمالقة المتوحّشين و مجاملتهم على حساب قيمها ، و مبادئها ، بل و عقيدتها ، و بالطبع على حساب قرارها الوطني الذي ينبغي أن يكون مستقلاً ، و إن الاستخفاف بنا كأمة بلغ اليوم ذروته ، و نحن الأمة التي قال الله فيها (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) (آل عمران:110) ، و هذا الخطاب الإلهي ليس موجّهاً للأمة العربية ، و لا الفارسية ، و لا الكردية ، و لا الطورانية ، و لا غيرها من القوميات ، و لكنه موجّه إلى الأمة الإسلامية ، فنحن أمة واحدة يجمعنا دستور واحد هو كتاب الله عز و جل (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء:92) .

و من مظاهر الاستخفاف بنا على سبيل المثال لا الحصر :

  • التدخل الخارجي خاصة الأمريكي في شؤوننا الداخلية كدولٍ إسلامية ، بل و التدخل الأمريكي السافر في صياغة قرارات مؤتمرات القمة العربية منها و الإسلامية .

  • ما يقوم به أعداء الأمة من استعداء بعضنا على بعضنا الآخر ، فهم يستعدون السلطة الفلسطينية على المقاومة الفلسطينية خاصة حركة المقاومة الإسلامية حماس ، و يستعدون السلطات القائمة في دولنا الإسلامية على الحركات الإسلامية في تلك الدول ، بل و على حركة حماس في فلسطين ، و يستعدون دولنا الإسلامية ضد بعض دولنا الإسلامية كما جرى في أفغانستان و العراق – و الحبل على الجرار - كما يقولون .

  • فرض العقوبات على بعض دولنا الإسلامية ، و إعلان الحرب على دول إسلامية أخرى تقع وسط المحيط الإسلامي ، و تُكره دولنا الإسلامية على تنفيذ العقوبات ضد المسلمين ، و تُكره أيضاً على مساعدة الأعداء في عدوانهم على المسلمين ، و الأمثلة كثيرة على رأسها أفغانستان و العراق .

  • التهديد المستمر لسوريا و لبنان و السودان و أخيراً للسعودية و مصر .

  • تقديم الغرب كلّ أشكال الدعم و الإسناد بلا حدود لعدونا المركزي و هو الكيان الصهيوني ، و كان آخر أشكال الدعم الفيتو الأمريكي الأخير ، و كذلك التسعة مليارات دولار التي ستقدّمها أمريكا للكيان الصهيوني مكافأة له على ممارساته الإرهابية ضد الشعب الفلسطيني ، و في نفس الوقت مطالبة الغرب لدولنا الإسلامية بالتعاون مع الكيان الصهيوني و التطبيع معه رغم ما يرتكبه من إرهاب و إفساد ضد الشعب الفلسطيني المسلم ، الذي هو جزء أصيل من نسيج الأمة الإسلامية ، و رغم ما يقوم به الصهاينة من تدنيس و تهويد لمدينة القدس و مسرى رسول الله صلى الله عليه و سلم .

  • المطالبة المستمرة لدولنا الإسلامية بتغيير مناهجها التربوية و التعليمية ، و توجيهها الإعلامي ، بل و تغيير معتقدات شعوبها الإسلامية لتصبح منسجمة مع مبادئ الغرب الهابطة التي لا تقيم وزناً للأخلاق و القيم ، و بهدف تدجين الشعوب حتى تتأقلم مع الهيمنة الغربية على مقدرات الأمة ، فهم يريدون إسلاماً بلا أسنان و لا شوكة ، حتى يتمكّنوا من بسط نفوذهم على أقطارنا الإسلامية إلى الأبد .

ما ذكرته غيض من فيض ، و وشل من بحر ، فمظاهر الاستخفاف بالأمة تحتاج إلى مجلدات لحصرها ، و لا أكون مبالغاً إن قلت إن بعض المتنفّذين في هذه الأمة قد أدمنوا على استمراء الاستخفاف بهم ، بل لا يتحرّج بعضهم أن يبادر متطوعاً لعرض نفسه على الغرب كي يُستخف به ، فها هي الحكومة الأردنية تبادر طواعية بتجميد التعاملات المالية لستة من قادة حماس و خمس جمعيات خيرية تقدّم الدعم للشعب الفلسطيني ، لا لشيء إلا لأن أمريكا الهالكة بإذن الله قرّرت تجميد أرصدة قادة حماس الستة الذين لا أرصدة لهم ، فإذا بالأردن و هي تعلم أنه لا أرقام حساب و لا أرصدة للقادة الستة في الأردن و لا في أيّ بلد آخر تقوم باقتفاء أثر أمريكا ، قد يقول البعض هذا تكتيك و أنا أقول هذه جريمة لا تغتفر لأن هذا الإجراء يحمل في طياته إدانة للمقاومة المشروعة للشعب الفلسطيني ، و مباركة و تشجيعاً للموقف الأمريكي المعادي للشعب الفلسطيني و المقاومة الفلسطينية ، ألم يسَع الأردن أن تكون مثل غيرها من الدول التي تأبى أن يستخفّ بها ؟ ألا تدرك الأردن أن حركة المقاومة الإسلامية حماس تقف شوكة في حلق المشروع الصهيوني الرامي إلى تحويل الأردن إلى الدولة الفلسطينية التي يبشّر بها “بوش” ؟!! …

و لا أريد أن أستفيض في الأمثلة فهي كثيرة جداً ، و هذا لا ينفي وجود قيادات في عالمنا الإسلامي تحدّت الاستخفاف بها و صمدت دفاعاً عن كرامتها و كرامة شعوبها ، و لكنها أمثلة قليلة .

و لكن هل هناك من سبيل للخروج من هذا الواقع الأليم ؟ نعم و يتمثّل في أن نعقد العزم على إقامة صرح خلافتنا الإسلامية من جديد ، فنلمّ الشعث الإسلامي في دولة واحدة ، و ما من شكّ أن ما أدعو إليه ليس أمراً سهلاً ، و لكنه ليس مستحيلاً ، و أنا أدرك أنه سيثير غضب الغرب الذي لن يقف مكتوف الأيدي أمام خطوة من هذا القبيل ، و لكنه لا يستطيع أن يمنع وحدتنا إن صدقت عزائمنا ، و ما علينا إلا أن نعقد العزم و نبدأ الخطوة الأولى ثم نتوكّل على الله ، فأيّ تأخير في البدء سيؤدّي إلى تأخير في الخروج من الأزمة .

و لكن الشعوب التي تملك وحدها مفاتيح التغيير لم تتلمّس بعد معالم الطريق الصحيح لإنقاذ الأمة مع أنها تعيش حالةً من الغليان ، خاصة أن الترقيع لم يعد يجدي نفعاً ، فقد اتسع الخرق على الراقع ، فهذه الحالة التي أصبحت مزمنة سببها تفرّق الأمة ، و تفرّق الأمة سببه عدم الأخذ بأسباب الوحدة و على رأسها الاعتصام بحبل الله (وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) (آل عمران:103) ، و حبل الله هو القرآن ، و سبب عدم الاعتصام بحبل الله هم أولياء الأمر .

و لو أننا أجرينا استفتاءً على مستوى شعوبنا الإسلامية لوجدنا أن هناك إجماعاً على الرغبة في إقامة الوحدة الإسلامية في إطار الخلافة الإسلامية ، و سينحصر الرفض في فئة قليلة ، و لكن المشكلة حقيقةً تكمن في أن هذه الفئة القليلة هي التي بيدها مقاليد الأمور ، و هي المنتفعة من بقاء الحال على ما هو عليه .

و من هنا يأتي دور القوى الوطنية و الإسلامية ، و المثقّفون ، و الأدباء ، و النقابيون ، و البرلمانيون ليقولوا كلمتهم ، و ليتحمّلوا مسئولياتهم في استنهاض الأمة من جديد ، و توجيه الشعوب الوجهة الصحيحة لإقامة بناءٍإسلامي شاملٍ يضمّ جميع دولنا الإسلامية في كيانٍ واحد يضم الجميع ، لأنه لكي يكون لنا وجود … علينا أن نقيم الولايات المتحدة الإسلامية … أي نعيد “الخلافة الإسلامية”.

* المصدر: جريدة الشعب المصرية 26-09-2003

يا رب اصلح احوال امتنا
بارك الله فيك وان شاء الله سياتي يوم نكون فيه امة موحدة وننتصر على اعدائنا
اللهم انصر امة محمد

بارك الله فيك وان شاء الله سياتي يوم نكون فيه امة موحدة

بارك الله فيكما كثيرا